"وقائع موت
معلن" هو عنوان واحدة من أشهر روايات الكاتب الكولومبي الكبير الراحل غابرييل
غارسيا ماركيز، والتي استلهمها، عندما كان في زيارة للجزائر، حين دُعي للاحتفال
بذكرى استقلال الجزائر، في 1979، كواحد من ضيوف الشرف، هو الذي له قصة معبرة مع
الجزائر، حيث اعتقلته الشرطة الفرنسية في أحد شوارع باريس في 1955 أثناء الثورة
التحريرية الجزائرية ظناً منها أنه جزائري، لأن ملامحه كانت تشبه ملامح
الجزائريين. وصرح ماركيز لاحقا أن "الثورة الجزائرية، هي الوحيدة التي سُجنت
من أجلها". وقد التقى مناضلين جزائريين خلال السجن وتوطدت علاقاته معهم وقد
دعم الثورة الجزائرية من حينها.
باستعارة عنوان رواية شهيرة للكاتب
الكولومبي الكبير الراحل غابرييل ماركيز، وفي سياق هذا المقال هناك ما يمكن وصفها
بـ"وقائع دعاية معلنة" لحملة "الإشهار" الكبيرة التي يحظى بها
في
فرنسا، وفي كثير من وسائل إعلامها، الكاتب الفرنسي ـ الجزائري كمال داود
وروايته الجديدة، التي اختار لها عن قصد عنوانا دعائيا Houris (حور العين)، وهي الرواية المرشحة لعدة جوائز
أدبية، وفي مقدمتها أكبرها جائزة "الغونكور"، والأرجح من الآن أن يفوز
بها كمال داود، كما سيفوز بجوائز أخرى بالنظر للتلميع الكبير له وللرواية التي
تتناول "العنف ضد المرأة والإرهاب الإسلاموي في الجزائر خلال الحرب الأهلية
في الجزائر في العشرية السوداء (1992 ـ 2002)".
وقائع وشواهد تلميع كمال داود في فرنسا وإبرازه تبدو واضحة، وستتوج فيما يبدو بأكبر جائزة أدبية فرنسية "الغونكور"، التي كان فاز بجائزة أولى رواية فيها تصنيفها "ميرسو.. تحقيق مضاد" عام 2015، رغم أنها ليست الرواية الأولى له كما ذكرنا أعلاه.
لا مجال هنا للخوض بالتفصيل في القراءة
الأدبية للرواية، التي وجدتها ممططة ومنمطة، ومليئة بالكليشيهات وبالحشو بأكثر من
400 صفحة و"الأجندة السياسوية" التي لم تعد خفية للكاتب نفسه، ولرعاته
في فرنسا! ولكن يبدو مدهشا فعلا أنه يتم تقديم كمال داود على "أنه كسر
تابوهات" كبيرة فيها، وكأنه هو المدافع الوحيد عن المرأة (رغم أنه متهم
بالاعتداء بعصا على زوجته السابقة!)، وكأنه هو الأول والوحيد الذي تناول هذا
الموضوع روائيا رغم أن عشرات الروايات والكتب تناولت هذا الموضوع "حد
التخمة" منذ تسعينيات القرن الماضي.
يا فرعون!
بل أن كمال داود نفسه تناول هذا الموضوع في
روايته الأولى التي عنونها Ô Pharaon (يا
فرعون)، التي أصدرها في الجزائر في 2005، والتي يحرص على إخفائها من قائمة إصداراته،
وإذا عرف السبب بطل العجب، ففي هذه الرواية كما يشير الكاتب فارس لونيس في مقال
بموقع "أوريان (الشرق) 21"، يدافع "كمال داود (الإسلاموي السابق
التائب باعترافه) على الفرضية القائلة بأن "العسكر فقط هم الذين كانوا يقتلون"
خلال الحرب الأهلية الجزائرية.. وبينما في روايته الجديدة (حور العين)، فبأسلوبه
المتبجح والغامض يطرح فكرة مخالفة تمامًا، وهي أن الإسلاميين فقط من كانوا يقتلون
وما زالوا يقتلون".
