نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن تقريرا لرفيقة بن ديرمال، حول انضمام الشباب
التونسيين لتنظيم الدولة، حيث يعد التونسيون من أكثر الجنسيات انضماما للتنظيم، ولذلك قامت العديد من المنظمات غير الحكومية في محاولة البحث عن الأسباب من الشباب التونسيين أنفسهم، وتظهر النتائج أن هناك إحباطا شديدا وعزلة وتهميشا على نطاق واسع.
ويشير التقرير إلى أن استطلاعا أجرته "إنترناشيونال أليرت" عام 2015، استطلع آراء 800 شاب في دوار هيشر وحي النهضة، توصل إلى وجود "شعور شديد بالظلم والتغريب". وقال 95% ممن تمت مقابلتهم إنهم لا يثقون في مؤسسات الدولة ولا في الشرطة. وبحسب الاستطلاع، فإن "فقدان الثقة ينبع من تنامي
الفساد، وحتى بعد الثورة، خاصة غياب المسؤولين المحليين والاستمرار في التهميش".
الإحباط بعد الثورة
وتنقل الكاتبة عن الخبيرة الإجتماعية والمشاركة في الدراسة ألفة لملوم، قولها: "كان لا بد لنا من ملاحظة أنه وبعد 4 سنوات من الثورة، فإن غالبية الشباب من تلك المناطق لا يزالون محرومين من حقوقهم الاجتماعية الأساسية كونهم مواطنين، مثل الصحة والرعاية الاجتماعية والبنية التحتية، ناهيك عن عدم وجود مرافق ثقافة وتسلية".
وتضيف لملوم: "مع ذلك، فليس الإقصاء الاجتماعي ولا انعدام الأمن الاقتصادى هما العاملان الوحيدان اللذان يدفعان الشباب نحو التطرف، ففي المرسى، حيث هي منطقة للطبقة الراقية في شمال العاصمة تونس، قد تطوع عدد من الشباب للقتال في سوريا".
ويورد الموقع نقلا عن مروان الذي يعمل سباكا، قوله: "مات من هنا ثلاثة شباب، أحدهم شاب خجول ومنطو على نفسه، ولاحظ المجندون ذلك واستغلوه لتجنيده". ويقول الأستاذ محمد: "ذهب 6 شباب من عائلة واحدة إلى سوريا، مع أنهم من عائلة من الطبقة الوسطى، فكيف تفسر هذا؟ السبب هو أنهم نشأوا في بلد لا يحترم القيم، فخلال حكم النظام السابق كان أصغر موظف حكومي يهين رب العائلة أمام أطفاله دون أن يستطيع الأخير الرد عليه. ونشأ جميعهم دون الإحساس باحترام القانون بسبب الفساد". ويضيف أن
تنظيم الدولة يستغل هذه الحالة.
ويلفت التقرير إلى عامل آخر وهو "سهولة اختراق الحدود منذ عام 2011، التي شجعت آلاف الشباب التونسي إلى الفرار للخارج، فهم يذهبون إلى أوروبا وسوريا وليبيا. وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، فإن التونسيين أصبحوا أكثر الجنسيات عددا مع تنظيم الدولة، من حيث العدد ومن حيث النسبة لعدد سكان تونس. فهناك حوالي 5500 تونسي مع تنظيم الدولة في سوريا وليبيا. وبحسب دراس قال لتلفزيون (سي أن أن) فإن حوالي 8800 شاب تونسي تم إيقافهم على الحدود".
وتذكر بن ديرمال أنه في فصة قاوم الأب عبدالله انضمام ابنه سليم (21 عاما) إلى شبكة تكفيرية، وقام الأب بتسجيل ابنه في مدرسة خاصة في سوسة تكلف الكثير من المال، وليست في متناول الجميع لإبعاده عن التطرف.
ويعلق الموقع: "بالنسبة لهؤلاء الشباب، الذين انفصلوا عن المجتمع، لا تقدم الحكومة أي أمل، فغياب سياسة لتقليص الفروقات الاجتماعية يشجع الشباب على مغادرة البلاد، وفي بلد تبلغ نسبة الشباب تحت سن 35 سنة 50% لا شيء يفعل تجاه كسب ثقتهم. فلا سياسة واضحة للشباب، ومراكز الشباب فارغة، والبطالة في اطراد، وليست هناك خطط لإصلاح قطاع الاقتصاد الفاسد، فبحسب البنك الدولي، فإن 25% من ثروة تونس تسيطر عليها النخبة، ولا تستطيع القطاعات الكبيرة، مثل النقل والتأمين والعقارات، توظيف أكثر من 1%".
