قضايا وآراء

عودة إسرائيلية إلى الخطط الأحادية

ماجد عزام
1300x600
1300x600
كشف زعيم المعارضة الإسرائيلية إسحق هيرتزوغ الاثنين عن تفاصيل خطته للانفصال الأحادي عن الفلسطينيين. هيرتزوغ زعم: "إن الخطة التي تتضمن استكمال بناء الجدار الفاصل، والانسحاب من 28 قرية وبلدة في محيط القدس، وتسليمها للسلطة الفلسطينية؛ جاءت، لأن لا  فرصة مؤاتية الآن لحل الدولتين. وإن الانفصال الأحادي عن الفلسطينيين بات الخيار الأفضل لحل مشاكل إسرائيل الأمنية والديموغرافية، كما لتحسين موقعها العالمي، وتخفيف عزلتها الدولية، والإثبات أنها جادة في التوصل إلى حل  سلمي، وأن المشكلة ليست عندها أو بسببها".

خطة زعيم  حزب العمل وكتلة المعسكر الصهيوني المعارضة أثارت ردود فعل وسجالات في إسرائيل، وبينما سخر منها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مرحّبا بهيرتزوغ وحزب العمل في الشرق الأوسط، انتقد  نواب عديدون وبارزون في الحزب الخطة باعتبارها تخلي عن الخيار التاريخي له في العقود الأخيرة والمتمثل بحلّ الدولتين.

هيرتزوغ أضاف في مقال لنيويورك تايمز-الاثنين 1 أذار مارس- أن خطته تتمتع بتأييد غالبية الجمهور الإسرائيلي، وهو ما اتضح فعلا من استطلاع رأي مفاجئ نشرت نتائجه الشهر الماضي وأظهرت تأييد اكثر من نصف الإسرائيليين للانفصال عن الفلسطينيين، غير أن العودة لخطة الانفصال الأحادي تلقّت تأييدا بارزا من قبل  القيادي البارز والسياسي السابق حاييم رامون وثلة جنرالات بارزين يساريين، وحتى يمينيين طالبوا في بيان مشترك بتنفيذ الانفصال في القدس تحديدا ودائما من أجل الحفاظ على ما يصفونه بإسرائيل يهودية وديموقراطية، كون الوضع الحالي سيؤدي إلى دولة ثنائية القومية أو دولة أبارتهايد موصوف كما كان الحال في جنوب إفريقيا، وفقدان الدولة العبرية ليهوديتها أو ديموقراطيتها، كما يقول المؤيدون للخطة في إسرائيل وخارجها، كما لفكرة التسوية بشكل عام.

في الحقيقة تبدو خطة هيرتزوغ وكأنها امتداد أو استكمال لخطة رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون للانفصال الأحادي عن الفلسطينيين والتي ابتدأت بالانفصال عن غزة وشمال الضفة، وكان يفترض أن تتوسع لتشمل الضفة الغربية كلها وفق حدود جدار الفصل السياسية، وهي الخطة التي خاض خليفته أهود أولمرت على أساسها انتخابات 2006 تحت اسم خطة الانطواء وانهارت مع أسر جلعاد شاليت ثم سيطرة حماس على غزة بعد صيف العام 2007، ما أجبر أولمرت  وتحت ضغوط أمريكية للعودة لسكة التسوية وخارطة الطريق التي أراد شارون أصلا قطع الطريق عليها، كما على أي تدخل دولي وبالمجمل أي تسوية ثنائية مع الفلسطينيين.

تبدو الظروف الآن مشابهة تماما لتلك التي أجبرت شارون على تجرّع كأس الانفصال والتخلّي عن فكرة أرض إسرائيل الكاملة بعد الفشل في هزيمة الفلسطينيين وإخضاعهم في الميدان، كما الافتقاد للرغبة في التوصل إلى اتفاق ثنائي معهم وفق أسس الحدّ الأدنى المقبولة فلسطينيا عربيا ودوليا.

وصل شارون لرئاسة الوزراء عام 2001 تحت شعار دعوا الجيش ينتصر بعد فشل  مفاوضات كامب ديفيد، واندلاع الانتفاضة الثانية ، وتبدى  فشل شارون مع  تخفيض السقف في انتخابات 2003 إلى شعار شارون وحده يجلب الأمن  والتي تبجح قبلها، إن حكم نتسىريم كحكم تل أبيب، ولكن مع الاقتناع باستحالة قمع الانتفاضة أو هزيمتها، والرغبة في قطع الطريق على أي خطة تسوية دولية بما في ذلك خارطة الطريق، لجأ شارون إلى الانفصال الأحادي لتحسين وضع إسرائيل الأمني والديموغرافي مع رسم حدودها من جانب واحد  وبما يتلاءم مع المصالح الأمنية الحيوية الإسرائيلية أو ما ثوابت الإجماع الصهيوني الثلاثة المتمثلة بعدم عودة اللاجئين ورفض تقسيم القدس أو العودة إلى حدود حزيران يونيو 67.

