عزيزي السيد الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش"..
أرسل إليك هذه
الرسالة بخصوص ما يسمى الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف لاتفاقية
الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ عام 2022، والتي ستعقد خلال الفترة من 7 ـ 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 في مدينة شرم الشيخ.
من المؤسف أن تعقد هذه الفعالية تحت رعاية نظام لا مثيل لعدائه للطبيعة، هذه الفعالية ستمنح شرعية لرئيس يحمل حساسية ضد اللون الأخضر، لذلك قامت مؤسسات الدولة ـ وهي تعمل بأوامره المباشرة في كل كبيرة وصغيرة ـ بحذف اللون الأخضر من حياة
المصريين، وكأن هذا اللون فيروس ينبغي التخلص منه..
** *
عزيزي السيد "غوتيريش"..
إن هذا النظام الذي ستمنحونه شرعية بانعقاد المؤتمر تحت رعايته لم يفعل أي شيء من التوصيات التي صدرت في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في غلاسكو، فلم يتخذ أي إجراء يذكر في مسألة خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بل إن النظام المصري ضمن دول قليلة لم تنشر أي استراتيجية طويلة المدى، ولا تملك خططًا لإزالة الكربون، على الرغم من التقديرات المستقلة، ولا يوجد أي قرينة تدل على أنه يملك أي نية للتماشى مع اتفاقية باريس للمناخ.
إن النظام المصري لا يرى في هذه الفعالية سوى أمرين، الأول: الشرعية الدولية التي سيكتسبها رغم حكمه للبلاد بالحديد والنار.
والثاني: التمويل الذي سينتج عن المؤتمر، وهو أمر معلن، فالموقف الحكومي الرسمي للنظام المصري يتحدث عن أنه يجب أن يكون التمويل على رأس جدول الأعمال في قمة المناخ، وأنه سيركّز على ترجمة التعهدات إلى أفعال.
هذا هو ما يهم هذا النظام.. وأنت تعلم ذلك علم اليقين..
** *
عزيزي السيد "غوتيريش"..
لا أستطيع أن أحصي لك كم الاعتداءات التي يقوم بها هذا النظام ضد كل ما هو جميل في بلدي، ولكن لا بد أن أخبرك بآخر جرائمه، لأنها مؤلمة أشد الألم..
لقد قررت السلطات المصرية غير المنتخبة إزالة حديقة في مدينة الإسكندرية التاريخية من أجمل الحدائق، حديقة من أقدم الحدائق في تاريخ البشرية، عمرها آلاف السنين، وبها نباتات نادرة، وهي من أوائل الحدائق التي أنشأها الإنسان.. إنها حديقة "أنطونياداس"..
قررت السلطات ذلك.. وبدأت في التنقيذ قبل أسابيع من مؤتمركم المزعوم..
قررت السلطات ذلك وبدأت بقطع الأشجار بالفعل رغم توصيات قمة جلاسجو بالالتزام بوقف فقدان الغابات وعكس اتجاهه وتدهور الأراضي بحلول عام 2030.. وأنتم لا تهتمون، وستعقدون مؤتمركم في دولة تعتدي يوميا على المساحات الخضراء، دولة ليس فيها غابات أصلا، وتعاني من نسب تصحر هي الأعلى في العالم، ولكنها تسلط جراراتها على كل المساحات الخضراء في المدن والقرى، وكأن بينها وبين اللون الأخضر ثأرا !
الحديقة أو الحدائق التي ستزال قريبا هي أقدم حدائق في العالم، نعم.. قد تكون هذه الحديقة أقدم حديقة أنشأها الإنسان على مدار التاريخ كله.. هناك من المؤرخين من يرى ذلك !
هي مجموعة حدائق يرى بعض المؤرخين أن تاريخ إنشائها كان في العصر البطلمي في مصر، وهي أقدم حدائق مدينة الإسكندرية، وفي القرن التاسع عشر تملكها ثري يوناني، وبعد ذلك أصبحت ضمن أملاك محمد علي باشا، وفي عهد الخديوي إسماعيل أقيمت في تلك الحدائق حدائق هدف من خلالها إلى إنشاء نسخة مصرية من حدائق قصر فرساي في باريس..
