ثمانية عشر يوما قضيناها في ميدان التحرير في عام 2011، ثم انصرفنا تاركين الحل والربط لتسعة عشر سفاحا أُطلق عليهم اسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة
المصرية !
الجيش المصري (بتاريخه) بريء من هؤلاء !
لماذا لم يطلقوا الرصاص حينذاك؟ حموا الثورة؟ تحيزوا للشعب؟
لا والله ... بل لأنهم لو أصدروا الأوامر في عام 2011 للضباط والجنود لما أطاعوهم، ولربما جاء الأمر بنتيجة عكسية، فترى الجنود ينقلبون على قُوَّادِهِم الذين أمروهم بقتل الأبرياء.
لذلك كان لا بد أن يجلس هؤلاء الضباط في الشوارع أكثر من عامين، وأن يحتكوا بالمتظاهرين، وأن تتم الوقيعة بين المتظاهرين وبين الجنود.
كان لا بد أن يشاهد الضباط كل ليلة السيد توفيق عكاشة، والسيد أحمد موسى، وغيرهم من ضباع السلطة، لكي يصلوا في النهاية إلى تصورات (أحمد سبع الليل) عن الوطنية، فيصدقوا أن هؤلاء المتظاهرين مرتشون، وعملاء، وخونة، تمولهم إسرائيل وأمريكا وحماس، وأن هدفهم إسقاط الدولة ... والخ.
كان لا بد أن تملأ أدمغتهم أفكار وأوهام تتعلق بتعاطي الترامادول، وما يجري من فسق في خيم ميدان التحرير ... لكي تأتي اللحظة الحاسمة، وتأمره قيادته بإطلاق الرصاص، فيطلق الرصاص وهو فخور بنفسه، يشعر بأنه يجاهد في سبيل الله والوطن، ويصدق أي أفاك يقول له (طوبى لمن قتلهم وقتلوه) !
كان لا بد أن يمر ثلاثة أعوام لكي يصدق الجميع أنهم خدعوا، وأنه لا حل إلا باصطفاف وطني كامل، تمحى فيه الفروق بين المصريين.
كان لا بد أن يمر ثلاث سنوات لكي يعرف المدني والعسكري عواقب تسليم البلد لمجموعة من الخونة.
كان لا بد أن تمر ثلاث سنوات لكي يعلم القاصي والداني بما لا يدع مجالا للشك أنهم خونة.
لا أحب التخوين ... ولكن هل هناك اسم آخر لما حدث؟ إذا لم يكن بيع أرض الوطن (كاش) خيانة ... فما هي الخيانة إذن !؟ هاتوا لي اسما آخر أصف به ما حدث !
لقد سقطت مؤسسات الدولة كافة بلا استثاء يذكر في بئر الخيانة، وباعت مقدرات الوطن وثرواته، وإرادته، واستقلاله، وفي نهاية الأمر باعت جسد الوطن، فوقف لها الشعب كله صفا واحدا، بالرغم من كل الأحقاد والاستقطاب والخلافات التي لا أول لها ولا آخر.
لقد سقطت النخب كلها، من كافة التيارات والاتجاهات، واتضح أننا بلد بلا كبراء !
لقد سكت الشعب ... ثم تكلم في اللحظة الحاسمة، وها هو يمسك زمام المبادرة مرة أخرى، وهذا الشعب الذي يفعل ذلك لا يمكن إلا أن يوصف بأنه شعب عظيم !
في النهاية ... هل يعتبر ما يقوم به المصريون اليوم نهاية المطاف؟
أقول بكل ثقة:
إن ما يحدث اليوم قد يؤول إلى فشل آخر إلا إذا اعتبرنا أن هذا اليوم الجمعة 15 إبريل 2016 هو اليوم التاسع عشر من أيام ثورة يناير المجيدة، لا بد من تصحيح الخطأ التاريخي، حين انسحب الثوار في اليوم الثامن عشر من أيام الثورة يوم الحادي عشر من فبراير 2011 تاركين أمر الوطن والثورة في يد مجموعة من القتلة السفاحين !
لا بد من إسقاط النظام كما هتف المتظاهرون في شوارع القاهرة والمحافظات في 25 يناير 2011، وكما هتفوا في جمعة الأمس.
ما يحدث اليوم في الشوارع امتداد لما بدأ في يوم الثلاثاء الخالد 25 يناير 2011، والهتافات والمطالبات كلها ليست أكثر من إكمال لتلك المسيرة الخالدة.
لا بد من إعادة السيادة كاملة للشعب، ولا بد من تحقيق القصاص الكامل من كل السفاحين القتلة، ولا بد من نظام عدالة انتقالية يحقق مصالحة اجتماعية أولا، لكي نتمكن من تحقيق مصالحة سياسية بعد ذلك.
تحية لكل الصامدين في الشوارع، تحية لكل الذين صمدوا في مقاومة هذا الانقلاب العسكري الغاشم ثلاث سنوات حتى وصلنا إلى هذه اللحظة الحاسمة، تحية لكل الذي تعالوا على الخلافات، وتساموا على الجراح من أجل أن لا تباع مصر لإسرائيل.
ملحوظة : لا يوجد خلاص لـ"سيسي" إلا بالوقيعة بين الثوار، ومن يغفل عن ذلك فسوف يلدغ من الجحر نفسه للمرة الألف !
فلنكن على مستوى المسؤولية، ولنقف صفا واحدا أمام هذا النظام الذي يبيع الوطن، ويقتل المواطن.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...
عبدالرحمن يوسف
موقع إلكتروني : www.arahman.net
بريد إلكتروني : [email protected]