قلب علي القوم في سلطة الانقلاب المواجع، من "التقليب". في أزمة الشيخ محمد جبريل، وذكروني بما نسيت، بعد أن تداعت الذكريات، بسبب ما جرى!.
كنت قد خضت الانتخابات البرلمانية في سنة 2005، في مسقط رأسي، والتي كانت نتيجتها سقوطي المدوي بالإرادة الحرة للناخبين، وهذا ليس هو الموضوع، فلم يحدث أن أنصفتني الجماهير البتة، فقد جربت حظي مرة في التنافس على موقع "ألفة الفصل" وسقطت سقوطا أذهل المدرسين والسيد ناظر المدرسة، مما كان من شأنه أن سحبوا اختصاصات "الألفة" قوة واقتدارا ومنحوها لي. ورغم التجارب المريرة مع الجماهير وإرادتها، وتجربتي مع اختيار السلطة ممثلة في الناظر والمدرسين، فلا أعرف سببا وراء إيماني بهذه الإرادة، ودفاعي عن اختيارات الشعوب، وإن اختارت عبدا حبشيا!.
الموضوع، أنني في جولتي الانتخابية، كنت قد التقيت بأحد أئمة المساجد في منزله، وروى لنا الرجل ما أضحكنا باعتباره يدخل في باب شر البلية، حيث تلقى استدعاء من قبل مباحث أمن الدولة، أصابه بفزع، فهذه المرة الأولى في حياته التي يتلقى فيها مثل هذا الاستدعاء، ومن جهاز كان ذكره كفيلا بأن يقطع السامع "الخلف"، أي القدرة على الإنجاب، وما قبل "الخلف"، واللبيب بالإشارة يفهم!.
وقضى الشيخ ليلة كاملة يفكر، ويستدعي خطبه خطبة خطبة، وهو الأزهري التقليدي، الذي لم يسبق له أن انشغل بالسياسة، أو انتقد الحكام، أو أهتم بغير قال الله، وقال الرسول، رغم شعبيته، وهي شعبية يستمدها من قدرته على الخطابة، والتحضير الجيد لخطبة الجمعة. ورغم أنه كان يخطب في مسجد كان يعتبر محيطه يصنف أمنيا على أنه بؤرة من بؤر "السُنية" وهو الاسم الشعبي للجماعات الدينية بتنويعاتها المختلفة، ومن أنصار السنة، إلى تنظيم الجهاد، إلا أن صاحبنا الأزهري، كان بعيدا عن كل هذا، والاستدعاء وصله بعد أن انتقل من هذا المسجد، وذهب إلى مسجد جديد، في منطقة أخرى، وبعد أن اختفى نفوذ "السنية"، بحركة اعتقالات أخذت "العاطل في الباطل"، على رأي الرئيس السادات: "أنا أخذت العاطل في الباطل يا ولاد"!.
لم يجد الشيخ بعد تفكير عميق، وقلق أعمق، في كل تاريخه، وخطبه، وليس في الخطبة الأخيرة فقط، ما يمثل مبررا لاستدعاء من جهاز مباحث أمن الدولة. وفي الصباح وقد أضناه السهر والتفكير، كان أمام الضابط الذي قام باستدعائه!.
وقد عاجله ضابط أمن الدولة بما أفزعه:
لماذا تدعو علينا؟!
وكان رد الشيخ هلعا: أنا؟..أنا أدعو عليكم؟.. مستحيل.. في أي جمعة؟!
وقال الضابط: في كل خطبك!.
وعاد الرجل لتأكيد النفي. فلم يحدث ولو مرة في حياته أن دعا عليهم، مما كان سببا في أن يطلب من الضابط أن يذكر له الدعاء الذي دعاه، وقال الضابط ما جعله يتنفس الصعداء بعد حالة الكرب العظيم التي انتابته:
ألم تدعو في كل جمعة بأن يسلط الله الظالمين على الظالمين، وأن يهلك الظالمين، وأن يركم فيهم يوما أسودا. أليس هذا دعاءك في كل جمعة؟!.
ظن الشيخ في البداية، أن الضابط فهم وصف الظالمين على أنه ضباط الجهاز، قبل أن يعرف منه أن ينسحب على النظام الحاكم كله!.
وانتهى الموضوع بأن أفهم الخطيب الضابط، بأن هذا دعاء متوارث، يدعو به الخطيب في نهاية خطبة الجمعة، وفي كثير من الأوقات فإنه لا يكون أحد بعينه في ذهنه وهو يدعو، وقد لا يكون من بين المصلين وهم يؤمنون على الدعاء شخص في ذهنه أحدا يقصده، وقد يقول: آمين، ظالم مستهدف بالدعاء!.