مقال فارس لونيس حمل عنوان "انبهار
كمال داود باليمين المتطرف"، ووثق فيه كيف تحول داود إلى "بوق دعائي
لليمين المتطرف في فرنسا"، بل وبمزايدات حتى على هذا التيار، وخاصة منذ حصوله
على الجنسية الفرنسية في 2020 بقرار من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وتظهر طروحات كمال داود خاصة في العمود
الأسبوعي الذي يكتبه منذ سنوات في مجلة "لوبوان" اليمينية الفرنسية،
التي لا يتوقف فيها عن التماهي والترويج والتبرير لطروحات هذا اليمين المتطرف،
وبـ"هوس" خاص في موضوع الاستعمار الفرنسي للجزائر تحديدا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مالك مجلة
"لوبوان" هو الملياردير الفرنسي فرانسوا بينو، الذي كان التحق بجيش
الاحتلال الفرنسي في الجزائر، وخدم فيه بين 1956 و1958.
وفي هذا السياق تشير الأستاذة الجامعية
والناقدة الأدبية المعروفة، كريستيان شوليه عاشور في قراءة نقدية تفكيكية معمقة
لرواية (حور العين) نشرتها في موقع "كولاتيرال" أن كمال داود يعمد مما
يعمد في الرواية لـ"محاولة كتابة تاريخ الحرب الأهلية بين الجزائريين على
أنها أكثر دموية بكثير من الحرب ضد فرنسا المستعمرة. ويفضل الروائي تقنيتين:
التركيز والتكرار".
ولا يخفي كمال داود في تصريحاته وكتاباته
التركيز وتكرار على هذا الموضوع، أي محاولة موازاة، بل ومسح عار الوحشية
الاستعمارية الفرنسية، بالحرب الأهلية في الجزائر، رغم أن هناك من يحاجج وفي مقدمتهم
المفكر وطبيب الأمراض العقلية وأحد أبرز وجوه الثورة التحريرية الجزائرية، الراحل
فرانز فانون أن جذور العنف لدى المستَعمر تعود بشكل كبير للمستعمِر أيضا.
والمفارقة أن كمال داود الذي لا يتوقف هو
والإعلام الفرنسي، الذي يروج له، عن الإشارة إلى فظائع الحرب الأهلية في الجزائر،
كان وقبل سنوات فقط، قا في فيلم وثائقي جمعه
مع الكاتبة المغربية ليلي سليماني أن "أفضل أوقات قضاها في الجزائر كانت خلال
سنوات هذه الحرب الأهلية.. كثير من الجنس والشراب"!
وقائع وشواهد
تلميع كمال داود في فرنسا
وإبرازه تبدو واضحة، وستتوج فيما يبدو بأكبر جائزة أدبية فرنسية
"الغونكور"، التي كان فاز بجائزة أولى رواية فيها تصنيفها "ميرسو..
تحقيق مضاد" عام 2015، رغم أنها ليست الرواية الأولى له كما ذكرنا أعلاه.
هذه المكافأة.. فما هي الخدمة المقدمة..
ولمن يكتب (ربما الأصح يزمر) كمال داود "مزاميره" الأدبية، هو الذي كتب
بالمناسبة رواية بعنوان "زبور"؟! الذي يتابع ما يصرح به ويكتبه كمال
داود وبينها، في عموده الأسبوعي في مجلة "لوبوان"، ربما يجد الجواب.. ففي
هذا العمود لا يتوقف الكاتب منذ أكتوبر 2023 وبــ"جمبازيات" لغوية في
"المزايدة والمناقصة" في التبرير والاعتذارية لإسرائيل، مع محاولة تغليف
مقالاته بـ"دموع تمساحية" وعن معاداة السامية، ومهاجمة العرب والمسلمين
(بالتعميم)، وما يصفه بـ"العالم الذي يسمى عربيا"، رغم أنه لا يتوانى في
"التكسب والارتزاق" بالكتابة بتهجم وادعائية وبعدم مصداقية عن العرب
وهذا العالم العربي والإسلامي عندما يستكتبه الإعلام الغربي لذلك!
عدم التضامن مع فلسطين
موقف كمال داود لم يكن ولم يعد مفاجئا، منذ
مقاله في 2015 عن "عدم تضامنه مع فلسطين"، والذي فتح له بالتزامن مع
نجاح روايته "ميرسو.. تحقيق مضاد" باب إرضاء الدوائر الصهيونية (خاصة
الإعلامية والأدبية) في فرنسا لغرض مرتبط بتسويقه وتلميعه. وهذا ما حدث فعلا، مع
تقاطر الجوائز عليه، واستقطابه من قبل مجلة "لوبوان" اليمينية، وتحوله
خلال فترة قياسية، إلى "الولد المدلل" للإعلام الفرنسي ومن خلاله الغربي!
