يعتز كثيرمن مثقفينا بشخصيه الثائر العالمي آرنستو تشي جيفارا (1928- 1967م) الذى يمثل في وعيهم نموذج المناضل الإنساني من أجل العدل والحرية.. فإضافة لصورته وإطلالة وجهه بالبيريه المائل واللحية المهذبة وابتسامته الحنونة وهي الصفات التي تجذب أي كاميرا أو أي رسام فإن حياته وموته بهما تفاصيل درامية مليئة بألوان الشجن الإنساني.. من منا لا يذكر أغنيه الشيخ إمام (جيفارا مات)
وإذا كانت هذه هى مكانه جيفارا عند كل الأحرار والرافضين للظلم والاستكبار.. فماذا تكون مكانة جمال الدين الأفغاني(1838– 1897م) صاحب السيرة العاصفة فى إعلان شموخ الإنسان ورفعته وكرامته.
وصاحب الاتساع والتكامل والعمق الفكري والعلمي (وهى الصفة التى لم تكن لجيفارا)وصاحب اللغات ألثمان (الانجليزية والفرنسية والعربية والهندية والفارسية والروسية والأفغانيه والألمانية) والمؤسس الحقيقى والأب الشرعي لكل حركات الإصلاح فى الشرق.
ومن حقي أقول ومن حقي أن أتساءل لماذا لم تأخذ شخصية الأفغاني مكانها الطبيعي فى نفوس وعقول ووجدان شبابنا كما جيفارا.. رغم صورته الشديدة الجاذبية والتأثير بعمامته المائلة فوق شعره الغزيرالذي ينساب من تحتها في حرية وتمرد تماثلان صاحبه ولحيته الوقورة الزاهدة. المتأمل في صورة الأفغاني يجدها (كاميرا جيفت) بأضعاف ما لجيفارا من جاذبية.
ومع ذلك لم نر صورة واحدة للأفغانى على (تى شيرت) أو بروازا معلقا على جدار أو فى ميدالية بين أيدى الشباب .. لا شك أن إخواننا اليساريين وهم شديدو البراعة فى توظيف الفن والثقافة لخدمة الفكرة والايدولوجيا لا شك أنهم برعوا تماما فى غرس(حاله جيفارا) فى وجدان الشباب الثائر الطامح إلى تغيير العالم من حوله، ولم تجد(حالة الأفغاني) من يقوم بها.. فاليساريون بالطبع لا يميلون إليه لمنطلقاتة الإسلامية، والليبراليون لايحبون هذا المثال لافكريا ولااجتماعيا، والقوميون رغم إقراراهم بأستاذيته ينظرون إلى قوميته من طرف خفي.
لم يبق إلا الإسلاميين أصحاب الدعوة الإنسانية الشاملة لتحرير الإنسان من عبادة العباد والإعلاء من كرامته أمام ظالميه وغاصبيه، وهو بمثابة الأب الروحي والمؤسس الرائد لفكر الإصلاح الإسلامي، .ومع ذلك لم يهتم الإسلاميون بحالة الأفغاني طودا شامخا ونموذجا كاملا للثورة الإنسانية على الظلم والاستكبار.
أفما كان يجدر بالإسلاميين الشباب أن يحملوا صورة الأفغاني وسيرته ليملأوا بها خيال الشباب بالبطولة والثورة والحركة والنضال والتضحية والشهادة.
لماذا لا نرى صورة الأفغاني على (تي شيرتات) الشباب وميداليتاهم وجدران حجراتهم وعلى صفحات الفيس بوك والتويتر والمجموعات. ونقدمه للعالم كله نموذجا للفكرة التى محت من الوعي الإنسانى كل أشكال الاستعباد والخضوع.. للحاكم أو للمال والسلطة والشهوات والاستهلاك.. وإذا كانت سيرة الأفغاني تتسع لتشمل كل طلاب الحرية والعدل والكرامة الإنسانية.
الأفغاني يا سادة خرج من رحم التطورالإنساني فى مرحلة تاريخية ضخمة تميزت بازدهار الإمبراطوريات. مفكرا إنسانيا ومصلحا اجتماعيا وعالما دينيا وخطيبا وكاتبا وفيلسوفا.
يقول عنه تلميذه الأكبرمحمد عبده (يتمتع بأقصى ما قدر للبشرغير الأنبياء من قوة الذهن وسعة العقل ونفاذ البصيرة هذا فضلا عن شخصيته ذاتها..).
يخرج من بلاده إلى الهند فيصدمه خضوعهم العجيب للانجليز فيقول لهم(أنتم ملايين من البشر ولو كنتم ملايين من الذباب لكاد طنينكم يصم آذان بريطانيا)، ثم يذهب إلى مصر فيقول للفلاح المصري البائس دائما (عجيب لك أيها الفلاح تشق الأرض بفأسك باحثا عن رزقك..لماذا لا تشق بهذه الفأس صدور ظالميك) ثم يعود إلى الهند فيؤلف كتابه الشهير(الرد على الدهريين) ناقدا لنظرية دارون فى التطورو تبيان لدورالدين فى (تأكيد قيمه الإنسان كأشرف مخلوقات الأرض والساعي للارتقاء بالحياة على الأرض إلى أعلى المستويات اللائقة بخيرالأحياء)، ثم يخرج من الهند إلى أوروبا ليلتقيه محمد عبده فيؤسسان تنظيما سريا (العروة الوثقى) وعكس تنظيم الأفغاني الذى كان نخبويا لتكوين قيادات (تقود الشرق لإحياء الأمل فى النفوس والأخذ بالأفكارالصحيحة والنهج العلمى).
أثناء وجوده فى أوروبا عرضت عليه الحكومة الانجليزية أن يتولى عرش السودان ويقوم بالإصلاحات التى يريدها هناك فيسخر منهم ويرد عليهم قائلا (فى الدنيا أحرار ليس من شواغلهم اجتلاب المنافع الشخصية)، ويشد الرحال إلى روسيا القيصرية وعينه على مسلميها فى وسط آسيا ويمكث فيها أربع سنوات حتى يبعده القيصرعن الأراضي الروسية فيذهب إلى إيران فيمكث بها قدر ما يمكث ثم يقيد بالسلاسل ويوضع فى ثياب مهلهله ويطرد إلى البصرة. فيكرمه واليها (هدايت باشا) ويتوسط فى إرساله إلى لندن للعلاج وأخيرا ينتهى به المطاف فى استانبول بعد أن أرسل إلى السلطان (ميثاق الرقي والتعاون) يقر فيه السلطان بدعوة الأمم العربية إلى مد يد الإخاء بعضها إلى بعض لتنهض بالصناعة والعلوم فى ظل الاستقلال القومي والاتحاد الإسلامي ..وكاد أن ينجح لولا عواصف الحقد والوشايات التى اجتمعت فوق رأسه كى تقتلعه من جوار السلطان وقد كان.. فتباعد ما بينه وبين السلطان عبد الحميد ..وإذ به يموت مسموما فى نوبة من نوبات الغدرالتي كثيرا ما تمر ببلاد الشرق.
تعالوا نصنع من شخصية الأفغاني رمزا إنسانيا رفيعا للحرية والعدل والكرامة.
2
شارك
التعليقات (2)
ياسر الحويطي
الإثنين، 14-09-201506:11 ص
http://m.youtube.com/watch?v=_1Go1GPTBCg
توفيق
الأحد، 13-09-201506:25 م
رحمه الله مااحوج العالم الإسلامي لمتل هذا الرجل في هذا الزمن