ضحكنا بعد أن اكتشف الشيخ حل "الفزورة" وسبب الاستدعاء، وتندرنا بها لفترة، وقد نسيت ما حدث، أو سعيت لطي الملف برمته، لأنه يذكرني بصدمة نتيجة الانتخابات، لولا أن سلطة الانقلاب، وقد "تحزمت" في مواجهة الشيخ محمد جبريل، ذكرتنا به، وقلبت علىَّ المواجع!.
كنت وأنا استمع لحكاية الشيخ "بلدياتي" وضابط أمن الدولة، أظن أنني أمام موقف فكاهي نادر، وكاشف عن جهل الضابط، الذي لا يفتقد فقط للحد الأدنى من الثقافة الدينية، ولكن لأنه بما فعل أثبت أنه لم يمر على رصيف مسجد، طيلة حياته، ومثل هذا الدعاء من الأدعية الثابتة، ولم أكن أتصور ما ينتظرنا!.
في النهاية، أن الواقعة سالفة الذكر كاشفة عن "جهل ضابط" فرد، والذي بعد أن اكتشف الخطأ الذي وقع فيه نتيجة جهله، صرف الشيخ في أمان، ولم أكن اعتقد أن جهلا نشطا سيكون عنوانا لمرحلة بأكملها في تاريخ مصر، ومن قمة نظام حكم إلى قاعه!.
فقد هبت أجهزة الدولة في عهد عبد الفتاح السيسي، بما في ذلك جهازها القضائي، والأمني، والإعلامي، والتنفيذي، هبة رجل واحد ضد الشيخ محمد جبريل، فيتم التشنيع عليه إعلاميا، ويمنع من الإمامة والدعوة بقرار من وزير الأوقاف ممثل السلطة التنفيذية، ويصدر قرار من النائب العام بمنعه من السفر، ويتولى الإعلام قصفه بالاتهامات اللقيطة، يقوم الجهاز الأمني بتنفيذ كل هذه القرارات ويستقبل قسم شرطة مصر القديمة بلاغا ضد الشيخ الداعي يتهمه فيه بتوظيف دعاء القنوت توظيفا سياسيا، وكل هذا لأن "جبريل" تجاوز في حق الظالمين، ولم ينتبه إلى أن الظالمين هم من يحكمون مصر الآن، عبر حزبهم الحاكم "حزب حركة الظالمين"، فقيل "يا داهية دقي"!.
وقد بدأ النظام الانقلابي في مصر، مصابا بالجنون الرسمي، فتحرك بهستيريا، ليمثل دليلا من لحكم ودم، على أن الغباء جند من جنود الله، فلو أنفقت القوى الموالية للشرعية ما في الأرض جميعا من أجل أن تشهر بنظام عبد الفتاح السيسي كما شهر بنفسه في هذه القضية، لفشلت، ضعف الطالب والمطلوب!.
لقد كنت أظن وفي لحظة معينة، أن هناك من سيتدخل لإيقاف هذه الهستريا ، وقد ترى جهات معينة في الدولة أن النظام الحاكم هو المقصود بالدعاء، لكنها ولأسباب مرتبطة بسعيها للحفاظ على سمعته ستتصرف على أنه لا يمكن أن يكون الشيخ يقصده بالدعاء على "الظالمين"، واعتقدت أنها ستتدخل لتثبت أن المقصود بالظالمين هم الإخوان. والمستهدف بالإعلام الفاسد في الدعاء هو "مصر الآن" و"مكملين" وقناة "الجزيرة". والمقصود بمن يستبيحون الدماء هم عناصر الحركات المسلحة التي تستهدف الجنود!.
لكن تبين أن الجنون هو القاعدة التي لا توجد لها استثناءات، وافتقد الانقلاب لرجل يمتلك الحد الأدنى من الرشد فيهب للدفاع عنه بإدعاء أن لا يمكن أن يكون من الظالمين، وعلى نحو كاشف أن من أدار الأزمة هو السيسي وسكرتيره عباس كامل، وأن كل الأجهزة الأخرى تعمل وفق القاعدة الانتهازية: "اربط الحمار في المكان الذي يقرره صاحبه"!.
هناك واقعتان في التاريخ المصري المعاصر، تشبهان إلى حد ما واقعة الدعاء على الظالمين، احتوى أثارها ذكاء الحاكم وفطنته، وهو ما تفتقده مصر الآن!.
