"الألم" هي كلمة السر في كل ما يجري وما سوف يجري اليوم وغدا وحتى تنتصر إرادة الشعب، فلا انتصار بدون ألم ولا إنجاز بدون ألم، ولا حياة بدون ألم، ومن وحي هذا الألم دائما ما استحضر قول الله تعالى: "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون".
انظر إلى تقاسيم وجه الجنرال السيسي وهو يتحدث محاطا برجال مخابراته وحرسه الخاص، وسوف تقرأ معنى الألم في تلك الملامح والتعبريات، ناهيك عن وجع الكلمات التي تصدر منه أو عنه، إنه الألم الذي لا يبارحه وإن حاول أن يبدو متماسكا لكن الكلمات تخونه وتعبيرات وجهه تفضحه.
وهنا، أنا لا أتحدث عن وجع جسدي ناتج عن مرض حل به فكلنا معرضون لذلك، ولكني أعني بذلك الوجع النفسي وهو أخطر ما يصيب الإنسان، وقد لا ينفك المرض النفسي عن المريض حتى يفارق الدنيا وهو معه، خصوصا إذا استشعر المريض أنه أكبر من الألم الذي أصابه، وشعر بالعجز عن مواجهته والتغلب عليه رغم كل ما أوتي من قوة ظاهرة وبطش ظاهر للعيان.
على مدار ثلاثة أعوام وأنا أتابع الجنرال بشكل يومي سواء عبر مداخلاتي عبر قناة الجزيرة القطرية أو من خلال برنامجي اليومي على قناة مكملين، لم أر في ملامح وجهه لحظات سعادة حقيقية، وحتى في افتتاح تفريعة قناة السويس حاول أن يخفي ألمه بارتدائه الزي العسكري ملوحا بيديه وهو يعلم أنه لا يوجد أحد ينتظره هنالك على ضفاف التفريعة، ولكنه في لحظة الألم الداخلي كان يحدث نفسه بأنه سعيد أو هكذا يجب أن يبدو أمام الإعلام.
في لحظات كثيرة، ورغم الوجع والألم الذي أصابنا ويصيبنا من جراء عمليات القتل والاعتقال والاغتصاب وسلب الأموال والمطاردة والقتل المعنوي، أستشعر بأن الفارق كبير بين من يستقبل قضاء الله راضية نفسه مطمئن قلبه وبين من يعتدي على حرمات الله وقد يئست نفسه من رحمة الله، وهذا بالنسبة لي يكشف سر الابتسامة التي أراها على وجوه الصامدين خلف القضبان وهي ابتسامة لعمرك لا يوهبها إلا الصابرون.
كل ما أفعله حين يستبد بي الوجع، ويرتفع منسوب الألم، ويتراجع رصيد الأمل في بنوك النفوس، هو العودة إلى هذه الآية الكريمة، وأعيد مشاهدة لقطات للجنرال فإذا بنفسي تعود راضية مرضية وقلبي تنزل عليه السكينة وأقول كيف يستوي ألم في سبيل الله مع ألم في معصيته سبحانه وتعالى؟
كنت دائما أسأل نفسي عن الوجع أو الألم لأنني موقن تماما أن ألما ما ووجعا ما يسكنان في قلب وجوارح كل مستبد وإن بدا متماسكا، وإن بدا باطشا، لكنه يعاني، وهذا ما يدفعني دائما للبحث في الوجوه، وقراءة الجوارح، وتحليل الكلمات، وغالبا ما أجد ما أجده فلا يمكن للقاتل أو الظالم أن يحصل على الطمأنينة والراحة في الوقت الذي يتألم الآخرون.
لا يمكن أن يكون السيسي مطمئنا وهو لا يتحرك إلا وسط جيش من حراسه، لا يمكن للسيسي أن يكون مطمئنا ولا أحد يعرف على وجه اليقين أين يسكن وكأن الأمر سر عسكري؟ تخيل لو كنت مكانه والحراس كل يوم يتنقلون بك من مكان إلى آخر، من أين ستأتيك السكينة ومن أين سيأتيك النوم؟ وقد صرح مصطفى بكري، أحد غلمان السيسي، يوما ما قائلا "إن السيسي قليل النوم".
كيف يكون مطمئنا والكلمات تخونه، والألفاظ تفضحه، ونبرات صوته تكشف أغوار نفسه وما يكنه صدره؟ كيف لرجل استتب له الأمر ودان له الحكم، واستقر له حكم
مصر، كما يزعم، يتلفظ بألفاظ من عينة (قسما بالله اللي هيقرب لمصر لأشيله من على وش الأرض) كيف لرجل يزعم أن الناس تحبه يصر على التمسك بالكرسي ويقول إنه لن يترك الحكم حتى يتم مدته. كيف برجل يزعم أن شعبه يثق به ويطمئن له يصرخ في شعبه قائلا: "لو سمحتم ما تسمعوش كلام حد غيري"، "أنا راجل لا بكدب ولا بالف وأدور ولا لي مصلحة غير بلدي"، والسؤال من ذا الذي قال إنك بتلف وتدور أو أنك تكذب لولا أن هذا هو حديث النفس؟
المعادلة الإلهية العظيمة تتلخص من وجهة نظري في كلمتين "ألم بألم" أو "وجع بوجع"، وكلما زاد ظلم الظالمين واستبداد المستبدين فثق أنهم يألمون كما نألم، والفارق هو أننا نرجو من الله ما لا يرجون.