كتاب عربي 21

أرباب الإرهاب

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600
تم الإعلان مؤخرا عن التحالف الإسلامي ضد الإرهاب دون أن نقرأ تفاصيل عن الترتيبات التي تم تجهيزها والأهداف التي سيقاومها هذا التحالف للقضاء على الإرهاب. وهناك شك حقيقة حول إقامة هذا التحالف، لأن مثل هذا العمل يتطلب وقتا طويلا ونقاشات مضنية، ويتطلب وضع أسس واضحة للعمل الجماعي، وتعريفا واضحا للإرهاب وللذين يمارسونه، ويتطلب أيضا وضع قوانين محلية في كل دولة مشاركة لتغطية نشاطات الدولة في هذا المجال، وأعمال أجهزتها الأمنية وجيشها. ليس من السهل إقامة تحالف من هذا القبيل بين يوم وليلة إلا إذا كان التجمع إعلاميا فقط دون أن ننتظر منه شيئا على أرض الواقع. ولهذا لا نتوقع عملا جادا ضد الإرهاب من قبل هذا التحالف، بخاصة أن عددا من الدول الإسلامية والعربية تدعم الإرهاب، وهي نفسها متهمة بأنها إرهابية، ولكي تتضح الصورة أمامنا، أضع أمام القارئ عناوين أهم مصادر الإرهاب على الأقل في المنطقة العربية الإسلامية:

هناك عدد لا بأس به من مصادر الإرهاب الرئيسية في الوطن العربي والعالم الإسلامي، والمنابع ليست مقتصرة على "داعش"، وإنما تشمل طيفا واسعا من الإرهابيين الذين يختبؤون أحيانا تحت مظلة الجاه والسلطان والإعلام. ويمكن تلخيص أهم المنابع بالتالي:

أولا: الأنظمة العربية التي اعتادت قمع المواطنين ونهب ثرواتهم وملاحقتهم لكي تطمئن إلى خنوعهم وإذلالهم.

 الأنظمة العربية حريصة دائما على استمرار حكمها، ولديها الاستعداد دائما لاتباع مختلف الأساليب الشيطانية والقمعية من أجل أن تطمئن إلى بقائها في السلطة والسيطرة على القرار والمال. منذ أن ولدت هذه الأنظمة وهي حريصة جدا على تطوير أجهزتها الأمنية لكي تكون فعالة جدا في مواجهة المواطن العربي.

العربي مقهور، ويحسب ألف حساب قبل أن يعبر عن رأيه بسبب انتشار عملاء المخابرات في كل ركن وزاوية من الوطن العربي. وقد أدى هذا القهر وهذه الملاحقات إلى تطور جيل عربي نذل وخانع وسريع الهرب والاختباء. وهذا ما مكن الأعداء، بخاصة الكيان الصهيوني، من رقاب الجنود العرب الذين لم يكونوا يصمدون في ميادين الحروب. وهو الذي ساعد الكيان على الدخول بقوة إلى البلدان العربية والقيام بنشاطات أمنية وتطبيعية وتجارية عادت عليها بالنفع الكبير.

لم تترك الأنظمة العربية مجالا أمام المواطن العربي للتعبير عن نفسه فقرر أن يحمل السلاح ويمارس نشاطات عسكرية ألحقت الكثير من الأذى بالجمهور.

ثانيا: الكيان الصهيوني الذي لا يتوانى عن استعمال القوة ضد المواطنين العرب بخاصة في فلسطين ولبنان والأردن وسوريا ومصر.

من إستراتيجية الكيان الصهيوني منذ البداية أن يبقي القوة العسكرية الأكبر في المنطقة العربية والإسلامية ليكون قادرا على هزيمة العرب فرادى ومجتمعين. ولهذا بقي الكيان الصهيوني يلوح بقدراته العسكرية ويلقي الرعب في قلوب الحكومات العربية وقلوب العرب عموما. وبسبب بشاعة هذا الكيان ووحشيته في التعامل مع الشعوب العربية، وبسبب قدراته التدميرية الهائلة التي أتت على منازل العرب وبيوتهم في عدد من البلدان العربية، تطورت تنظيمات عربية وإسلامية من أجل مكافحته وتحديه، وتطور بعض هذه التنظيمات إلى حركات إرهابية لا تهتم بمقاتلة الكيان وإنما بمقاتلة المواطن العربي. وما زال الكيان الصهيوني منبعا أساسيا للحركات الإرهابية بسبب ما يمارسه من إرهاب.

ثالثا: الولايات المتحدة التي لم تترك بابا يمكن أن ترهب من خلاله العرب إلا واستخدمته.

أمريكا دعمت الأنظمة العربية الاستبدادية ومازالت تدعمها حتى الآن، وهي تعلم مسبقا أنها أنظمة إرهابية تستمتع بملاحقة المواطنين العرب. وأمريكا هي التي تقدم كل أنواع الدعم للكيان الصهيوني، وهي تعلم أن هذا الكيان يمارس كل أنواع القتل بحق العرب، ويمنع الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم، ويمارس الاستيطان في الأرض التي احتلها عام 1967، ويلاحق الفلسطينيين حتى في أنفاسهم. وأمريكا هي التي ساهمت مباشرة في صناعة تنظيم القاعدة وصناعة تنظيم "داعش" وبقية التنظيمات الإرهابية الإسلامية لكي تعيث في الأرض الفساد. وأمريكا مفسدة وساهمت مع دول عربية في صناعة الحروب الداخلية العربية، وصناعة الحرب بين العراق وإيران، وأمريكا تضغط دائما من أجل تشديد الحصار على غزة وعلى حزب الله اللبناني، وهي تعمل جاهدة على تصنيف فصائل المقاومة العربية ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية.

رابعا: رجال الدين الفاسقون الذين يضخون الكراهية والبغضاء ضد الآخر.

ليس كل رجال الدين، لكن، هناك نفر كبير منهم يحتكرون الجنة، ويملكون تفويضا إلهيا لممارسة التكفير وتوزيع المقاعد في الجنة والنار، وهم يحرضون على الفتن والعنصرية في السلوك الإنساني، ويؤلبون النفوس، ويصنعون الأحقاد. هؤلاء يعتمدون على فكر ظلامي تعصبي عنصري لا يحترم الآخر ولا يعترف بحقوقه الإنسانية. هؤلاء ساهموا في صناعة أجيال غبية لا ترى أبعد من رؤوس أنوفها، ولا تقبل التسامح والعيش المشترك مع الآخر.

أما بالنسبة للتنظيمات الموسومة بالإرهابية فإنها ليست المنبع الأساسي وإنما هي نتاج. هي إرهابية في ممارساتها، لكنها ليست رب الإرهاب. رب الإرهاب يتمثل بالأنظمة العربية ومن أقامها ورعاها من القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. التنظيمات الإرهابية لم تكن سوى رد فعل على ممارسات أرباب الإرهاب الحقيقيين. لو قدرت الأنظمة العربية نتائج سوء تصرفاتها وسوء معاملتها للإنسان العربي لما تولدت كل هذه التنظيمات المجرمة، ولو وعى أهل الغرب ما يمكن أن ينتج عن إقامة الكيان الصهيوني لما أقاموه، ولو فكر أهل الغرب بنتائج أعمالهم وأطماعهم الاستعمارية في الجغرافيا والثروات العربية لعدلوا عن سياساتهم التقليدية تجاه العرب. 
التعليقات (0)