اعتبر لطفي زيتون، المستشار السياسي لرئيس
حركة النهضة التونسية راشد
الغنوشي، أن تجربة الحركة في الحكم شابها بعض "الضعف"، مشيرا إلى أنها لم تكن مستعدة لتولي السلطة بعد الثورة.
من جهة أخرى، أبدى زيتون، في حوار مع "عربي21"، عدم ارتياحه لمصطلح "الإسلام السياسي"، معتبرا أنه "ربطنا مع حركات لا صلة؛ لا فكرية ولا سياسية ولا جغرافية معها.. وجعلنا نتحمل عبء سلوكها وجرائمها أحيانا"، وفق تعبيره.
وحول ما يُنتظر من مؤتمر الحركة العاشر الذي يُفتتح الجمعة في مدينة الحمامات التونسية، توقع زيتون أن "يضع النهضة على طريق جديد؛ ينتهي إلى أن تصبح ركيزة من ركائز الاجتماع السياسي التونسي، وأن تندرج في أركان الدولة التونسية"، دون مزيد من التفاصيل.
وأشار إلى أن هناك خلافا داخل الحركة "حول طبيعة المؤسسة التنفيذية (في الحركة)، إذ يدفع بعض القياديين إلى أن تتم عملية التوريث الآن من خلال انتخاب المكتب التنفيذي، بينما تطالب أغلبية الحركة بتقوية المؤسسة الشورية والمؤسسات الرقابية وتوسيع الممارسة الانتخابية؛ لإفراز الهياكل في مختلف مستوياتها وتصعيد قيادة تنفيذية متوازنة".
وفيما يلي نص الحوار:
* هل قامت حركة النّهضة بقراءة نقدية لسلوكها السياسي في مرحلة ما بعد الثّورة؟ كيف تقيّمون مرحلة الحكم الأولى وما تلاها؟
- دفعت الأجواء الجديدة التي أنتجتها ثورة الحرية والكرامة حركة النهضة إلى تحمل مسؤولية الحكم بشكل مفاجئ، بينما كانت لتوها خارجة من محنة طويلة مزقت تنظيمها بين عشرات السجون وعشرات المنافي.
ففي الوقت الذي كان على الحركة لملمة صفوفها ومراجعة مسيرتها وإعادة تحديد رؤاها وبلورة سياساتها، انخرطت في تجربة الحكم في أوضاع صعبة ذاتيا وموضوعيا، حيث عجزت عن تشكيل حكومة وحدة وطنية كانت ضرورية لتحقيق الاستقرار، وأسرفت في توزيع الوعود بسبب عدم إلمامها بموارد البلاد وإمكاناتها، ومستوى الترهل الذي بلغه الاقتصاد التونسي ما أدى إلى انفجار الثورة.
يضاف إلى ذلك الضعف الفادح في إمكانات الشخص الذي تولى قيادة تجربة الحكم. هذا الضعف زاده فداحة ما لجأت إليه بعض الجيوب الإرهابية من استهداف لزعماء سياسيين، مثل شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ما هدد التجربة بالانهيار النهائي؛ لولا مبادرة السيد الباجي قايد السبسي والشيخ راشد الغنوشي بالالتقاء وتهدئة الأوضاع، والاندراج في الحوار الوطني الذي أدى في النهاية إلى توفير مخرج مشرف للنهضة من حكم لم تعد تطيقه.
* يقول بعض منتقديكم إن حالة التّحوّل في خطابكم السياسي وانتقاله من منطق الثّورة لمنطق الدّولة، هو مُجرّد حالة تأقلم مع حجم الانتقادات التي وُجّهت إليكم، وأنّه لا يمكن اعتباره تطوّرا حقيقيا نابعا عن قناعات، وأنه يجب التعامل مع هذا التحول بحذر. ما تعليقكم؟
- وماذا يفعل السياسي غير التأقلم مع احتياجات الناس وانتظاراتهم وخدمة مصالحهم؟ كتبت منذ نيسان/ أبريل 2011، مباشرة بعد الثورة وقبل الدخول في أي استحقاق سياسي، أن ثورة الحرية والكرامة قد غيّرت من طبيعة الدولة، فلم يعد في برنامجها التدخل في هوية الشعب ولا قهره، فوجب على حركات المعارضة التي نشأت في أجواء الدكتاتورية ومردت على مواجهة الدولة وعدم الاعتراف بها، والخلط بين السياسي والإيديولوجي والمزج بين مناشط من طبائع مختلفة، أن تغير من طبيعتها، وأن تترك المناشط المدنية للمجتمع المدني وأن تتهيا بشريا وبرامجيا للاندراج في الحكم، وأن تعدل أوتار علاقتها مع الدولة.
لم تسمح الظروف ولا الوعي بالاستماع لذلك الصوت الذي كان أقليا، ولكن تطور الأوضاع كان كفيلا بتحويله إلى تيار واسع يُنتظر، بعد أن ينجز عملية التحول في تونس، أن يتحول إلى خط غالب في كل حركات ما يسمى بالإسلام السياسي.