فقد حدث في عهد جمال عبد الناصر وفي سنة 1969، أن أخرج المخرج الكبير حسين كمال فيلمه "شيء من الخوف"، وهو مأخوذ من رواية للكاتب ثروت أباظه، وقد شهدت أحداثه زواج عتريس من فؤاده بالقوة وبدون موافقتها، قبل أن يتململ سكان القرية، ويتحول تململهم إلى ثورة تحيط بمنزل العريس وقد قررت التصدي له وهي تهتف بالهتاف الأثير: "زواج عتريس من فؤاده باطل"!.
وعلى طريقة أحمد موسى، ووزير أوقاف الانقلاب، رأت جهات في الدولة أن تقوم بمنع عرض الفيلم على أساس أن عتريس يرمز لعبد الناصر، وأن فؤاده هي مصر التي أخذها عتريس غصبا وعلى غير رغبتها، وأن الفيلم دعوة للثورة لإسقاط الحكم!.
شاهد عبد الناصر الفيلم مرتين، ورأى بذكاء يفتقده السيسي، أن منع عرض الفيلم من شأنه أن يؤكد المعنى، بعد أن انتشرت "أفيشاته" أمام دور العرض. وبعد المشاهدة قال لمن حوله لا يمكن أن يكون هو عتريس. وسمح بعرض الفيلم، ولم يبطش بثروت أباظه الذي صوره في صورة رمز الشر المغتصب للسلطة، لأن أي بطش به ولو بدواعي أخرى من شأنه أن يؤكد الاتهام. والبطش ليس جديدا على عبد الناصر الذي كان يبطش بالكبار على سبيل التسلية. فقد كان يعامل إحسان عبد القدوس على أنه أستاذه، وهو الذي فجر قضية الأسلحة الفاسدة في حرب 1948، والتي مهدت لحركة الجيش في تموز/ يوليو 1952، وبعد أن صار عبد الناصر رئيسا ظل إحسان يخاطبه بلقبه الذي كان يخاطبه به عندما كان يزوره في مكتبه بمجلة "روزاليوسف" في حالة انبهار بالكاتب الكبير: "جيمي"!.
لقد سجن "جيمي" أستاذه، إحسان عبد القدوس، وبعد خروجه من السجن لم يعد عبد الناصر هو "جيمي". قال له: يا سيادة الرئيس، واستشعر عبد الناصر القوة وهو ينظر إليه قائلا: "السجن غيرك كثيرا يا إحسان"؟!.
ولعله شعر بالزهو، وإحسان يرد عليه: "طبعا يا ريس"!
لقد عاش ثروت أباظه ومات، وهو يعلن أنه تصدى لجبروت عبد الناصر بـ "شيء من الخوف"، وكان مما يضعف نضاله أن عبد الناصر لم يتخذ قرارا بمصادرة الرواية ومنع الفيلم، مما يؤكد أنه ليس المعنى بشخصية عتريس.
والواقعة الثانية مرتبطة بالسادات، الذي رفعت له الأجهزة الأمنية تقريرا يفيد أن عمر التلمساني المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين ينسق مع خصومه من الشيوعيين ضده. وفي خطاب علني، وفي حضور التلمساني، أعلن السادات عن خيبة أمله في التلمساني الذي أعاد له "الجمعية" يقصد "الجماعة"، وسمح لها بالحركة، وبإصدار صحيفتها: "الدعوة" ومع ذلك فعمر التلمساني يتآمر عليه ومع من؟.. مع الشيوعيين!.
وقف التلمساني مقاطعا السادات ومتهما إياه بظلمه وهو يقول: لو أن أحدا غيرك ظلمني لشكوته لك، ألا وأنك قد ظلمتني فقد شكوتك لله!.
وقد استوعب السادات بفطنته الموقف وهو يهتف: "اسحب دعواك يا عمر.. اسحب دعواك يا عمر"!.
لكن التلمساني يتمسك بما دعا: "لقد شكوتك لعادل لا يظلم"، وينزعج السادات، وربما يدعي الانزعاج، وهو يقول: "أنا امرؤ يخشى الله"، ولا يجد مندوحة وقد تحول الأمر إلى مناظرة على الهواء مباشرة، في أن يرد الاعتبار للتلمساني، وهو يعلم أنه يسوق نفسه للرأي العام على أنه يزعجه أن يظلم، فيعلن أنه بصدد تشكيل مجلس أعلى للدعوة وأنه سيضم التلمساني إليه.
وخرج الرئيس والمرشد العام من هذا الحوار منتصرين!.
لكن عبد الفتاح السيسي ليس هو عبد الناصر، وليس هو السادات، فاندفع بنظامه في سياق الإعلان عن أنهم الظالمون الذين أوغلوا في الدم، وأن إعلامه هو الإعلام الفاسد الذي كان يعنيه الشيخ محمد جبريل في دعاء القنوت!.