ومنذ أكتوبر 2023 لا يتوقف كمال داود عن
تكرار أسطوانة معاداة السامية، التي بدأها بمقال اعتذاري، تمسحي تحت عنوان
"رسالة لإسرائيلي مجهول" ذكر فيه "أنه تربى على كراهية
(الإسرائيلي) لكنه بذل مجهودا ليفهمه".
وكتب: "لقد استغرق الأمر مني وقتًا
طويلاً حتى أتمكن من مقابلة شعبكم ومحاولة فهم تاريخكم. وأعتقد، وربما أخطئ، أنّنا
لا نفهم في بلادنا غضبك من العيش بعد قرون من محاولات الإبادة. ولا نفهم شيئًا من
معاناتك القديمة أو الثقل المروع للأرض التي استعادتها في أخيراً. ولا نفهم أنّك
في حربك تريد الدفاع عن نفسك ضد الموت المطلق".
ويمضي داود ليقول: "من ناحية أخرى، في
بلادنا، لا نتذكر سوى نهب الأراضي، والاستسلام، والشعب الملعون، بينما أنتم شعب
استيقظ أخيرًا. ولم نر فيكم سوى استعمار، وفي السنوات الأخيرة، ملحمة عتيقة للشعب
المختار الذي يرفض قانون الإله الذي انحاز إلى جانبنا".
منذ أكتوبر 2023 لا يتوقف كمال داود عن تكرار أسطوانة معاداة السامية، التي بدأها بمقال اعتذاري، تمسحي تحت عنوان "رسالة لإسرائيلي مجهول" ذكر فيه "أنه تربى على كراهية (الإسرائيلي) لكنه بذل مجهودا ليفهمه".
الإسلاموي التائب الذي أصبح علمانيا شرسا
كمال داود، (الإسلاموي السابق باعترافه في
شبابه، وكان إمام قريته باعترافه!)، والذي أصبح يقدم نفسه "كلائكي"
(علماني على الطريقة الفرنسية) شرس، إحالته واضحة هنا عن "الشعب المختار
واستعادة الأرض بعد قرون" إلى "أن فلسطين المحتلة هي أرض الميعاد التي
وعد الله (أي إله بمنطق داود؟!) اليهود بها" وقد استعادوها على حساب الشعب
الفلسطيني باحتلال إرهابي موثق من العصابات الصهيونية، التي جاءت في غالبيتها من
أوروبا، والتي "لم تكن تؤمن بالله، ولكنها تؤمن أنه وعدها بأرض
الميعاد!"، كما قال المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي، الذي يزايد عليه كمال داود
وعلى غيره من اليهود الناقدين للكيان الصهيوني، بـ"فزاعة معاداة السامية".
الإسلاموي السابق مروجا للإسلاموفوبيا!
وقد ارتبط اسم كمال داود بفضيحة مقاله عن
"هجوم مدينة كولون الألمانية" في ليلة رأس سنة 2016، والذي زعم فيه أن
هجوما جماعيا جنسيا (شمل اغتصابات) لعشرات اللاجئين والمهاجرين المسلمين ضد
ألمانيات، وأن ذلك يعبر عن "البؤس الجنسي للمسلمين ونظرتهم للمرأة".
واللافت أن مجموعة من المثقفين الغربيين انتقدوا في عريضة مقال دواد واعتبروه
ترويجا لطروحات إسلاموفوبية عنصرية يشجعها ويرعاها اليمين العنصري (المعادي
تاريخيا لليهود). وقد اتضح لاحقا أن ما طرحه كمال داود لم تكن إلا أكاذيب وأن
تحقيقا ألمانيا كشف عن عدم وجود أية اعتداءات جنسية تلك الليلة!
ورغم هذا واصل كمال داود العزف على هذا
الوتر، والحديث عن المرأة في العالم العربي والإسلامي ـ (بينما لا يهزه وضع النساء
الكارثي جراء الهولوكست الإسرائيلي في غزة!)ـ رغم أنه لا يمكن أن يكون كمال داود مرجعا له مصداقية هنا، مثلما كتب الكاتب
الفرنسي في أكتوبر 2022 في مقاله في موقعي "لوسوار" و"أفريك
أزي" عنونه بـ" عندما ضرب كامل داود صديق ماكرون زوجته السابقة"!،
وتحدث فيه عن القضية التي رفعتها زوجة كمال داود السابقة التي تتهمه فيها بضربها
بعصا!
فلمن "يزمر" كمال داود
"مزاميره" فعلا؟!