بين عامي 2005 و2006 حصلت ثلاثة حوادث ربما أجبرت أو أدت إلى إعادة المحافظين الجدد الذين كانوا على رأس الإدارة الأمريكية آنذاك، التفكير مجدداً بمدى جدوى رؤيتهم -التي لاتخلو من افتراسية- بضرورة دمقرطة المشهد العربي وتخفيف قبضة الحكومات المستبدة التي دفعت بكثير من شبابها لانتهاج العنف:
1- حصد الإخوان المسلمون بمصر 88 مقعداً من أصل 454 مقعداً بانتخابات كانون الثاني/ ديسمبر 2005 أي مامعدله 19.4%، بعد أن اضطر نظام مبارك لإفساح المجال قليلا لإجراء انتخابات معقولة من حيث النزاهة، ربما رضوخا لمطالبات الإدارة الأميركية آنذاك.
ولما زال هذا المطلب الأميركي أتت نتائج انتخابات عام 2010 كارثية بكل معنى الكلمة، فبعد أن ظفر الحزب الحاكم عام 2005 بـ330 مقعداً، استولى عام 2010 على 473 مقعداً (53 منهم مستقلون محسوبون عليه) من أصل 518 مقعداً أي مامعدله 91%، رغم تراجع أداء الحزب الحاكم وارتفاع مؤشر الاستياء الشعبي بالخمس السنوات الفاصلة بين الانتخابين.
2- بعد ذلك بحوالي الشهر، انتصرت حركة حماس في الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 يناير 2006 بواقع 76 مقعداً من أصل 132 مقعدا.
3- بعد ذلك بأيام وتحديداً في 4 شباط/ فبراير 2006 أحرق آلاف المتظاهرين السوريين سفارتي الدانمارك والنرويج بدمشق بتسهيل ومرافقة أمنية مريبة تصل حد التوجيه والدفع والتواطؤ، وفي اليوم التالي 5 شباط/ فبراير أحرق متظاهرون قنصلية الدانمارك ببيروت، وقبل ذلك اجتاحت العالم الإسلامي وغير الإسلامي (جنوب إفريقيا مثلاً) مظاهرات عارمة تنديداً بالرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول.
في نظام تجري فيه هندسة حتى انتخابات الطلبة بالجامعات، كان بمقدور نظام مبارك أن يصيغ مجلس الشعب الذي ستأتي به انتخابات 2005 على نحو يخلو من أي معارضة كما حصل قبل وبعد هذه الانتخابات، وتحديداً انتخابات 2010.
الحقيقة أن نظام الأسد لم يستثمر في الظاهرة الدينية التي أتاح لها النمو وغض النظر عنها والتي تجلت بشكل منفر وعنيف ومقلق في حادثة إحراق السفارتين فحسب، وإنما زاد على ذلك في خلق واصطناع ظواهر إرهابية مثل ظاهرة أبو القعقاع. ولأن الصعود الديني في ظل الأسد لم يصاحبه انفراج سياسي وانفتاح مدني فكان من المحتم أن يعوز هذا الصعود الرشد في كثير من مناحيه وخصوصاً في منحى العلاقة مع الآخر. وهو منحى أثير لدى الغرب وقابل للاستثمار والتوظيف لدى الطغاة. وإذا ماوضعنا حادثة الإحراق وظاهرة أبو القعقاع في سياق الفترة الزمنية العصيبة التي مرّ بها نظام الأسد إثر تداعيات اغتيال الحريري شباط 2005 والخروج المخزي لقوات النظام العسكرية من لبنان وفتح بوش الابن لملف محاسبة سورية وقبلها مفاعيل غزو العراق نيسان 2003، أمكننا نسج خيوط وتشبيك تقاطعات توسع مدى الرؤية وتوضح ما خفى وأشكل من تطورات.
وبذات السياق التقبيحي للجماهير، يمكن إدراج بذاءة الأسد التي تحدث فيها عن "ملايين" الأفراد السوريين الذي قدموا السند للإرهابيين الوافدين، كرسالة سيلتقطها الغرب عن أصولية هذه الشعوب و"غوغائيتها" وانتخابها للأصوليين إذا ماسنحت الفرصة وتنافرها مع القيم الغربية بما في ذلك أبسطها مثل حرية الكاريكاتير.
يبدو أن الطغاة قد كسبوا الرهان، فهل قدمنا لهم عن غفلة منا المساندة بالمجّان؟