ما علينا، فقد انتقل الانقلاب العسكري بما فعل إلى مستوى الفضيحة العالمية، وأصبح بالإجراءات التي اتخذها ضد الشيخ جبريل، مسخرة أمام العالم.
وبقي أن أنبه خطباء المساجد في مصر، إلى دعاء متوارث يدعون به في خطبة الجمعة وهو "..ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا". فعليهم التوقف عن هذا الدعاء، حتى لا تأتي "الطوبة في المعطوبة" فيتم منع من دعا بهذا الدعاء من الإمامة والخطابة ما دام وزير الأوقاف على قيد الحياة، وقد يمتد الأمر إلى المنع من السفر. وقد يجري التعامل على أن السفهاء لم يجدوا من يحنوا عليهم!.
ويا مشايخنا الأجلاء حافظوا على المشاعر الرقيقة للسفهاء من باب الوحدة الوطنية!
8
شارك
التعليقات (8)
نادر طه
الأربعاء، 22-07-201510:40 م
جميل جداً كالعادة
السيد رمضان
الثلاثاء، 21-07-201509:07 ص
رائعة هى مقالات الاستاذ سليم عزوز وتثرينا بمعلومات جديدة ومفيدة فى جو لايخلو من الفكاهة .
ليس جهلا ولا غباءا
الجمعة، 17-07-201506:49 ص
لا يمكن تجهيل وتلبيس الأمر أنم جهل وغباء. الأمر أن كلمة الحق تهيج ما بقي عندهم من فطرة معرفة الحق التي لا يمكن استئصالها كلية من النفوس مهما أوغلت في المعاصي لأن تلك الفطرة هي التي تبقي على صلاحية استنساخ الأعمال ليوم الحساب الأعظم يوم يقوم الناس لرب العالمين وتشهد أعضاؤهم عليهم. ليس غباءا وانما هي القهوه التي تزيل أثر المخدر عن المريض فيصرخ ويتهم القهوه بأنها سبب الألم ويستبرئ المرض الأصيل فيه.
وليد
الجمعة، 17-07-201512:54 ص
مقال رائع بارك الله فيك
هشام ميشلان.
الخميس، 16-07-201511:01 م
مقالتك اليوم يا أستاذ عزوز من تلك المقالات التي تذكرني بتلك التي كنت أنتظرها أياما في باريس و مدريد و برشلونة ، فتنزل في الثامنة صباحا و هي مربوطة في رزم و كأنها مومياء محنطة قادمة من الشرق ، مع أنها قد نزلت للتو في مطار شارل دو غول أو باراخاس أو البراط ، ( طازة ) ، و صاحب الكشك لا زال لم يكمل فتح المحل أو الكشك ، و بما أنه كان لا يفرق بين الصحف العربية إلى بتفحص و تدقيق يأخذ منه وقتا حتى يضع كل صحيفة في مكانها المعهود ، و بينما يلتف عليه المواطنون المحليون بحثا عن لوموند و لوفيغارو و لو بوان ، فيسلمني المقص لأفتح بنفسي رزم الصحف العربية " الحياة " الشرق الأوسط " و " القدس العربي " و غيرها ، فكنت أفتحها له و أرصها كل في مكانها ، و المقص في يدي ، و كل هذا من أجل مقالاتك يا أستاذ ، فكان زبناء الكشك يظنونني أعمل مع البائع فيسألونني و يطلبون مني مجلاتهم و صحفهم ، فأقول لهم : عذرا يا سادة فأنا " تبع عزوز بتاع القدس العربي " ، أنا زبون مثلكم لكني يركبني الخفيف كل أربعاء و سبت و إثنين فأجد نفسي أفك رباط الجرانين بحثا عن عزوز من مصر ، فمن الزبناء من يفهم " الفولة " و منهم من يظنني معتوها أو عيل تايه و تركوه عند كشك الجرائد ، لكنني كنت لا زلت أحتفظ بلؤم الصبا ، فكنت أقرأ كل الأخبار المهمة و بعض المقالات من جرائد أخرى و مجلات علمية و فنية عربية ، ثم لا أشتري إلا القدس العربي ، لكن صاحب الكشك كان قد تعود على ذلك ، و كان مسرورا لمساعدتي له في فرز الصحف و المجلات العربية ، و الكل يستفيد ، و كان سألني يوما : لماذا هذه الجريدة الخضراء و الممتلئة و المكتنزة لا أحد يشتريها و أضطر لإعادتها دائما إلى الموزع ؟ فضحكت من سؤاله ، و أجبته بسؤال : ما هي الصحيفة أو المجلة الفرنسية التي تضطر لإعادتها للموزع في المساء ؟ فأراني مجلة نصف كاسية تبطل الصيام ، فقلت له : كذلك تلك الجريدة الخضراء ، فهي تغطي أخبارا عارية ، فيغضب القارئ ، لكن على مستوى العالم العربي من المحيط إلى الخليج و صولا إلى سكان باريس .
