كتب ذكر الرحمن: شن مفكرو الهند ما قد يمكن اعتباره "ثورة" ضد النظام الحاكم، حيث أعاد أكثر من 70 من الكتاب والشعراء والفنانين والموسيقيين والسينمائيين جوائزهم الوطنية احتجاجاً على التعصب الديني المتزايد والهجوم على الكتاب وإعدام الأبرياء من دون محاكمة بناء على شائعات واتهامات ملفقة في الدولة.
وكانت الكاتبة الهندية الشهيرة "آرون دهاتي راي"، الحائزة على جائزة "بوكر" لعملها الأدبي "إله الأشياء الصغيرة"، هي آخر من أعلنت أنها تعيد جائزتها القومية. لقد تخلت عن جائزتها بسبب ما تراه هي وزملاؤها الأدباء أنه "تنامٍ لثقافة الخوف والتعصب والرقابة" من قبل حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، كما ألقت باللوم على حكومة رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" لقيامها بتشجيع "الإعدام خارج نطاق القانون وإطلاق النار والحرق والقتل الجماعي لبني البشر".
وربما كان بيانها واحداً من أقوى البيانات ضد ثقافة التعصب السائدة. حتى النجم السينمائي الهندي "شاه روخ خان"، وهو شخصية محبوبة ليس فقط في الهند، بل أيضاً خارجها، أصبح الآن هدفاً للمتعصبين الدينيين الهندوس، الذين بدؤوا التشكيك في وطنيته لبلاده. وكان له خطأ وحيد عندما قال في مقابلة تليفزيونية إن التعصب يزداد في الهند.
وقد أصبحت احتجاجات المفكرين واحدة من أكبر القضايا بالنسبة لحكومة "مودي"، فهو لا يُتهم فقط بالتقاعس، بل أيضاً بتأجيج التوترات الدينية لتحقيق الفوز في الانتخابات التي ستجرى في ثاني أكبر ولاية هندية وهي ولاية "بيهار". ويعد تحقيق فوز كبير أمراً حاسماً بالنسبة لحزبه الحاكم من أجل تعزيز عدد المقاعد التي يستحوذ عليها في مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي حيث لا يحظى بأغلبية ويحتاج بشدة إلى الفوز في الانتخابات في هذه الولاية.
منذ أن تولى رئيس الوزراء "مودي" السلطة العام الماضي، أصبحت الجماعات اليمينية الهندوسية المتطرفة، وبتشجيع من كون حزبها في السلطة، أكثر نشاطاً في الدفع بأجندتهم الهندوسية. ويشعر المفكرون والأكاديميون أن هذه الجماعات عازمة على استقطاب دولة تُعد موطناً لجماعات دينية وعرقية متعددة. والأكثر مدعاة للقلق ليس فقط سكوت رئيس الوزراء "مودي"، بل إنه لا يكبح جماح وزراء حكومته وأعضاء البرلمان الذين ينشرون الكراهية الدينية من خلال الإدلاء ببيانات حول خطوط الانقسام الديني.
وليس من شك أن هذا النوع من الاستقطاب خطير جداً في دولة مثل الهند ولديه القدرة على تمزيق النسيج العلماني للبلاد. وللأسف، فإن مثل هذه الانقسامات بين الطوائف الدينية يجري تعميقها فقط لتحقيق مكاسب سياسية. هذا ليس هو الطريق الصحيح للدولة، حيث لا يزال الفقر متفشياً، وحيث يجب أن يكون الهدف الرئيسي هو انتشال هؤلاء الملايين من خط الفقر بدلاً من تقسيمهم على أسس دينية وعرقية. وإدراكاً للآثار البعيدة لمثل هذه التصريحات الخبيثة من جانب جماعات اليمين المتطرف الهندوسية على المجتمع الهندي، حث الرئيس الهندي "براناب موكارجي" ونائبه "محمد حميد أنصاري" الحكومة لكبح جماح العناصر التي تنشر سموم الكراهية الطائفية في مجتمع الهند المتسامح.
وبالنسبة لرئيس الوزراء "مودي"، فإن الجدل الدائر حول التعصب الديني يبعده عن تنفيذ الأجندة الخاصة به. لقد تولى السلطة على وعد بتحقيق النمو الاقتصادي وتنفيذ إصلاحات اقتصادية سريعة. وللأسف، فإن التركيز على النمو والتنمية قد طغت عليه الآن قضية التسامح الديني ليس فقط بداخل البلاد، بل أيضاً خارجها. وقد أشارت تحليلات وكالة موديز، أحد فروع "موديز" للتصنيف الائتماني، في تقرير لها أن هناك "استفزازاً شرساً للأقليات الهندية". وتحدثت أيضاً عن "ازدياد حالات التعصب الديني" في سياق عن كيف يكون للتطورات السياسية تأثير اقتصادي.
ومن الواضح أن رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" في حاجة لأن يتعامل مع هذا الوضع، وأن يتخذ إجراءات صارمة ضد أولئك الوزراء وأعضاء البرلمان الذين يدلون ببيانات مشحونة، ولكن يبدو أنه يتجاهل عمداً الاحتجاج الوطني والدولي بشأن هذه التصريحات الاستفزازية للغاية، والتي تتهم المسلمين بذبح الأبقار وتطالبهم بمغادرة الهند إذا لم يتوقفوا عن أكل لحم البقر. وربما تتمثل استراتيجيته في الحصول على أكبر عدد ممكن من أصوات الهندوس كي يفوز حزبه في انتخابات ولاية بيهار.
ولكن في بلد مثل الهند، فإن هذه تعد لعبة سياسية خطيرة. إذا وقع الناخبون في ولاية بيهار فريسة لاستراتيجية التحريض الديني على خلفية شعار حماية الأبقار وفاز حزبه هناك، فإن الانقسام بين المسلمين والهندوس سيزداد في أجزاء أخرى من البلاد أيضاً. وإذا فشلت هذه الاستراتيجية في تحقيق الفوز له في بيهار، فإنه سيواجه خطر تبديد الأغلبية الهائلة التي سلمت له في الانتخابات العامة في العام الماضي لتحقيق النمو وتحويل حياة الملايين من الهنود الذين يكافحون من أجل التخلص من الفقر.