انتقلت ملكيتها بعد ذلك إلى البارون اليوناني "جون أنطونيادس"، وحملت اسمه، وعندما توفي عام 1895م أهدى الورثة تلك الحديقة إلى بلدية الإسكندرية في عام 1918م.
ومحتويات الحديقة متعددة، ومتنوعة، ولا يمكن أن يصدر قرار إزالتها إلا من سلطة تضمر الشر للمجتمع، سلطة لا يمكن الوثوق فيها لتنظيم مؤتمر له أي علاقة بالمناخ.. ولكننا على يقين أن النظام المصري قد دفع الثمن من ثروات المصريين لكي تعقد هذه القمة تحت رعايته، وسوف يحظى بالشرعية المناسبة من قمة المناخ ليستمر في الاعتداء اليومي على البيئة، وعلى كل جميل في حياة المصريين، وسيستمر في تلويث الكوكب، ولكن هذه المرة وهو يحمل ترخيصا من الأمم المتحدة، يشهره في وجه كل من يحاول انتقاده..
** *
عزيزي السيد "غوتيريش"..
أنا
شاعر يا عزيزي.. لا أستطيع تجميل الكلام، اللهم إلا حين أحاول إغواء امرأة جميلة لتحظى معي بفنجان قهوة.. حينها أقول كلاما لطيفا !
أما في حياتي العادية فأنا شاعر يقول كلمة الحق لكل مستبد في وجهه، وقد دفعت ثمن ذلك من حياتي، وحياة أسرتي..
لذلك اسمح لي أن أقول لك ـ دون تجميل، وتأكد أن الأمر ليس شخصيا ـ أنا أعلم كيف يصل أمثالك إلى هذه المناصب الرفيعة، وأعلم أن الغالبية العظمى من الواصلين أناس بلا ضمير، إنهم مجرد واجهات جميلة لوحوش يفترسون البشرية بلا رحمة.. إنتم قفازات ناعمة لقبضة حديدية تطحن الفقراء، وتقتل الشعوب بالصواريخ الذكية التي لا تسقط إلا على المدنيين التعساء..
أنا أعلم أنك رجل بلا ضمير.. وإياك أن تتخيل أن هدفي من هذه الرسالة أن أستثير نخوتك، أو أنني أضع أملا ولو بنسبة واحد في المليار أن يتحرك ضميرك.. كلا يا سيدي.. أنا أعرف تماما أي نوع من البشر أنت، وأعلم أنك مجرد موظف لديه كل المؤهلات اللازمة للحصول على هذا المنصب، من القدرة على السكوت عن الحق، والقدرة على إغماض العين عن مآسي كبرى، والقدرة على إعمال القانون في مواضع وإغفاله في مواضع أخرى، والقدرة على تغليف العنصرية بالشكل القانوني المطلوب، وأهم من كل ذلك.. القدرة على مصافحة السفاحين الذين تتلوث أياديهم بدماء آلاف المظلومين.. ناهيك عن دماء ملايين الأشجار في الغابات !
هدفي من الرسالة هو إثارة القضية فقط.. أما أنت يا سيدي.. فأنا على يقين أنك جزء من العرض المخزي الذي سنشاهده في شرم الشيخ في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم..
سنلتقي جميعا في عالم آخر، عالم فيه عدل مطلق، وسيحاسب فيه كل من قطع رقبة بريء، وكل من قطع جذع شجرة ظلما.. وسيحاسب فيه أيضا كل مسؤول محلي أو دولي أعطى شرعية لمثل هؤلاء..
لو كنت مكانك.. لحملت همّ ذلك اليوم.. وأنا أشك أنك تؤمن بهذا اليوم، وبهذا العالم الآخر أصلا..
الشاعر المصري
عبدالرحمن يوسف
موقع الكتروني : www.arahman.net