كتاب عربي 21

قصة النبي يوسف عليه السلام و قصة السيسي

أحمد عمر
1300x600
1300x600
أوجه الشبه هي: الحُسن، النبوءة، الملك... وأستغفر الله لي ولكم. 

يقول الروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز في كتابه "غريق على ارض صلبة"  بأنّ أحسن قصة قرأها في حياته، هي قصة الكونت دي مونت كريستو للفرنسي الكسندر دوماس الأب. 

والسبب في إعجاب ماركيز بها هو قدرة مؤلفها على جعل ادمون دانتس، البحار الجاهل في الهروب من حصن منيع ثم التحول إلى أكثر الرجال ثراء وذكاء في عصره ! ماركيز أحب الكونت ( كحكمة عالمية وثروة  وثورة عارمة وتعطش للانتقام .. لقد ألف معجزة قصصية)؟ وسنحاول البرهان على أنّ القصة مقتبسة من قصة يوسف عليه السلام.

بطل الرواية شاب "وسيم"، يعمل قبطانا للباخرة "فرعون" ويعشق الحسناء مرسيدس، وهو محل حسد صديقه فرناند لنجاحاته البحرية والعاطفية فيسعى إلى تدبير مكيدة محكمة له بالتآمر مع صديقيهما كادروس وهو خياط في الخامسة والعشرين ودانجلر وهو أحد ملاحي فرعون، وذلك بدسّ رسالة سياسية انقلابية فيقع في المصيدة كمتهم سياسي موال لنابليون بونابرت ضد الملكية، ويمثل أمام المدعي العام دي فيلفور الذي ما إن يطلع على الرسالة حتى يصعق لورود اسم أبيه الجيروندي الجمهوري فيها، فيحرق الرسالة ويودع البريء ادمون في سجن قلعة "ايف" الرهيب لدفن الحقيقة.

يتعرف نادمون على الراهب فاريا، بعد حفره نفقا فيحبه الراهب ويعلمه العلوم كلها وفي لحظة احتضاره يطلعه على خريطة كنز الكردينال سباد، يخطر لأدمون، الذي كان قد باشر الحفر في الاتجاه الآخر، باستبدال جثة المرحوم فاريا بجسده فيخرج جثته ويخيط الكفن على نفسه ويصبر إلى الصباح ليلقى في البحر بعد 14 عاما من السجن، فيقصد سباحة، إحدى الجزر القريبة ويلتقطه قراصنة فيتمارض عند الوصول إلى جزيرة الكنز فيتركونه حسب رغبته فيخرج الكنز ويخفيه ويخرج إلى الحياة بشخصية كريستو وبجواز سفر إنجليزي تبدأ مرحلة الانتقام .

يحتال ادمون فيصبح صديقا لعائلات أصدقائه السابقين، الانتقام الذي يحضره لغرمائه من جنس الجريمة ويهودي ( العين بالعين والسن بالسن) كما تتكرر فيها عبارات وأسماء توراتية ( ادمون الذي يعني الأحيمر وهو لقب عيسو اخو يعقوب) أو مصرية مثل "فرعون" اسم الباخرة. 

يمكن إيجاد أكثر من قرابة فنية مع رائعة البؤساء للفرنسي الشهير فكتور هوجو مواطنه المولود في العام نفسه (1802 ) الذي ولد فيه دوماس الأب وبين كريستو.. قصة كريستو أكثر تعقيدا من قصة دوماس وأكثر مخاطبة للوجدان لكن البؤساء ملحمة تاريخية ووجدانية ولاهوتية وهي تروي قصة فقير سرق رغيف خبز ثم سجن ثم خرج ليصير عمدة المدينة. القصتان ترويان حكاية متهم بريء وكتبتا في زمن متقارب. وفيهما إشارات للثورة النابليونية والمؤامرات على  الملكية الفرنسية.

واعتقد أن أصل القصتين موجود في "أحسن القصص".. والدلائل كثيرة. يوسف عليه السلام كان صبيا في حوالي الثانية عشرة، ويتيم الأم، ومحسودا من إخوته، يزداد الحسد بعد رؤيا السجود الشهيرة (وهذا بعد شعري وكوني في القصة) وإذا كان ادمون وسيما فأنّ يوسفا كان حسن الهيئة في العهد القديم وأوتي شطر الحسن في الحديث الشريف، الأمر الذي يدفع الإخوة إلى التآمر عليه الاكتفاء برميه في البئر بعد تدخل روبين ومنعهم من قتله. نمط حبكة قصة يوسف الرئيسة هي حبكة الحسد والتنافس على حب الأب( وفي قصة يوسف كل الحبكات الدرامية المعروفة، وهذا حديث آخر) بينما في كريستو هي التنافس على حب الحسناء مرسيدس. 

