نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية مقالا للكاتب روبرت فيسك، يقول فيه: "عندما تعذب شعبك يقوم
تنظيم الدولة بنثر (برازه) في الجرح وتلويثه. وهذا هو المسار الذي تسير فيه
مصر اليوم".
ويبدأ فيسك مقاله بالقول إن "صور الزورق البحري المصري وهو ينفجر أمام خليج
سيناء الأسبوع الماضي، كانت تحذيرا لساستنا الغربيين. نعم، نحن ندعم مصر ونحب مصر، ونواصل إرسال سياحنا إلى مصر؛ لأننا ندعم الجنرال عبد الفتاح
السيسي، رغم أنه يسجن أكثر من 40 ألف شخص، منهم أكثر من 20 ألفا من مؤيدي الإخوان المسلمين، والمئات منهم صدرت عليهم أحكام بالإعدام، إلا أن النظام المصري لا يزال يتظاهر بأنه أعداءه من الإخوان المسلمين يشبهون تنظيم الدولة".
ويضيف الكاتب: "قام تنظيم الدولة بدوره الخطير الجديد كونه قوة إسلامية في سيناء بقتل مئات من القوات المصرية، فقد قتل أكثر من 60 جنديا قبل أسبوعين، وبعد أن أعلن المتحدث باسم الجيش المصري في القاهرة أن سيناء (100% تحت السيطرة). ولكن وبعد تدمير الزورق العسكري الأسبوع الماضي، لنا أن نتساءل: من يسيطر على شبه جزيرة سيناء؟".
ويرى فيسك أن "أكبر معركة تدور اليوم ومنذ عام 1973 هي في سيناء، إلا أننا ندفع هذا النزاع بالحديث عن مخاوفنا في العراق وسوريا وليبيا واليمن. وشعرنا نحن في الغرب بالارتياح من أخذ جنرال علماني مكان الرئيس المنتخب ديمقراطيا، حيث نؤيد قيادة السيسي بكرم، كما دعمنا محمد مرسي من قبل. فقد أستانف الأمريكيون تزويد مصر بالسلاح. ولَمَ لا؟ خاصة أن رجال السيسي يواجهون تنظيم الدولة التدميري".
ويجد الكاتب أن "الوضع يبدو للمصريين مختلفا، خاصة أنه تتم معاملتهم بعقلية تشبه عقلية الرئيس العراقي صدام حسين، التي تضم طموحات غريبة ببناء عاصمة كبيرة يحتاج الانتهاء منها على الأقل سبع سنوات، وليست بعيدة عن الفرع الجديد من قناة السويس، الذي من المفترض أن بناءه قد انتهى. وستبنى المدينة الجديدة على مساحة 700 كيلومتر، وستكلف 30 مليار دولار. وكان من ضمن الحاضرين عندما تم الكشف عن خطط هذا المشروع الأخرق توني بلير، الذي كان رئيس وزراء بريطانيا، لكنه يقوم الآن بتقديم النصح للرئيس المصري عبر شركة استشارات إماراتية".
ويشير فيسك إلى ما كتبته الأمريكية ماريا غوليا إن "الحلم المبذر للحداثة" يتناقض مع الموقف اللامبالي لمصالح المصريين الحقيقية. فنسبة 60% من القاهرة، القاهرة الحقيقية الموجودة اليوم، قد بني في العقود الماضية، وتوسع على مدار أميال من البنايات الإسمنتية المتداعية، التي لا ترى شجرة بينها بسبب الفقر والحر. ولا أحد يستطيع شراء الفلل التي أقيمت والمطلة على العاصمة، ويتساءل الكاتب: ألا تكون هذه أرضا خصبة لتنظيم الدولة؟
ويدعو الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى النظر إلى مصر الحقيقية التي يحكمها السيسي اليوم. فبدلا من إحياء المدينة المتعبة التي حكمها البريطانيون والملك فاروق وعبد الناصر والسادات ومبارك، يريد السيسي أن يبدأ من جديد، رغم وجود "القاهرة الجديدة" خارج المدينة الأصلية، التي تم بناؤها توسعة للمدينة في عهد السادات ومبارك. مشيرا إلى أنها بذلك ستكون مدينة السيسي القاهرة الجديدة الجديدة، وهي محاولة ثانية للتخفيف من الفشل الاجتماعي.
ويقول فيسك: "على الرئيس ألا يقلق كثيرا حول مشكلات العمال والعمل في مدينته الفنتازية، خاصة أن المحكمة الإدارية العليا قد أصدرت قرارا بمنع الإضرابات؛ باعتبارها محالفة للقانون، مع أن المادة 13 من الدستور نصت عليها. وقد أصدرت المحكمة حكما بإحالة ثلاثة عمال مدنيين إلى التقاعد، وعقاب 14 آخرين بتأجيل ترقيتهم في مدينة المنوفية، بحجة أن الانسحاب من العمل (يتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي ومقاصد الشريعة). وبناء على قرار المحكمة، الذي يشبه محاكم داعش، فإن (طاعة أوامر المسؤولين الكبار في العمل هي واجب)".
ويبين الكاتب أن الحكومة المصرية عليها ألا تقلق كثيرا حول نقابات العمال المصرح بها، فرئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر جبالي المراغي، قال في حديث له مع صحيفة "المصري اليوم" وأعلن أن "مهمتنا هي تنفيذ أوامر الرئيس، وزيادة الإنتاج ومكافحة الإرهاب". ووجد نائب رئيس الوزراء السابق زياد بهاء الدين الحكم مثيرا للغرابة، وقال: "ألم نتظاهر ضد الدستور الذي أعده الإخوان المسلمون الذي حاول الخلط بين الدين والسياسة".
ويعلق فيسك قائلا: "صحيح، فنحن في الغرب الآن نشجع الدولة المألوفة (الجديدة) في مصر: أبوية وديكتاتورية ومهددة بالأعداء الخارجيين، ولن يمضي الوقت طويلا قبل أن تعلن الحكومة المصرية تنظيم الدولة فرعا من فروع الموساد".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "في الحقيقة مصر تحذو حذو دول كثيرة مزقها تنظيم الدولة، فعندما تعذب شعبك ففي جروجه يتبرعم تنظيم الدولة، وما يجري اليوم في سيناء، التي يزعم الجيش أنها تحت السيطرة كما في بقية مصر، واغتيال النائب العام في القاهرة يثبت أن عمليات تنظيم الدولة قد اجتازت قناة السويس، بحيث يمكنه ضرب البحرية المصرية".