مقابلات

خبير نووي يكشف لـ"عربي21" مخاطر مشروع "الضبعة" المصري

صلاح: كيف للشعب المصري أن يسكت على جرائم نظام الانقلاب التي تهدد تماسكه ووجوده؟- عربي21
صلاح: كيف للشعب المصري أن يسكت على جرائم نظام الانقلاب التي تهدد تماسكه ووجوده؟- عربي21
كشف الباحث في الهندسة النووية بالكلية الملكية في كندا، د. محمد صلاح، عن تفاصيل المخاطر المتعلقة بالاتفاق النووي بين الحكومة المصرية وروسيا، بشأن إنشاء محطة الضبعة النووية، التي من المزمع أن تضم أربعة مفاعلات نووية.

وتحدث -في حوار لـ"عربي 21"- عن التداعيات التي وصفها بـ"الخطيرة والكارثية، علميا واقتصاديا وسياسيا، لتلك الاتفاقية"، والتي يأتي على رأسها "تهديد سيادة مصر وأمنها القومي ومستقبل أبنائها" وفق قوله.

وقال: "لم يعانِ أي برنامج نووي سلمي في العالم من عثرات؛ مثلما عانى البرنامج النووي المصري، فمنذ خمسينيات القرن الماضي؛ حينما بدأ حلم الاستخدام السلمي للطاقة النووية، حيث كانت القوانين الدولية تسمح بالكثير من تدفق المعلومات والتكنولوجيا، وعلى مدى أكثر من 60 عاما تحت وطأة الحكم العسكري، ومع تغير الوجوه؛ إلا أن التوجه نحو إفشال أي تقدم لمصر في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية؛ كان هو القاسم المشترك بين حكومات العسكر المتعاقبة".

وأضاف صلاح أنه "منذ انقلاب 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، وحتى انقلاب 2013 بقيادة عبدالفتاح السيسي؛ عمل العسكر طوال تلك السنوات على المتاجرة الدائمة بمستقبل الشعب، ومداعبة آماله؛ بتسويق الأكاذيب، التي أدت إلى تخلف مصر ليس في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية فحسب، وإنما في كافة المجالات، وخاصة العلمية منها".

وأوضح أنه في نفس الإطار؛ حاول السيسي استخدام الورقة ذاتها؛ سعيا منه للترويج لنفسه، من أجل الحصول على شرعية زائفة، وذلك بالإعلان عن بناء أربعة مفاعلات نووية من مفاعلات الجيل III+ ومن الطراز الروسي VVER1200 ، من خلال اتفاقيات تعاون مع الحكومة الروسية في هذا المجال، وبالأمر المباشر مع شركة "روس آتوم"Rosatom  الروسية، مشيرا إلى أن "كل ما سبق؛ تم دون إجراء أي مناقصات، أو دراسات جدوى جادة وشفافة حول المشروع، وأسباب الترسية أو اختيار هذا النوع من المفاعلات، والاعتبارات الفنية والتكنولوجية والسياسية والاقتصادية لهذا الاختيار".

وذهب صلاح إلى القول بأن "نظام السيسي استغل اغتصابه للسلطات التشريعية -بعد الانقلاب على كل من شرعية الرئيس مرسي، والبرلمان الممثل في مجلس الشورى حينها- في التوقيع على العديد من الاتفاقيات التي أضاعت حقوق مصر والمصريين في مقدراتهم، من حقول الغاز في المياه الإقليمية بشرق المتوسط، إلى حقوق مصر التاريخية في مياه النيل".

وفي 30 كانون الأول/ ديسمبر 2015، كشفت شركة "روس آتوم" الروسية عن عقد إنشاء المفاعلات النووية في مصر، في الوقت الذي فرضت فيه السلطات المصرية تعتيما على هذا العقد بقرض بقيمة 85% من تكلفة المشروع الذي تم توقيعه بمبلغ 25 مليار دولار، خاصة بعدما أصدر النائب العام المصري قرارا بوقف النشر في مشروع المفاعل النووي المصري بتاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر 2015.

وتتكفل روسيا -وفقا للعقد- بـ85 بالمئة من تكاليف المحطة النووية، بمبلغ 25 مليار دولار، في صورة قروض آجلة من قيمة المشروع، وبفائدة سنوية مقدارها 3 بالمئة، على أن توفر مصر 15 بالمئة من قيمة المشروع (4.4 مليار دولار) والذي يتوجب على القاهرة سداد قيمته كاملا بعد تسليم المحطة وتشغيلها، والمقرر ذلك خلال عام 2028.