وإذا كان في سجن "ايف" ( ايفا، حواء، الأم) حراس ومساجين يستطيع أن يستأنس السجين "بمسحوق همسهم" على الجدران، أو حتى بسياطهم فأنّ الغلام يوسف رمي في بئر بعيدة القعر في فلاة موحشة، إلى أن يخرجه بعض السيارة  ليباع عبدا. يتعرض بعد محنة فراق الأهل، وغدر الإخوة، والرمي في البئر  إلى محنة الاسترقاق والعبودية من ثم التعرض إلى محنة الاتهام في الشرف ومن ثم محنة الرخاء والابتلاء الإلهي بالنعمة. 

الشبه الثاني لحكاية كريستو وجان فالجان بقصة النبي يوسف هو صعودهم في المكانة الاجتماعية والمناصب السياسية، لكن الشاب الوضيء هو أعلاهم منصبا وثروة في المرحلة الثانية فهو يتبوأ أعلى مكانة في مصر. وفي زمن المحل والجفاف، بعد سجن طويل مثلهما ثم ينال حريته ويخرج ( بجواز سفر مصري ). 

وإذا كان الراهب فاريا هو معلم دانتس في السجن والأسقف ميريل هو معلم جان فالجان فأنّ معلم يوسف النبي هو ربه. (القس والأسقف وكيلان للرب على الأرض في المسيحية)، فلكل معلم رتبة تناسب رتبة التلميذ البشرية والدينية. يوسف نبي يؤول الرؤيا والنبوءات أما معارف ادمون وجان فالجان فهي اكتسابية. 

السجن مدرسة قاسية تخرج الأبطال الصابرين والأبرياء عموما. وفي القصص الثلاث شبهة مؤامرات سياسة وأجواء انقلابات، إذ يتهم يوسف إخوته بالتجسس السياسي على مصر كما أن الثلاثة يخرجون من السجن بشخصيات جديدة وأثرياء. جان فالجان وادمون يتنكرون ويغيرون هيئاتهم بما فيهم النبي يوسف في قصة الصاع، أما الانتقام الوحيد الذي يقوم به يوسف فهو انتقام "حميد" إذ يقوم بدسّ كاس الملك في عدل أخيه لما لشمل العائلة وتحقيقا للرؤيا. انه أجمل "انتقام" عرفناه كونيا.

إن دوماس وهيجو يعرفان بلا شك قصة يوسف التوراتية ونرجح أن شخصية كريستو وجان فالجان صورتان معاصرتان للنبي يوسف بعد تصحيف روائي، وللقصص الثلاث حبكة المتهم البريء. والمقارنة هنا هي مع قصة يوسف عليه السلام بحبكتها الرئيسة. 

السيسي حلم أيضا بنبوءة تحققت بالقوة والمكر والتنكر بإهاب التقي المؤمن، وصار ابن الجمالية العبيط -كما تصفه آيات عرابي- فرعون مصر لا عزيزها، وبلاده مهددة بمجاعة مثل المجاعة التي تعانيها غزة، وهو يعدُّ أوسم شخص في مصر الآن! وفازت أمه بلقب الأم المثالية! فهي نجم وكوكب، والناس ذكورا وإناثا يكادون يقطعون أيديهم ذوبانا في عشقه، وهو يعد بثورة دينية "معرفية" مدعوما بالأزهر، ويعد بالقضاء على الفقر بقناة السويس.. 

مكان أحداث قصة يوسف والسيسي هو مصر والتشابهات كثيرة، فمرسي متهم بالتخابر مع حماس التي صارت ذئبا في قصة السيسي، والذئب بريء من دم يوسف ومرسي.

ظلمت أحسن القصص كثيرا، ويوسف هو أحب الأنبياء إليّ بعد خاتم الأنبياء، مع أنه ليس من أولي العزم، ويمكن أن تكون هذه دعوة للناقد الأدبي الاهتمام بدعواي، وعمارة جدول فني بالمتشابهات في القصص الثلاث، فأدواتي النقدية تقصر عنها وتلخيصي المتعسف يخلط الجد بالهذر.. لكن من المؤكد أن مصر ومعها رئيسها المنتخب وشعبها في.... غيابة الجب.
 
نسيت أيضا أنّ السيسي رسول مرسل وليس نبيا وحسب.. ومعه معجزات مثل تحويل الأمة المصرية إلى قد الدنيا كما أنه لم شمل العرب على اليهود والمجوس ودهن قناة السويس دوكو!
التعليقات (1)
زهور لحسنت وبرك الله فيك
الأربعاء، 23-09-2015 02:27 ص
شكرن