مقالات مختارة

موقف أنقرة من التوتّر الحاصل بين الرياض وطهران

برهان الدين دوران
1300x600
1300x600
التوتر السعودي-الإيراني هو أحد أهم المواضيع التي ستُشكّل الشرق الأوسط الجديد. الجواب الذي حصل عليه من يعتقدون أن هذا التوتر سوف يولّد مناوشات جديدة عندما وجّهوا أنظارهم إلى واشنطن كان بسيطا؛ من أجل إنشاء نظام إقليمي جديد، يجب على القوى الإقليمية أن تأخذ بزمام المبادرة. 

من سوريا مرورا بتنظيم الدولة وحتى الصراع المذهبي، فإنه يجب على القوى الإقليمية أن تتحمل مسؤوليتها. روسيا أيضا وبسبب تحالفها مع النظام السوري أصبحت تقف بجانب إيران وتدعم مشروع التوسع الشيعي. الموضوع الأساسي المهم هو ما الذي يجب على تركيا فعله كقوة إقليمية؟ 

ما الذي فعلته تركيا؟

عندما رأت تركيا أن الثورات العربية حطّمت النظام في المنطقة، بدأت بفعل شيئين في نفس الوقت. من ناحية، قامت بحث أمريكا على الأخذ بزمام الأمور في سياق مسؤولية جديدة تتعلق بمناطق النزاع وعلى رأسها سوريا. وكان الهدف هو الوقوف بجانب الشعوب. ومن ناحية أخرى، توجّهت نحو التعاون مع القوى الإقليمية مثل إيران، مصر والسعودية.

تركيا كانت تدرك مخاطر المنافسة السعودية-الإيرانية (تفكّك الدول، تقوية المنظمات المتطرفة والصراع المذهبي). فهي كانت تتوقع أن التعاون التركي-المصري سوف يساهم في موازنة الاستقطاب السعودي-الإيراني ويعطي الحيوية لمطالب الشعوب في التغيير. ولكن هذا لم يحدث.

إيران تدخلت في سوريا، والسعودية تدخلت في مصر عن طريق استعمال القوى اللينة-الصارمة، وبذلك قطعوا الطريق أمام موجة الديمقراطية. أخطأت السعودية في مصر عندما حاولت إسقاط مرسي، ووقعت إيران في خطأ أكبر في سعيها إلى التوسع الإقليمي عبر سوريا إلى اليمن. والآن وصلوا إلى المشهد الأخير، وهو تنامي مخاطر الانجراف إلى الحرب المباشرة بعد الحرب بالوكالة.

تدرك أنقرة مدى صعوبة التوصل إلى اتفاق حول مستقبل المنطقة بين الرياض وطهران، وهي قلقة بشأن تحول التنافس الإيراني-السعودي الذي يزداد عمقا، إلى صراع طائفي يعرّض المنطقة لمزيد من التوتر. لهذا السبب هي تصر على استخدام لغة الفطرة السليمة التي تتجاوز الاستقطاب الشيعي-الوهابي.

الصيغة التي يستخدمها رئيس الجمهورية أردوغان "لا سني ولا شيعي، فقط إسلامي إسلامي" هي انعكاس لهذه اللغة. إعدام الشيخ نمر النمر، غيّر نظرة أنقرة نحو التنافس الإيراني-السعودي إلى مساحة جديدة من النقاش. لا يجب على تركيا الوقوف بجانب أي طرف، ولكن ماذا يجب عليها أن تفعل؟

تركيا بين الحياد والتحيّز

موقف الحكومة كان في اتجاه التذكير "بالخطر الذي سيكون نتيجة للإعدامات السياسية والذي سيهدّد أمن المنطقة". انتقد نائب رئيس الوزراء، نعمان قورتولموش، كلا من الاعتداءات التي حصلت للبعثات الدبلوماسية والإعدامات السياسية.

بينما ذكّر رئيس الجمهورية أردوغان أن الإعدام يتم تطبيقه في دول عديدة من بينها إيران. وشدّد على أن إعدام النمر هو “مسألة قانونية داخلية” دون الإشارة إلى صواب الأمر من عدمه. لكن البعض قاموا بتفسير كلام أردوغان على أنه تحيّز.

قبل أي شيء، ترى أنقرة أن إيران تبالغ في طموحاتها الإقليمية خصوصا في سوريا واليمن. ولا تريد للسعودية أن تصبح في موقع “الدولة الفاشلة”. موجة جديدة من عدم الاستقرار في الخليج العربي، ستؤدي بالمنطقة إلى مزيد من الفوضى.

بالإضافة إلى أن التباحث بين الرياض وأنقرة في مواضيع مثل الحرب الأهلية السورية، مستلزمات الدفاع، الطاقة والاستثمارات، يزيد من نفوذ أنقرة في المنطقة. ولكن لا يجب توقع وقوف أنقرة إلى جانب الرياض في هذه المعركة من أجل فرض السيطرة. فهذه المعركة تتجاوز مجرد العمل على "وقف أطماع طهران"، كما أن تجهيز الجنود الذين سيحاربون من أجل هذا هو أمر مستبعد. لأن اتخاذ مثل هذا القرار سوف يكون خيارا راديكاليا يعمل على جر تركيا التي لم تتدخل حتى في الحرب الأهلية السورية إلى جميع النزاعات في المنطقة.

ما تهتم به أنقرة هو تخفيف التوتر ورفض الخطابات الأيديولوجية التي تعمل على تقوية الاستقطاب المذهبي. ولكنها تتقارب مع الرياض في مواضيع كثيرة منها التعاون لإيجاد حل للأزمة السورية.

(صحيفة الصباح التركية)
التعليقات (0)