قضايا وآراء

تهافت أم واقعية إخواني جزائري؟!

جمال الدين طالب
1300x600
1300x600
جمعني مؤخرا حوار تلفزيوني مع رئيس حركة إسلامية جزائرية تُقدم نفسها على أنها تمثل جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، وحاصلة على "الاعتماد" الحصري للتنظيم العالمي للإخوان وسط "معمعة" من الأحزاب والحركات والشخصيات المحسوبة على الإخوان المسلمين، والتي انشقت أساسا من الحركة الأم أي حركة مجتمع السلم.

سألت رئيس هذه الحركة، التي تقدم نفسها كذلك كالوريث الشرعي لمؤسس حركة مجتمع السلم، الراحل الشيخ نحناح، في البداية سؤالا صريحا وواضحا: هل أصبحت الجزائر أشبه بسفينة بلا رُبان مع الوضع الصحي الواضح للرئيس المقعد؟ الجواب كان محاضرة في "المؤامرات والأيادي الخارجية"، حيث قال إن الأمر لا يتعلق بشخص فالجزائر قلعة من قلاع الأمة، ويجب النظر إليها في منظور المعركة على الأمة وعملية استهداف الجيوش العربية في العراق، وليبيا، واليمن، وعملية تدمير الدولة في سوريا ضمن حسابات وأجندات خارجية".

أخونا الإخواني عندما نسأله ولكن "أليس الطغاة هم من يجلبون الغزاة"؟ يواصل حديثه عن الأجندات الخارجية، التي تستهدف الجزائر. نسأله من وراء هذه الأجندات الخارجية، التي تستهدف "الجزائر، المتزوجة ببوتفليقة أو المتزوج بها"، كما قال الوزير الأول عبد المالك سلال في ذروة حملة الانتخابات الرئاسية في 2014، التي خاضها مع وكلاء آخرين من السلطة نيابة عن الرئيس المريض، الوكلاء نفسهم وسلال، الذين لا يكفون عن اعتبار بوتفليقة ضمانة الاستقرار في الجزائر. يرد صاحبنا أنه لا يتحدث عن الأشخاص إنما عن الأجندات الخارجية، التي تضرب عمق استقرار الأمة والجزائر من عمق هذه الأمة.

يبدو عليه انزعاج واضح لما طلبت منه تسميه هذه الأجندات الخارجية، التي يكرر ذكرها، فيقول ( كما كان متوقعا!) فرنسا الاستعمارية، التي تريد إبقاء الجزائر سوقا وحديقة خلفية لها ..وأنه عندما تكون هناك تحديات خارجية على الجزائريين أن يتوحدوا، ويجب تشكيل "جدار وطني". يتقاطع هذا الخطاب مع الخطاب الذي أصبحت تسوقه السلطة الحاكمة في الجزائر، وأذرعها السياسية والإعلامية وخاصة خطاب الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، والذي يقدم على أنه الحزب الحاكم في الجزائر، وسليل جبهة التحرير الوطني، التي حررت الجزائر من الاستعمار الفرنسي. المفارقة أن عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني مقيم هو وعائلته في فرنسا بعد أن حصل على بطاقة إقامة فيها بعد توسط المتآمر ( تاع الناتو!) كما يقدم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي! وفوق ذلك فقد اشترى سعداني، مثل مسؤولين جزائريين، شقة فخمة هناك في واحدة من أفخم شوارع باريس (من أين له ولهم كل ذلك المال ؟!).

"أخونا الإخواني" يغفل عن كل هذا، ويواصل العزف على "أسطوانة الأيادي الخارجية الفرنسية"، متجنبا الحديث عن "الأصابع الداخلية"، خاصة عندما يقول إن " اللغة الفرنسية يُراد فرضها على الجزائريين على حساب العربية ..وإن لغة الشعب والقرآن أصبحت مستهدفة، وإن مؤسسة العائلة مستهدفة، والنسيج الاجتماعي مستهدف، والوحدة الوطنية مستهدفة"، وذلك في إشارة إلى وزيرة التربية الفرانكفونية نورية بن غبريط. المفارقة مرة أخرى أن صاحبنا يتغافل عن حقيقة أن من عيَّن وزيرة التربية هو الرئيس الجزائري بوتفليقة، وهي تحظى بدعم محيطه!. كما أن أخانا الإخواني وكأنه يريد تغطية الشمس بالغربال في العلاقة الوثيقة، التي تربط حكام الجزائر بفرنسا. 

