مقالات مختارة

من هم أطراف مشهد جنين؟

أحمد جميل عزم
1300x600
1300x600
كتب أحمد جميل عزم: لعل عمليات التوغل الإسرائيلية في مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية، هي أكثر ما يثبت أنه تحت سطح الهدوء النسبي، وسطح مشهد يبدو كأنه تحت السيطرة الأمنية، توجد مقومات مواجهة كبيرة ممكنة الاندلاع في لحظة ما. 

وعملية جنين الأخيرة خير مثال على ذلك. كما أنّ التدقيق في أطراف المشهد تشير إلى حرج وضع السلطة الفلسطينية وأفقها القاتم، في ظل اضطرارها مرة بعد أخرى للوقوف موقف المتفرج.

ما حدث في جنين قبل أيام ليس جديدا، وتكرر سابقا. لكن يبدو أنّه حدث بحجم كبير نسبيا. إذ بحسب الإعلام، كانت هذه عملية كبيرة نسبيا، هي الأكبر من نوعها منذ سنوات، واستهدفت اعتقال قياديين، أو مسلحين، من حركة "حماس"، وربما من حركة "الجهاد الإسلامي" أيضا، في المدينة ومخيمها.

وتضمنت عشرات الآليات العسكرية الإسرائيلية، وفرقة مشاة ووحدات خاصة. وقد بدأ التصدي بالحجارة والزجاجات من الشبان العزل، من الفصائل كلها، ثم تطور الأمر إلى مواجهة مسلحة مع ما يبدو أنّهم مقاومون مسلحون حوصروا وكانوا مستهدفين.

يمكن إعادة وصف المشهد السالف، بكلمات أخرى، كما يلي: هناك مجموعات مسلحة تزداد أعدادها، وتدل عليها عمليات إطلاق نار متفرقة وعمليات ملاحقة إسرائيلية. وهذه المجموعات تسعى القوات الإسرائيلية إلى اعتقالها. 

ولا تقوم هذه القوات بالتنسيق الأمني كما هو مقرر في اتفاقيات أوسلو مع القوات الفلسطينية، إذ يمنع دخولها لمناطق "السلطة"، ويترك للفلسطينيين تولي أمر مثل هذه المجموعات. وجل ما يمكن أن يكون قد حدث من تنسيق أمني هو ترتيب عدم تدخل القوات الفلسطينية. وبالتالي، يصبح أطراف المشهد كما يلي: أولا، قوات إسرائيلية، ثانيا، مدنيون وشبان من كل الفصائل؛ وثالثا، رجال مقاومة. فيما يغيب من المشهد الجانب الفلسطيني الرسمي، سواء كان سياسيا أو أمنيا. 

وعمليا، يصبح هذا الجانب بمثابة الغائب الحاضر، لأنّ غيابه لا يمكن أن يكون مفهوما أو مستساغا، شعبيا، أو أمرا لا يلاحظ. 

كان مفهوما أن يكون هناك تنسيق أمني في بدايات إقامة "السلطة"، على أساس أنّ هناك مقابلا يحصل عليه الفلسطينيون في المرحلة الانتقالية، هو حصانة مناطق (أ) من الاقتحامات الإسرائيلية، تمهيدا للتوصل لحل نهائي كان الجانب الفلسطيني الرسمي يعتقد أو يسعى لأنّ يتضمن انسحابا إسرائيليا من المناطق المحتلة العام 1967. 

لكن هذا الترتيب انتهى منذ العام 2000، ما يعني أن جزءا كبيرا من التنسيق الأمني أصبح مجانيا.

من المعروف بأنّ هناك نظرية اسمها "الدور والمكانة"، يمكن تطبيقها في المجتمع، وعلم الاجتماع السياسي، ومفادها أنّ من لا يقوم بدوره يفقد مكانته. فكبير العائلة الذي لا يقدم لعائلته الحماية والدعم، لا يعود كبيرها، ولا يحظى بالاحترام والتقدير. 

وإذا توقفت حكومة عن توفير التعليم، وخدمات الصحة، والأمن، تعود الشعوب للبحث عن بدائل على شكل الاعتماد على العائلات، أو شركات، أو تنظيمات شعبية، وتصبح الجهة التي يفترض أن توفر كل ذلك "غير ذات صلة" (Irrelevant). 

إذا تكررت المشاهد التي يختفي منها طرف ما، فإنّه سيتولى أو يضطر لدخول المشهد بطريقة ما، ولعب دور، وإلا فهو يخاطر بمكانته ووجوده. 

التغول الإسرائيلي، هو تغول ضد السلطة الفلسطينية قبل أي جهة أخرى. وهذا وضع غير قابل للاستدامة. فاستمرارية معادلات ما بعد "انتفاضة الأقصى"، من عدم قدرة القوات الفلسطينية تقديم حماية لشعبها ضد الإسرائيليين، وعدم احترام الإسرائيليين للاتفاقيات التي كانت تحكم الوضع، تعني مخاطرة كبيرة في المكانة، ستفرض تحركا سياسيا أو حتى ميدانيا. 

ومن هنا، يصبح السؤال حقيقيا: هل يمكن أن يستمر الوضع الراهن، خصوصا إذا تزايدت واتسعت حالات المواجهات مثل التي حدثت في جنين هذا الأسبوع؟ 

منذ سنوات والسلطة الفلسطينية تطرح نقاطا من نوع حل نفسها. وطرحت منظمة التحرير الفلسطينية وقف التنسيق الأمني. لكن عدم تنفيذ أي شيء من هذه الأفكار، جعل التعامل مع جديتها محدودا، سواء على الصعيد الفلسطيني الداخلي، أو دوليا. إلا أن الوضع الراهن من المتعذر استمراره، وينذر بعواقب كثيرة وخيمة.

(عن صحيفة الغد الأردنية، 3 أيلول/ سبتمبر 2015)
التعليقات (0)