* إلى أي مدى ساهمت انتقادات باقي الأطراف السياسية في تونس في رسم ملامح الخيارات الكبرى التي من المنتظر أن يُزكّيها المُؤتمر القادم؟
- التحولات هي استجابة لحاجة الدولة التي تنتظر من الأطراف السياسية أن تنتج البرامج الكفيلة بحل مشاكل الناس، وأن تتهيأ بشريا وذهنيا لتحمل أعباء الحكم والمشاركة في مؤسساته، واستجابة لرغبة مجتمعية لا تريد أن تحكمها فرقة أو طائفة دينية تتمايز عنه عقائديا وأيديولوجيا؛ ويعتبر أعضاؤها أنفسهم صفوة فوق البشر العاديين، لهم تنظيمهم السري وطقوسهم الخاصة. الأغلبية ترى في صعود من كانت تلك طبيعته إلى سدة الحكم؛ اختراقا لمؤسسات الدولة وليس تطورا طبيعيا. أما أصوات الهامش التي تدفع، تشترط تغييرا في الهوية ومفاصلة للدين فلا يسمع لها.
* هل يوجد توافق حول الخط السياسي الذي تتبعه الحركة اليوم؟ ألم تبتعد عن عمقها الشّعبي الذي طالما عُرفت به؟
- العمق الشعبي اجتماعي وليس سياسيا، والثورة التونسية ثورة اجتماعية عميقة، بتعبير المفكرة الأمريكية ثيدا سكوتشبول. فالمهم إذن أن يبقى الحزب السياسي حاملا لهموم وتطلعات وحاجات وانتظارات الفئات الاجتماعية التي يمثلها، وبقدر ما ينجح في تقريبها من المركز وتمثيل مصالحها في قلب الدولة بقدر ما ترتفع شعبيته. أما على المستوى السياسي، فالسواد الأعظم من الناس يميل إلى الهدوء والتوافق والأمن والاستقرار، ويرفض التوتر والتصعيد والحروب الأهلية الكلامية أو المسلحة.
* عُرفت بمناداتك بضرورة التّخفّف من الإيديولوجيا في العمل السياسي.. ألا يُعتبر هذا تخلّيا عن هويّة حركة النهضة التي تتميّز بها في الساحة السياسية اليوم؟ وهل يلقى هذا الطّرح رواجا في الدّاخل النّهضوي؟
- هوية الحزب السياسي هي برنامجه الذي يتقدم به للانتخابات، وجملة المصالح الاجتماعية التي يمثلها. تاريخيا، هويتها (الحركة) صيغت لنا ولم نستشر في ذلك، ولكن استحسنّاه بفعل تدني وعينا السياسي والفكري. فعندما اُطلقت علينا تسمية "الإسلام الاحتجاجي في تونس"، وقد كنا شبابا غضا متحمسا، أعجبتنا التسمية، لكنها تحولت إلى سجن انتهى بمواجهات بين الحركة والدولة تسببت في استئصال للحركة دام عشريتين، تم سجنّا خلالها في مصطلح "الإسلام السياسي" الذي ربطنا مع حركات لا صلة لا فكرية ولا سياسية ولا جغرافية معها.. وجعلنا نتحمل عبء سلوكها وجرائمها أحيانا.
* هل تم الاتفاق على طبيعة المُؤسّسات القيادية التي ستقود الحركة خلال الفترة القادمة؟
- هناك خلاف حول طبيعة المؤسسة التنفيذية، إذ يدفع بعض القياديين إلى أن تتم عملية التوريث الآن من خلال انتخاب المكتب التنفيذي، بينما تطالب أغلبية الحركة بتقوية المؤسسة الشورية والمؤسسات الرقابية وتوسيع الممارسة الانتخابية؛ لإفراز الهياكل في مختلف مستوياتها وتصعيد قيادة تنفيذية متوازنة، كما تنادي بالمحافظة على الرصيد التاريخي المناضل وبذل الجهد لتأهيله وتدريبه، وتطعيمه بكفاءات جديدة، من خلال فتح الباب أمام إرادة الانخراط وإلغاء التراتبية في الانتماء.
* ماذا تنتظرون من المُؤتمر القادم للحركة؟ وهل هنالك مخاوف من أن يُؤدّي المُؤتمر لحصول تصدّعات داخليّة، كما هو الحال في أغلب الأحزاب السياسية التونسية؟
- الساحة الحزبية عموما هشة وتشهد اهتزازات؛ حتى يتم كتابة قانون متطور للأحزاب ينظم مسألة التمويل العمومي للأحزاب.
المؤتمر العاشر إذا نجح سيضع النهضة على طريق جديد؛ ينتهي إلى أن تصبح ركيزة من ركائز الاجتماع السياسي التونسي، وأن تندرج في أركان الدولة التونسية، وأن تمثل رافعة لأشواق التونسيين في العدل والتطور.