وقال صلاح إن "القرار الجمهوري صدر في 19 أيار/ مايو 2016 بالموافقة على القرض، لإتمام تلك الاتفاقية مجهولة المعالم مع الحكومة الروسية، لإنشاء أربعة مفاعلات نووية بأسلوب تسليم المفتاح"، مشيرا إلى حظر النشر الذي صدر عن النائب العام "ليضع المزيد من علامات الاستفهام حول طبيعة تلك الاتفاقية، ومدى جديتها وفحواها، ومدى خطورة بنودها على الأمن القومي المصري والسيادة المصرية ومستقبل مصر في هذا المجال، وأمن وأمان الأجيال القادمة".

ولفت إلى أن طريقة صيانة وتصنيع وقود ومستلزمات المفاعل النووي؛ هي حكر على الشركة الروسية "روس آتوم"، مضيفا: "للأسف؛ لا يوجد على موقع الشركة أو الإعلام المصري؛ أية تفاصيل عن طراز المفاعل VVER1200 الذي تم التعاقد عليه، حيث يوجد أكثر من تصميم مثلVVER-1200 (V-491) ، وVVER-1200 (392M)".

وتابع المتخصص في المفاعلات النووية: "لكن؛ وفقا لتقرير الهيئة الدولية للطاقة الذرية؛ فإن أيا من التصاميم له عمر افتراضي يصل إلى 60 عاما من التشغيل، قابلة للإطالة إلى 80 عاما، بحسب حالة قلب المفاعل وأجهزته حينها، ولكن هناك بعض الاختلافات التقنية بينها، وخاصة في ما يسمى بمعاملات الأمان".

وأوضح أن "حزم الوقود في المفاعل الروسي VVER1200 أيا كان طرازه أو تصميمه؛ ذات شكل سداسي، وذات أبعاد مختلفة تماما عن التصميم الأوروبي أو الأمريكي أو الكندي، والتي تتبنى التصميم الرباعي لمفاعلات إنتاج الطاقة السلمية المماثلة في التصميم والقدرة الناتجة، وكذلك فإن أبعاد قطع الوقود النووي، وغرف التحكم في المفاعل، وهندستها؛ مختلفة عن المفاعلات الأخرى، وهذا يعني أننا لا نستطيع أبدا إيجاد أي دعم فني أو صيانة من أي طرف نووي آخر غير الطرف الروسي".

وقال: "بما أن المفاعل يعمل بالماء الخفيف فإنه يحتاج إلى نسبة تخصيب تصل الى ما بين 4% إلى 5%، بالإضافة إلى أن أبعاد حجم وقطع الوقود تختلف تماما عن تلك الموجودة في المفاعلات الأخرى ذات التصميم المشابه. أى أن شحن المفاعل بالوقود لابد أن يكون بالتعاقد المستمر مع الشركة الروسية ولمدة 60 عاما على الأقل، ما لم تقم مصر بإنشاء تلك الصناعة".

وأضاف: "كما أن تخصيب اليورانيوم بنسب تصل إلى 5 بالمئة على الأكثر؛ سيظل حبيسا للتبعية الروسية طوال هذه المدة، في ظل عدم امتلاك مصر لتلك التكنولوجيا، وهو ما لا نعرف عنه أي شيء من خلال بنود التعاقد المجهولة، لذا فإن هذا يستوجب الاعتماد التام على الطرف الروسي في إنتاج الوقود المخصب، بالإضافة إلى تصنيع الوقود بأبعاد معينة، وهي أبعاد وحيدة للمفاعل الروسي".

وبيّن صلاح أن هناك "عيوبا فنية كثيرة في المفاعلات الروسية الحديثة"، مؤكدا أن "بعض تلك العيوب ظهرت في المفاعلات الروسية من النوع VVER-1000 - aes-2006 في كل من الهند والصين، بعدما تعاقدا على مفاعلين من الجيل الثالث من طراز AES-92  وAES-91".

