هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الهند هي ثاني دول العالم
سكانا، لكنها، حتى الآن، شهدت انتشارا بطيئا في عدد المصابين بفيروس كورونا. وذلك
لأن الهند كانت من بين البلدان القليلة الأولى في العالم التي أعدت نفسها للتعامل
مع تفشي الفيروس القاتل، الذي انتشر الآن في أكثر من 100 دولة. فقد بدأت الهند
بفحص الأشخاص في المطارات اعتبارا من 17 يناير، أي بعد ستة أيام من إعلان وسائل
الإعلام الصينية عن أول حالة وفاة معروفة بسبب الفيروس.
ويوم 30 يناير، اكتُشفت أول حالة إصابة
بالفيروس القاتل في مواطن هندي كان قد عاد لتوه من رحلة عمل إلى إيطاليا. ومنذئذ،
بدأت السلطات مراقبة صارمة ومستمرة للأوضاع بتشكيل لجنة مراقبة برئاسة وزير الصحة
الاتحادي. ورصدت الهند حتى الآن 148 حالة إصابة، معظمها في الأيام القليلة
الماضية، ومن ضمنها 24 سائحا أجنبيا. وولاية ماهاراشترا هي أكثر ولايات الهند
تضررا.
صحيح أن عددا من المرضى تعافى حتى الآن، لكن
الهند، كي تتجنب أي مخاطر، اتخذت عددا من التدابير لمنع ارتفاع أعداد المصابين.
وتضمنت التدابير حظر السفر؛ لأن المواقف الاستثنائية تتطلب استجابات استثنائية.
وفي أعقاب تصنيف منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا باعتباره «وباء»، تم تعليق
جميع التأشيرات حتى 15 أبريل، باستثناء تأشيرات الدبلوماسيين ومسؤولي الأمم
المتحدة والمنظمات الدولية.
وتمكنت الحكومة الهندية، حتى الآن، من احتواء
المرض، مقارنة بحجم سكانها، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى قراراتها المبكرة بعزل
نفسها عن العالم لمدة شهر واحد. وكإجراء وقائي لضمان السلامة ومنع أي إمكانية
لانتشار الفيروس في البلاد، منعت السلطات حتى الهنود المقيمين في دول الاتحاد
الأوروبي وتركيا والمملكة المتحدة من دخول البلاد. لكن في الأيام القادمة، سيتضح
مدى قدرة الهند على مواصلة احتواء انتشار الفيروس بفعالية، كما فعلت حتى الآن.
ولا شك أن لحظر السفر كلفة اقتصادية كبيرة،
لأن السياحة والسفر يسهمان بنسبة كبيرة في النمو الاقتصادي للبلاد. فقد أدى الحظر
إلى وابل من عمليات إلغاء الرحلات الجوية والحجوزات في الفنادق، مما أثر على الفور
على قطاعات السياحة والضيافة والطيران، التي تواجه بالفعل الآثار السلبية لتفشي
الفيروس القاتل. وشهدت البلاد انخفاضا بنسبة تراوحت بين 25% و30% في عدد الزائرين
الدوليين الوافدين إليها خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر الماضية، وبالتالي من
المتوقع أن يؤدي حظر السفر إلى المزيد من الضغوط الاقتصادية على البلاد.
لكن جانبا كبيرا من السيطرة يتوقف على مدى
قدرة الهند في الإبقاء على انخفاض أعداد المصابين، ومواصلة تعقب أولئك الذين
يصابون بالعدوى، حتى يتم الحد من انتشار الفيروس. ولحسن الحظ، بعد وقت قصير من
إعلان منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا وباء عالمي، قررت الحكومة الهندية
الحجر الصحي لمدة 14 يوما لجميع المواطنين الهنود الذين وصلوا إلى البلاد بعد 15
فبراير من الدول التي ينتشر بها فيروس كورونا.
وفرضت السلطات إجراءات احترازية، شملت الفحص
الحراري، على جميع الحدود البرية والموانئ الجوية والبحرية. وتم نشر عمال صحة
مدربين، وتخصيص أجنحة عزل في المستشفيات التي تديرها الدولة، لمنع أي تفش محتمل.
وأغلقت السلطات الحدود البرية مع ميانمار وبنجلاديش، ثم أعلنت الحكومة إغلاق
المدارس والجامعات وأماكن التنزه والسياحة وقاعات السينما. وتم توجيه عناية
الشركات الخاصة بأن تسمح لموظفيها بالعمل من المنازل، وطُلب من المستشفيات الخاصة
تخصيص أسرة للعزل.
ورغم ضعف نظام الرعاية الصحية العام، فإن
للهند سجلا رائعا في التغلب على الأوبئة مثل «إنفلونزا الخنازير» في عام 2009
وتفشي «فيروس نيباه» القاتل. ولدى الهند أيضا برنامج لرصد الإنفلونزا يستكشف أربعة
أنواع من فيروسات الإنفلونزا، بما في ذلك فيروس إتش1 إن1. ويعتقد علماء في
الفيروسات أن هذا البرنامج يمكن استخدامه الآن لاختبار عينات من فيروس كورونا
ومعرفة مدى انتشاره. ولحسن الحظ، لم تشهد الهند حتى الآن أي انتقال داخلي للفيروس،
وجميع الحالات جاءت من الخارج، ولم تؤثر إلا على أفراد الأسرة المقربين للضحايا.
كما تواصلت الهند مع جميع الدول المجاورة لوضع
خطة إقليمية، وعرضت تخصيص 10 ملايين دولار، في محاولة لتطوير استراتيجية مشتركة
لمكافحة التفشي الكبير للفيروس. وتعتزم نيودلهي أيضا تشكيل «فريق استجابة سريعة» من
الأطباء والمتخصصين المزودين بمجموعات الاختبار وغيرها من المعدات. كما عرضت
نيودلهي مشاركة المعلومات مع دول «رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي» عبر «بوابة
المراقبة المتكاملة للأمراض» التي أنشأتها لتحقيق تعقب أفضل لناقلي الفيروسات
المحتملين والأشخاص الذين اتصلوا بهم. ومن الواضح أن الهند تأخذ بزمام المبادرة في
جنوب آسيا لمنع انتشار المرض الذي تخطى حدود كل البلدان. لكن الكثير يتوقف على مدى
قدرة البلاد على استمرار نجاحها وصموده في احتواء تفشي المرض داخل حدودها.
(الاتحاد الإماراتية)