مقالات مختارة

تركيا المحارَبة من ثلاث جهات

يوسف قابلان
1300x600
1300x600
كتب يوسف قابلان: قتل السياح في مكان مركزي مثل السلطان أحمد في قلب إسطنبول ليس بالحادثة البسيطة التي يمكن التغاضي عنها هكذا.

بعضهم يحاول بكل وسيلة إضعاف تركيا: مثل الوحوش الشرسة قسّموا سوريا والعراق، وأوصلوهم لنقطة الضعف! حوّلوا باكستان لخِرقة، وأضعَفُوا قوتها، جعلوها "عقيمة" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأنها صنعت قنبلة ذرية.

أما إيران التي تعمل بالمفاعل النووي، فقد فُتِحَ لها الطريق: بل واستقرت أيضا في سوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية. إيران لم يتم ضربها ولا إيقافها، بل بالعكس تماما، فهي تمضي قُدُما.. لماذا؟
تركيا تتم محاصرتها كونها القلعة الأخيرة..

تُستهدف تركيا، وتُحَول أطراف تركيا وحدودها إلى حزام ناري وتُحاصر.

لماذا من الممكن أن تُحاصر تركيا؟

لكونها القلعة الأخيرة..

لمعارضتها للنظام، حتى وإن كانت من ضمنه.

القلعة الأخيرة ذات التجربة الحضارية

والسبب الأهم، أن تركيا هي الوحيدة في العالم التي لديها القوة والعمق التاريخي والتجربة الحضارية، بالإضافة إلى ممارستها الحضارية متعددة الثقافات التي تمكّنها من تحديد مستقبلها.

وبسبب محاولة تركيا في إظهار نية تنفيذ هذه التجربة من جديد، فإنها تُستهدف من أجل إيقافها وإضعافها.

الذئاب الجائعة تخاف كثيرا! لأننا عندما نأتي، هم سيذهبون.

لهذا يرتكبون المجازر في حق الأبرياء في المنطقة..

لن يشبعوا أبدا من الدماء! يهاجمون تركيا بوحشية لإضعافها وخداعها ومن ثم الاستيلاء عليها.

ولكن لن يتمكنوا من النجاح في ذلك.

محاولات تحطيم تركيا من ثلاث جهات

يحاولون تقسيم تركيا وسحبها لحرب أهلية وجعلها مثل سوريا. لذلك يتحاربون مع تركيا من ثلاث جهات:

- باستخدامهم التنظيمات الإرهابية.

- عن طريق شراء الحمقى المتعاونين وتحريضهم.

- عن طريق حشد قوى الشر لكل الإمكانات الفكرية والاستراتيجية والعسكرية.

وبالتالي، ستكون تركيا (القلعة الأخيرة) قد استُهدفت، وسيكون من المستحيل استعادة العالم الإسلامي، وتحقيق الاستقرار الحقيقي، والخروج لرحلة الحضارة المشتركة.

هذه ستكون كارثة كبيرة، يستحيل العودة منها، ليس فقط بالنسبة لتركيا ولا حتى العالم الإسلامي فقط، بل بالنسبة لمستقبل العالم كله.

حتى الآن، نحن لسنا مدركين لهذا بعد، ولكن الغرب يعرفون هذه الحقيقة المميتة جيدا: منذ آلاف السنين، نحن من حقّقنا التاريخ العالمي مع السلاجقة والعثمانيين. تم إنهاء الصين وروسيا والهند وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، لكنه بالرغم من كل شيء لم يتم التمكّن من إضعاف العالم الإسلامي ولا إنهاء قوته.

إذا لم يتم التمكن من إضعاف تركيا وإنهائها، فإنه لن تُمنع من أن تكون قوة إقليمية وعالمية على المدى القريب والبعيد، ولا من تغيير مجرى التاريخ باستعادة العالم الإسلامي غدا كما حصل في السابق.

هذه الحقيقة الحياتية، يعرفها الغرب أكثر من مثقفينا الفقراء "العاشقين للزهايمر"، الذين يعيشون بأجسادهم في تركيا، وبعقولهم في بلاد الغرب.

مفترق طرق تاريخي

نقطة المستقبل الرئيسة: تركيا وصلت إلى نهاية مغامرة إصلاح الخطأ في التاريخ منذ مئات السنوات..

إما أن تُوضع تركيا مع القوى المحركة للحضارة وتخرج لرحلة الحضارة الكبيرة كونِها عاملا لصنع التاريخ.
وبهذا، يتم تنفيذ الفكر الحضاري الذي سيُنهي سيطرة الغرب الظالمة والمستعمِرة في جغرافية حضارتنا، فأولا سيتم تنظيف الحصى، وبعدها سيتم وضع أحجار الأساس الصلبة والخروج لرحلة طويلة سيتغير فيها مجرى التاريخ..

أو أن تستمر في تجاهل مطالب الحضارة وغيرها، وتكون عبدة للغرب عاملا إضافيا بلا دور لتصويب الخطأ في التاريخ، وليس عاملا أساسيا لصناعة التاريخ.

في هذا البلد، هناك طرفان يتنازعان لتشكيل مستقبل البلاد:

الطرف الأول يكافح من أجل تركيا العلمانية التي ستبقى قمرا صناعيا للغرب: ولهذا يأخذون كافة أنواع الدعم اللوجستي والاستراتيجي.

أما الطرف الثاني، فهو الذي يكافح ليكون عاملا في صناعة التاريخ، في فترة يتم فيها صناعة التاريخ من جديد، والمطالبة باحتياجات الحضارة من أجل استقلال ومستقبل تركيا.

الطرف الأول، يعني العلمانيين، تماما كما قال عصمت إينونو: "سيتم تأسيس عالم جديد، تركيا بالتأكيد ستكون في هذا العالم، ستأخذ فيه الدور الإضافي (أي بلا دور)". لكن حينها أين سيكون موقع "تركيا"؟ لا يُفكر حتى، لا يمكنه التفكير لأنه ذهنيا هو عبد علماني أساسا.

أما الطرف الثاني، فيقول إنه سيتم تأسيس عالم آخر، لكن تركيا ستلعب دور المؤسس في هذا العالم الجديد.

هل هذه هي القضية؟

قضية حقيقة كوننا العامل الأساسي في صنع تاريخ الثلاث قارات، أي تاريخ العالم منذ آلاف السنين. هذه أيضا قضية!

بالطبع، هذا الأمر لن يكون بهذه السهولة. إذا لم نطمح للأصعب، فسيبقى أمامنا خيار وحيد، وهو أن نكون مجرد إضافة للغرب وبعدها سيتم مسحنا من التاريخ.. لا سمح الله.

مختصر الكلام: نحن على مفترق طريق تاريخي، إذا كنا على استعداد جيد ولم نرتكب خطأ كبيرا، فسنكون نحن من سيُشكّل مجرى التاريخ من جديد، وإلا فإننا لن ننجو من الزوال حتى.. لا سمح الله.

(عن صحيفة "يني شفق" التركية، مترجم خصيصا لـ"عربي21"، كانون الثاني/ يناير 2016)
التعليقات (0)