وقال إنه "بالرغم من اختلاف جيل وطراز تلك المفاعلات عن المفاعلات المزمع بناؤها في مصر؛ إلا أن المشكلة تكمن هنا في أنها بُنيت قبل نهاية التقييم الأوروبي لهذه الأنواع من المفاعلات الجديدة، وهو الأمر الذي أدى إلى عدم تدارك عيوب التصميم في حالة المفاعل AES-92 الذي تم إنشاؤه في الهند، حيث لم تتجاوز نسبة تشغيله خلال وقت التشغيل البالغ 14 شهرا؛ الـ45 بالمئة فقط، وذلك بعد أن تأخر شحنه بالوقود لمدة 12 عاما، وكان هناك أكثر من 14 حالة من الإنذار بالخطر خلال أول 10 أشهر من العمل".

وتابع: "أما في حالة المفاعل المبني في الصينAES-91 ؛ فإن ما ثبت لاحقا أن مواصفات التشغيل لهذا المفاعل؛ كانت دون المستوى الفني الذي أعلنت عنه الشركة الروسية".

وأشار صلاح إلى أن "العالم على وشك الانتقال إلى مفاعلات الجيل الرابع، والتي تتمتع بكفاءة إنتاج الكهرباء بنسبة تتجاوز 50 بالمئة، مقارنة بـ30 بالمئة في المفاعلات الحالية، والتي منها طراز المفاعل الروسي"، مبينا أن "الصين بدأت بالفعل في بناء أول مفاعل من هذه المفاعلات".

وأضاف أن "الانتظار عدة سنوات قليلة؛ سيهئ فرصة لإعداد الكوادر، وسيجعل الجدوى الاقتصادية من دخول مفاعلات الجيل الرابع؛ أفضل بما يزيد على 20 بالمئة عن الجدوى الاقتصادية في بناء مفاعلات من الجيل الثالثIII+، فضلا عن أن ذلك يوفر لنا تكلفة أقل، وتكنولوجيا أحدث".

ولفت إلى أنه "لا توجد كراسة شروط، أو مناقصة عالمية، بالنسبة للمفاعل النووي المصري المزمع إنشاؤه"، موضحا أن ذلك "يؤكد على  عدم الشفافية في الاتفاقية المصرية الروسية"، بالإضافة إلى أنه "لا توجد دراسة معلنة توضح الجدوى الاقتصادية، ولا يوجد حساب تحليلي لتكلفة الكيلو وات الناتج عن تلك المحطات النووية".

وقال إنه "لا توجد أيضا دراسة علمية، أو شفافية اقتصادية، في كيفية تحميل تكاليف البناء والصيانة والهدم بعد نهاية عمر المفاعل، كما لا توجد دراسة علمية أو اقتصادية عن أسلوب معالجة النفايات النووية بعد انتهاء فترة التبريد".

وتساءل صلاح: "هل سيتم دفن النفايات كما هي في مصر، أم سيتم معالجتها وتصنيفها في المعامل الروسية وبالأساليب الروسية في المعالجة والتصنيف، ومن ثم إرجاعها لنا مرة أخرى لدفنها في مصر؟ وما مدى جاهزية المدافن النووية للتصنيفات المختلفة من النفايات؟ وهل تجهيز هذه المدافن مشتمل عليه العقد أم لا؟".

وأوضح أن "متوسط سعر المفاعلات النووية في العالم؛ يتراوح بين أربعة وخمسة مليارات دولار، بينما العقد الروسي يكلف -وفقا لما هو معلن- 25 مليار دولار -كقرض- بما يمثل 85% من القيمة، وتدفع فوقها مصر ما يعادل 15 بالمئة، أي ما يعادل 4.4 مليار دولار، لتصبح القيمة الإجمالية ما يقارب 29.4 مليار دولار، وبذلك تصل تكلفة سعر المفاعل الواحد ما يقارب 7.4 مليار دولار، وهذا مع فرض عدم وجود أية إضافات مالية أخرى في حال تأخر سداد أقساط الدين".

وتابع: "بينما هناك مفاعلان -وفقا للتعاقد- بين نفس الشركة (روس اتوم) ودولة بيلاروس، في عام 2012، بتعاقد يبلغ خمسة مليارات دولار للمفاعل الواحد، أي بفارق  يصل إلى 2.4 مليار دولار في المفاعل الواحد، أو ما يقارب 9.6 مليار دولار بالنسبة للمحطة النووية ككل، وهو ما يضع الكثير من علامات الاستفهام، وظلال من الشكوك بفساد واضح حول التعاقد المصري، وخاصة في ظل التعتيم على الاتفاقية، وعدم الشفافية في آليات اتخاذ قرار الترسية بالأمر المباشر، وعدم إجراء مناقصة دولية".