وفي هذا السياق أسأل أخانا الإخواني، ماذا عن الرئيس بوتفليقة هل ولايته الرابعة كانت بمباركة "الأيادي الخارجية الفرنسية"، كما تقول المعارضة الجزائرية، خاصة وأن الرئيس بوتفليقة كان يعالج في 2013، في مستشفى عسكري فرنسي، نُقل إليه بعد إصابته بجلطة دماغية، وكان حينها جدل حول مدى قدرة بوتفليقة على الاستمرار في الحكم، وتطبيق مادة من الدستور الجزائري تعلن شغور منصب الرئيس، فجاء الرد الحاسم من رئيس فرنسا، حينها فرانسوا هولاند، الذي قال "إن بوتفليقة سيعود قريبا إلى الجزائر، وان رئاسيات 2014، ستجرى في وقتها"، وهي الرئاسيات، الأغرب ربما ليس في تاريخ الجزائر، فقط، بل وفي تاريخ البشرية، حيث فاز بها بوتفليقة برغم أنه لم يشارك في حملتها الانتخابية!. 

في رده عل السؤال "تهرب" أخونا الإخواني بالقول إن الأمر لا يتعلق بالأشخاص وإن الجزائر لا تعاني مشكلة شخص سواء أكان رئيس وجنرال أو رجل الأعمال وهذه الحالات تكون في كل الدول!

عندما أسأله هل وضع الجزائر برئيس مقعد واضح أنه مريض وعاجز، هو وضع طبيعي موجود في كل العالم؟! يأخذ "تهافت" أخانا الإخواني بعدا آخر، عندما يقول في رده بأنه لا يقول أن ذلك طبيعيا، ويجب عدم اختصار وضع الجزائر في رئيس مريض، وأن هناك مؤسسات في البلاد. وهذا الخطاب يتماهى مع خطاب الزمرة الحاكمة في البلاد، المتهمة من قبل المعارضة، وحتى جزء من الموالاة بأنها تحكم باسم الرئيس المريض!.

أما قمة "التهافت" والانتقائية، حتى لا نقول شيئا آخر، عندما نُذكر أخانا الإخواني بأن خطابه عن المؤامرات الخارجية هو نفسه، الذي سَوقه ومازال السيسي وأنصاره في مصر للانقلاب على الرئيس المنتخب ديمقراطيا الإخواني محمد مرسي.. هنا يتغير خطاب أخانا الإخواني يقول إن عملية تبييض خطاب السيسي عبر أي خطاب لا يمكن أن يقبله أي عاقل، وأنه لا مجال للمقارنة؟!!.

أخونا الإخواني، الذي كان يكرر أيضا ضرورة "الرؤية الواقعية"، قال في رده على موقف الجزائر الرسمي الداعم، حتى لا نقول المتخندق مع نظام بشار الأسد، إن للجزائر مصالح استراتيجية يجب أن يحرص عليها الجميع ..ولكن هذا لا يجعله يزكي ما يعتبرها " أخطاء" فقط، بشار الأسد في قتل شعبه، وعدم الاستفادة من دروس الربيع العربي.

الإخواني الجزائري، الذي لا يدين القصف الإجرامي الروسي والتورط الدموي الطائفي الإيراني في سوريا، ولا يشرح ماهي الفائدة الاستراتيجية، التي تجنيها الجزائر بالتخندق مع نظام بشار الأسد الإجرامي، واسترخاص دم الأبرياء في سوريا، يقول "نحن واقعيون، وندعم الموقف الرسمي الجزائري المحترم ونثمنه، وهو الموقف الذي لا يتدخل في شؤون الدول، ونحن نقول بالحوار والمصالحة اليوم قبل الغد، هذا موقفنا نقوله لتيار الإخوان المسلمين، وللجيش الحر، وللنظام السوري. ونقول إن المصالحة باب رئيسي لسوريا اليوم لكي تتنازل الأطراف لبعضها البعض". وكعادة الإسلاميين، عندما يريدون تبرير ما لا يبرر، فإن أخانا الإخواني، لجأ إلى الاستشهاد بالقرآن الكريم، وبالآية الكريمة "ادفع بالتي هي أحسن".

رغم أن الواقع يقول إن نظام الأسد يواصل مجازره في حق الشعب السوري بدعم إيراني وروسي. كما أن الواقع يقول فيما يخص تبرير تثمينه لموقف الجزائر الرسمية الداعم لنظام الأسد، ورفض تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، من منطلق عدم التدخل في الشؤون الداخلية، أن حزب الله يتدخل في الشؤون الداخلية للشعب السوري ويرسل ميليشياته الطائفية لقتل الشعب السوري!. 

هذا الموقف "المتهافت" لممثل الإخوان في الجزائر، والذي يقول إنه "واقعي" ليس من المبالغة القول انه ليس جديدا ففي بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما أجريت أول انتخابات تشريعية حرة في البلاد، كان حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، يتجه نحو اكتساحها، قبل أن يتدخل الجيش وينقلب عليها، كان الموقف الرسمي لإخوان الجزائر، وبإيعاز من إخوان مصر، حينها أقرب إلى موقف "حزب النور" السلفي، في مصر من انقلاب السيسي!.
0
التعليقات (0)