عنف الشرطة يحد من إمكانية محاربة الإرهاب
ويجد التقرير أن العامل الأهم هو "عنف الشرطة المستمر ضد الشباب في جنوب تونس، الذي يشعرهم وكأنهم تحت الإقامة الجبرية في بيوتهم، فهم وقعوا بين الشرطة والمجموعات المسلحة ويخافون الجهتين".
وترى الكاتبة أن "غياب الإصلاحات في الأمن التونسي خلق أزمة ثقة، وهذا ما يوضح لماذا ترفض العائلات الحديث عن أولادهم، الذين غادروا إلى سوريا. فعنف الشرطة له مفعول عكسي؛ لأنه يمنع الناس من تمرير المعلومات المهمة، بالإضافة إلى عدم وجود برنامج لحماية الشهود".
وتورد بن ديرمال أن بعض الناس يخافون من الاتهام بأنهم متعاونون مع الشرطة من الإرهابيين، فهم يشعرون أنهم وحدهم. ويقول الباحث الاجتماعي عادل بن قفصة: "إنهم أناس لا يريدون الحديث، إنهم خائفون. وحتى أؤلئك الذين تقدموا أخيرا فإنهم خائفون، وعلينا إنشاء برامج عناية واستشارة نفسية".
ويفيد التقرير بأن مجموعة "كرايسيس" قالت في تقرير لها في تموز/ يوليو ،2015 إن من أسباب فشل النظام هو فقدان الاحترام لإجراءات الشرطة اليومية، حيث يهمل المواطن، وهذا يؤدي إلى قلة تعاون بين الشعب والشرطة، وهي ضرورية لمحاربة الإرهاب.
المناطق النائية والجبال نقاط ضعف
وينوه الموقع إلى أن "المناطق النائية، التي يتواجد فيها المتطرفون، فإن الشعب في العادة معرضون فيها للأذى، ففي القصرين وجلمة بالقرب من سيدي بوزيد تم قتل اثنين من الرعاة قبل عدة أسابيع؛ لأنهم رفضوا تقديم الأغنام للمسلحين. وبررت المجموعة المسلحة فعلها بالادعاء بأن الراعيين كانا متعاونين مع السلطة، وأنكرت وزارة الداخلية أي علاقة مع الضحيتين".
وتوضح الكاتبة أن تهميش المناطق الداخلية المتزايد يزيد من تعقيد الوضع. كما أن قمع الشرطة للمظاهرات، التي ينظمها السكان للمناداة بتطوير مناطقهم، أسس لحالة، حيث أصبح مألوفا أن يشتبك الشباب مع الشرطة، وقد تم حرق عدة محطات شرطة منذ قيام الثورة.
ويذكر التقرير أنه منذ عام 2012 شهدت محافظة القصرين العديد من الصدامات بين مجموعات مسلحة والشرطة. وكون المنطقة جبلية، وقربها من الجزائر جعلاها أرضا خصبة للإرهاب. كما أن القصرين تعد من أفقر المناطق في البلد، حيث أن نسبة البطالة بين الشباب هي الأعلى، ونسبة طلاب الجامعة لا تزيد على 3%، ونسبة النجاح في الثانوية حوالي 10% و60% من السكان لا يملكون تأمينا صحيا.
ويجد الموقع أنه مع وجود المشاعر الوطنية في تلك المناطق المهمشة، إلا أن الشعور بالتهميش مستمر، حيث يرفض السكان هناك السياسة، معتبرين الحكومة تقوم على حماية النخبة فقط.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن سكان القصرين اقترحوا طرقا لمحاربة الإرهاب، ويدعمون فكرة إشراك السكان في تلك الحرب، كي يتعزز التعاون بين السكان والشرطة، خاصة في ما يتعلق بالمعلومات، ولكنهم يطلبون أيضا إعادة فتح ملف شهداء الثورة (فحوالي ثلث ضحايا الشرطة خلال الثورة ضد
بن علي كانوا من القصرين) وكذلك الحرب ضد الفساد.