الآن تبدو الظروف مشابهة تماما حيث فشل نتن ياهو المتطرف والمتشدد في قمع الهبة الشعبية الجماهيرية التي تصفها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية  بنواة أو مقدمة الانتفاضة الثالثة التي تبدو حتمية  بالنسبة لهم، وان لا حلّ أمني أو عسكري لها فشل نتن ياهو الأمني إضافة إلى انهيار عملية التسوية وحتى موتها، وبداية الحديث عن تدخل دولي بمؤتمر دولي للسلام أو حتى بقرار من مجلس الأمن ،دفعت  هذه العوامل جميعها زعيم المعارضة ومن يفترض انه زعيم معسكر السلام للتخلي عن فكرة الحلّ الدولتين في محاكاة ما، ربما لتخلي شارون اليميني والمتطرف عن فكرة أرض إسرائيل الكاملة، والاقتناع طبعا أنّ الوقت وسياسة الوضع الراهن لا تصبان بمصلحة إسرائيل، وأن من الضروري الانفصال عن الفلسطينيين لحماية أو الحفاظ على إسرائيل، وتخفيف الاحتقان أو التوتر الأمني الذى تعيشه، وبلورة بديل ما لنتن ياهو وإبقاء الباب مواربا أمام احتمال استئناف المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق سلام ثنائي قائم  على حلّ الدولتين.

نتنياهو الذي سخر من هيرتزوغ وحزبه، رفض فكرة أو خطة الانفصال، لأنها حسب زعمه وكما نقلت  الإذاعة الإسرائيلية مساء الاثنين-1 أذار مارس- لن تجلب السلام بل  ستنقل المشهد الغزاوي الحمساوي إلى الضفة الغربية، ناهيك طبعا عن استلابه -أي نتن ياهو- لسياسة الوضع الراهن أمنيا وسياسيا، والزعم بالقدرة على إدارته وتحمله كما رفض تقديم أي خطوة أو تنازل قبل انجلاء التطورات الإقليمية، والمهم رفضه العقائدي التخلي عن مفهوم إسرائيل الكاملة، خاصة مع تنامي اليمين واليمين المتطرف، وهيمنته على المشهد السياسي  والحزبي بشكل شبه تام تقريبا.

أمر آخر مهم في شخصية نتنياهو يتعلق ليس فقط بتأثره الفكري بشخصية والده المؤرخ والأكاديمي المتطرف والمتطرف جدّا،  والرافض حتى وفاته للاعتراف حتى بوجود الشعب الفلسطيني ولكن بعدم إعجابه  لا بمناحي ببيغن، ولا حتى بارئيل شارون وانحيازه أكثر إلى نهج من يعتبره معلمه وعرّابه السياسي رئيس الوزراء السابق إسحق شامير لجهة التمسك بنهج إدارة الصراع، وليس حلّه، وأن بالإمكان التفاوض وحتى التجادل مع الفلسطينيين لمائة عام، بأقل الأثمان الأمنية السياسية والاقتصادية الممكنة.

أمام تقدم وهيمنة الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة على المشهد السياسي والحزبي وضغطها على نتنياهو من اليمين، من المستبعد أن يقبل هذا الأخير بفكرة الانفصال الأحادي أو الانطواء خلف الجدار حتى لو تضمن هذا ضم ثلث أو نصف الضفة الغربية، وهو سيستمر في سياسته القائمة على تأبيد الفصل بين  الضفة وغزة وتحسين ما للأوضاع الاقتصادية الاجتماعية فيهما والمراهنة على انشغال العالم بقضايا وملفات ملحة أخرى، وحتى لو تم القيام بخطوات سياسية أو اقتصادية دولية ضاغطة فان إسرائيل اليمينية المتطرفة ستظل دائما وفية لعقيدتها القائمة على إنكار الحقوق السياسة للشعب الفلسطيني، وكما دائما أيضا فان القوة والقوة وحدها ستكون قادرة على إجبارها على تقديم التنازلات كما حصل بعد الانتفاضتين الأولى والثانية وسيحصل حتما مع تحول الهبة الحالية إلى انتفاضة جماهيرية عارمة. 
التعليقات (0)