كان كتاب المقالات في الصحف لهم نكهتهم ، و كانت تظهر توجهاتهم السياسية و الفكرية في مقالاتهم ، كانوا أحرارا ، و أوفياء لأفكارهم ، و من كان يخاف من الظالمين كان يطير إلى لندن و باريس و جنيف و روما ، يختفي من بطشهم ، ثم ثم يعودون بعد أن ينشغل الظالمون بمظلومين آخرين ، فالظالمون كانوا في كل مكان و في كل زمان ، لكنهم كانوا ظالمين أذكياء و أوفياء لمظلوميهم ، و كانوا لا يظلمون إلا في الظلام ، حتى يكون الظلم ظلمات يوم القيامة ، أما اليوم فالظالمون يظلمون في" النور و في الضلمة كمان " ، على رأي محمود عبد العزيز في الكيتكات ، لم يعد الظلم سرا و لا عيبا و لم يعد محرما أو مجرما ، بل أصبح الظلم فن من الفنون و له تقليعات و موضة ، إعلامي مظلوم و إعلامي ظالم ، شيخ مظلوم و شيخ ظالم ، أمني مظلوم و أمني ظالم ، سياسي مظلوم و سياسي ظالم ، مفكر مظلوم و مفكر ظالم ، قاضي مظلوم و قاضي ظالم ، رئيس مظلوم و رئيس ظالم ، حلاق مظلوم و حلاق ظالم ، " و عدوك ابن كارك " ، ألهذا الحد أصبح الظلم ظلمات في الدنيا قبل الآخرة !؟ ، من قسمنا هكذا حتي أصبحنا شعبين ؟ ، " إحنا شعب و انتو شعب ، لينا رب و ليكم رب " ، أيعقل يا علي يا حجار ، أن يكون قلبك قاسيا " زي الحجر " على اخوانك المصريين ؟ ، هم إخوانك و أبناء و طنك ، يحبون مصر كما تحبها أنت يا ابو احميد ، لكن ماذا نقول للظالمين الذين يعرفون أنفسهم و يتحسسون البطحة ؟ ، و يخافون من شدة ورعهم من الله فيمنعون الدعاء على الظالمين خوفا و وجلا من الله ، هل رأيتم تقوى أكبر من هذه ، يحسبون كل صيحة عليهم ، فلو كان الظالمون أذكياء لأقاموا الصلاة و عند القنوت يدعون على المظلومين الأدعية المأثورة ، و إلا فلجنة الخمسين و" الحج جمعة " و باقي الفقهاء يكتبون لهم أدعية " متخرش المايه " و يضعون لها أسانيد متواترة إلى أبي الحكم سيد قومه .
فعلا يا أستاذ عزوز ، كل هذا يدخل كما تفضلت في باب " شر البلية " ، لم أكن في يوم من الأيام أتصور أنني سوف أرى و أسمع و أقرأ هذا الكم الهائل و الغير مصدق من الانحدار في كل شيء في بلد كبلدكم الذي علم الدنيا المعارف و العلوم و الفنون و الإبداع و الآداب و الفقه و الدين ، بلد طه حسين و نجيب محفوظ و آخرون كثيرون كانوا يكتبون مناهجنا الدراسية في دولنا ، إن لكم فضلا علينا يا أستاذ عزوز ، فلا تحزن و لا تحس بالخجل من قومك الذين يصدر منهم هذا ، فإني أضع نفسي مكانك فأحس بمدى الخجل الذي يمكن أن يحس به المصري الشريف الحر ، هذا ليعلم الناس قيمة الناس ، و ليعلم الحكام قيمة الشعوب الحرة ، و لتعلم الشعوب قيمة الحاكم العادل إذا ما نصبته إرادة الشعب ، عندما تعود الشرعية سوف يكون الشعب المصري أكثر وعيا و حكمة و تجربة لخوض غمار الديموقراطية لأنهم خاضوا هذه التجربة الفريدة من نوعها في العالم العربي ، سوف يكون الشعب المصري الشعب الوحيد المؤهل للديموقراطية .
تحياتي لك و لكل المصريين و عيدكم مبارك سعيد و كل عام و أنتم بخير .