وأكد أن عدم الشفافية أو الإعلان عن الاتفاقية وبنودها؛ يجعل عملية هدم المفاعل بعد انتهاء عمر المفاعل بفترة تتراوح بين 30 و50 عاما؛ معقدة جدا، وتحتاج إلى عمليات تصنيف نفايات، مشددا على أنه "لا بد من تضمين تلك الحسابات في دراسة الجدوى، وعدم تضمينها يؤدي إلى الخلل في الحسابات المالية لتكلفة الكيلو وات، مما يؤدي إلى خسائر مادية كبيرة على المدى الطويل".

وقال صلاح إن الاعتماد المطلق على التكنولوجيا الروسية في التوريدات والمستلزمات؛ يضع مصر تحت التبعية الاقتصادية والسياسية للدولة الروسية ولمدة تزيد عن 60 عاما، مؤكدا أن الترسية بالأمر المباشر هو أمر غير متبع عادة في مجال إنشاء المفاعلات النووية على مستوى العالم، وخاصة أن هناك أنواعا أخرى من المفاعلات؛ مماثلة في القدرة، وأكثر أمانا وتجربة من قبل شركات عالمية أكثر التزاما، كتلك التي في كوريا وكندا وأمريكا والاتحاد الأوروبي.

وأضاف أن "عقد الاتفاقية بأسلوب تسليم المفتاح، وفي الإطار المعروف عن الأسلوب الروسي البخيل في نقل التكنولوجيا والخبرة، حيث لا يمنح زبائنه كامل معلوماته أو خبراته التكنولوجية، ليصبح الزبون تابعا له على الدوام، وليتمكن من التحكم فيه بشكل مستمر"، مضيفا أن "هذا سيؤثر بشدة على السياسة المصرية، ويجعلها ممزقة بين سندان الشرق، ومطرقة الغرب".

واستطرد صلاح قائلا: "بالرغم مما يذكر عن المفاعل الروسي من تعدد أطر الأمان؛ إلا أن الخبرة الروسية السابقة في الشفافية بالنسبة لمستوى الأمان في الحوادث المختلفة، مثل تشرنوبل، والغواصة النووية كورسك؛ تلقي بظلال كثيفة على خطورة تصميم المفاعل الروسي، وخاصة أنه لم يختبر بالقدر الكافي خارج روسيا حتى الآن، على خلاف المفاعلات الغربية الأخرى من نفس الطراز مثل PWR1000، وCANDU".

ولفت إلى أن "هذا المشروع إن اكتمل؛ سيكون عبئا على حاضر مصر ومستقبلها، ليس فقط على المستوى السياسي، بل على المستويين الاقتصادي والعلمي، فضلا عن الأمني".

واقترح أن تقوم القوى الرافضة لسلطة الانقلاب، بإرسال رسائل إلى المدير العام للهيئة الدولية للطاقة الذرية "يوكيا أمانو" مفادها أن من وقعوا التعاقد مع الجانب الروسي لا يمثلون الشعب المصري، وأن هذه الاتفاقية تمثل خطرا شديدا على المصريين والمنطقة، بالإضافة إلى مطالبة الهيئة الدولية بالاطلاع على بنود مراجعة الأمان لهذا النوع من المفاعلات.

وطالب صلاح بأن يتم تدشين حملات توعية متنوعة ومستمرة للشعب المصري، تكشف عن خطورة هذه الاتفاقية على مستقبله، وأمانه، وحياة أفراده، واستقلالية قراره، متسائلا: "كيف للشعب المصري أن يسكت على جرائم نظام الانقلاب التي تهدد ليس فقط حاضره ومستقبله، وإنما تهدد أيضا تماسكه، وربما يصل التهديد إلى وجود الدولة المصرية ذاتها".
التعليقات (1)
ام خالد
الإثنين، 23-05-2016 08:53 م
السيسي محى الماضي و قتل الحاضر و باع المستقبل. و لن ننتصر عليه إلا بفكر وأعي و تكاتف كل أبناء مصر الشرفاء من أمثال الدكتور محمد