بينما أقرّ المدير العام للتخطيط ونظم المعلومات بوزارة التربية
التونسية، بوزيد النّصري، بتواصل انتشار ظاهرة الانقطاع المُبكّر عن الدّراسة، رغم المجهود المبذول من طرف الدّولة للحدّ منها، أشارت دراسة إلى دور العوامل الاجتماعية والاقتصادية، بينها ارتفاع نسبة البطالة بين الجامعيين.
وكان النصري قد أشار، خلال فعالية بالعاصمة حول مقاومة الفشل المدرسي والانقطاع المبكر عن الدراسة، السبت، إلى أنه يتم تسجيل أكثر من 100 ألف حالة انقطاع عن الدّراسة سنويا، مشيرا إلى أن عدد التونسيين الذين غادروا المدرسة في مرحلة ما قبل
التعليم الجامعي بلغ أربعة ملايين.
وقال النّصري إن هذه الظاهرة تسببت في تسجيل أكثر من 20 في المئة من حالات الأمية، لا سيما في ولايات مثل سيدى بوزيد والقيروان وجندوبة والقصرين، لافتا إلى أن مليونين من التونسيين المندمجين اليوم في سوق الشغل لم يتجاوزوا التعليم الابتدائي.
أسباب وعوامل
من جانبه، أرجع الباحث في علوم التربية، محمد جلال بن سعد، تفشّي ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة إلى جملة من العوامل، أهمّها العاملان النفسي والاجتماعي، حيث أدّى تراجع مكانة التعليم في المجتمع التونسي وتراجع المنفعة الاقتصادية للدراسة، بالنظر إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل من ذوي الشهادات العليا، إلى تراجع اهتمام التلاميذ باستكمال الدّراسة.
ويشير بن سعد، في دراسة اطلعت عليها "عربي21"، إلى أن الوضع الاجتماعي للتلميذ يلعب دورا فاعلا في تدعيم العملية التربوية؛ نظرا لأهمية العامل السوسيو- اقتصادي، وهو ما يظهر من خلال دفع العائلات -التي تعاني من الخصاصة والحرمان- أبناءها إلى ترك الدراسة، وتوجيههم للعمل لمد يد العون لها.
ويُرجع الباحث هذه الظّاهرة أيضا للعامل التربوي "البيداغوجي"، من خلال ضعف طرق وأساليب التعليم ومضامينه ومحتوياته، بالإضافة إلى عدم استعمال الوسائل التعليمية التي تجذب انتباه الطلاب، خاصة في المواد الفنية والتكنولوجية، وفي تدريس اللغات وغيرها.
على المدرسة أن تتصالح مع محيطها
من جهتها، قالت النائبة ليلى الوسلاتي، عضو لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي في البرلمان التونسي، إن ظاهرة التسرب المدرسي أصبحت ظاهرة اجتماعية ومجتمعيّة بالنظر لارتفاع عدد المنقطعين عن الدّراسة في سنّ مبكرة.
وقالت الوسلاتي، في تصريح لـ"
عربي21": "انتشار هذه الظّاهرة يعود أساسا للبرامج التعليمية التي يتم اعتمادها وإسقاطها على المدرسة بصفة ارتجاليّة، كما أن غياب العائلة وعدم عصرنة مفاهيم وآليات التعلم والتعليم يساهم بوضوح في خلق حالة من العزوف لدى التلاميذ، ما يؤدي إلى هجرهم مقاعد الدراسة".
وأضافت: "على المدرسة أن تلامس محيطها التاريخي والجغرافي، وعلينا أن ندفع باتجاه تشريك الأسرة في العمليّة التربويّة، باعتبارها أحد أهم أسسها".
المدرسة تسترجع أبناءها
وفي محاولة منها للتصدّي لهذه الظّاهرة، أطلقت وزارة التربية التونسية برنامج "المدرسة تسترجع أبناءها"، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بالشراكة مع وزارات الشؤون الاجتماعية والمرأة والأسرة والطفولة والصحة والداخلية؛ بهدف إعادة إدماج
الأطفال المغادرين لمقاعد الدراسة خلال السنة الدراسية 2014/2015.
وبحسب الأرقام التي صرّح بها وزير التربية، ناجي جلول، فقد نجح هذا البرنامج في إعادة إدماج أكثر من 12 ألف تلميذ مُنقطع عن الدّراسة، ليظلّ زهاء تسعين ألفا في حالة انقطاع.
يُذكر أن ظاهرة التسرّب المدرسي (الانقطاع المبكر عن الدراسة) يُكلّف الدّولة التونسية 345 مليون دينار سنويا، أي ما يقارب 13 في المئة من ميزانية وزارة التربية، تتوزّع بين 137 مليون دينار كلفة الرسوب و208 مليون دينار كلفة الانقطاع النهائي، بحسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء.