تدخل تركيا بعد أيام قليلة فترة حرجة قوامها 45 يوما، تحدد مصير قيادتها السياسية للفترة المقبلة. فبعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الأولية التي جرت في 6 حزيران/ يونيو الجاري، يتوقع أن تعلن لجنة الانتخابات النتائج النهائية بعد يومين، وسيبدأ بعدها المارثون السياسي لتشكيل الحكومة من بين الأحزاب الأربعة التي لم يستطع أي منها الحصول على الغالبية المطلقة التي تتيح تشكيل حكومة منفردة.
وتشير النتائج الأولية إلى أن حزب العدالة والتنمية الذي حصل عدد مقاعد يجعله في الصدارة بنسبة تقارب 41% سيكون هو صاحب الفرصة الأوفر حظا لقيادة البلاد، من خلال تشكيل حكومة ائتلافية مع أحد الأحزاب، وسيسعى في حال الفشل إلى خيار حكومة أقلية.
وفي حال فشل الحزب الحاكم بذلك، ولم يستطع تشكيل الحكومة مع أي من الأحزاب الثلاثة الأخرى، وهي حزب الشعب الجمهوري الذي حلّ في المركز الثاني بنسبة 24.95%، وحزب الحركة القومية الذي حصل على نسبة 16.29%، وحزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي استطاع تجاوز عتبة الـ 10% بثلاث نسب مئوية، فستحاول الأحزاب الثلاثة تشكيل تلك الحكومة، وإلا فالطريق إلى الانتخابات المبكرة سيصبح سالكاً.
مفاوضات مكثفة والعدالة يطمئن
نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش، توقع تشكيل حكومة ائتلافية، بعد أول جولة مباحثات يجريها رئيس الوزراء ورئيس حزب
العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو، مع الأحزاب الأخرى.
وأعرب قورتولموش، عن اعتقاده بأن رئيس الحكومة "قادر على تقديم خيار حكومة ائتلافية، ترضي الشارع التركي"، بعد أول جولة محادثات يجريها داود أوغلو مع أحزاب البرلمان، عقب تكليفه بتشكيل الحكومة.
وتأتي تصريحات قورتولموش، بعد أن جدد رئيس الوزراء تأكيده على أن العدالة والتنمية لم يغلق أبوابه أبدًا، ومنفتح على الحوار السياسي.
وتعكس تصريحات
أردوغان التي قال فيها إن النتائج "تشير إلى أن شعبنا أراد مشهدًا سياسيًا لا يتيح إمكانية تشكيل حزب بمفرده للحكومة"، أن خيار الحكومة الائتلافية أصبح هو الأقرب، بغض النظر عن نتائجه.
وبين أردوغان أن "هذا المشهد، الذي لا يتيح حكم حزب واحد، لا يعني أن
تركيا ستبقى بلا حكومة. كانت تركيا، حتى يوم الانتخابات في مواجهة مشهد مختلف، وبدءًا من يوم الاثنين الماضي (عقب يوم الانتخابات) أصبحت في مواجهة مشهد آخر".
أما الأحزاب الأخرى فبدأت مع ظهور النتائج الأولية بمهاجمة الحزب الحاكم، واستبعدت التآلف معه، في خطوة رآها المراقبون مراوغة لتحصيل أكبر المكاسب خلال عملية التفاوض، وهو ما ظهر في تصريحاتهم بعد أيام حيث بدأت تخف، وبدأ حزب الشعب الجمهوري أكبر الأحزاب المعارضة بمناقشة فكرة التآلف مع العدالة والتنمية.
ويبدو عمليا أن حزب الحركة القومية، والذي يتشكل في غالبيته من قوميين إسلاميين، ما زال صاحب الفرصة الكبرى للتحالف مع العدالة والتنمية، وأقرب له من حزب الشعب الجمهوري العلماني، وحزب ديموقراطية الشعوب الكردي، اللذين يختلفان مع السياسة الخارجية للحزب بشكل كبير خصوصا في الملفين السوري والمصري.
لكن محاولات حزب الشعب ما زالت مستمرة، حيث يعقد المجلس الحزبي لحزب الشعب الجمهوري التركي، اجتماعا الاثنين، من أجل مناقشة خيارات التحالف بخصوص الحكومة الائتلافية المنتظرة عقب الانتخابات العامة.
ومن المنتظر أن يستمع زعيم الحزب "كمال قليجدار أوغلو" إلى آراء كافة أعضاء المجلس، الذي يعد ثاني أهم جهاز حزبي بعد المؤتمر العام، لرسم خارطة طريق حزبه بخصوص احتمالات التحالف.
ورغم أن النقاشات متواصلة في أوساط الحزب، فإن الكثير من قيادات الشعب الجمهوري، ترغب في مشاركة الحزب بالحكومة الائتلافية، كي "يكون صاحب كلمة في إدارة الدولة".
خيار الانتخابات المبكرة لصالح حزب العدالة
تدرك جميع الأحزاب المعارضة، أن الانتقال إلى الانتخابات المبكرة قد يقلب النتائج ضدها، لذا فهي تحاول أن تجعله آخر السيناريوهات المطروحة، خصوصا مع ظهور نتائج استطلاع للرأي تفيد بندم عدد كبير من الأتراك لعدم التصويت للعدالة والتنمية.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مؤسسة ماك التركية لاستطلاعات الرأي أنها وجدت أن حزب العدالة والتنمية الحاكم سيستعيد أغلبيته البرلمانية بنسبة تصل إلى 44 في المئة من الأصوات، إذا ما أجريت انتخابات مبكرة.
فيما رأى قليجدار أوغلو في وقت سابق، أن التوجه إلى انتخابات مبكرة، يعد "مضيعة للوقت" و"عدم احترام للإرادة الشعبية"، إذ يعطي زعيم الحزب أولوية لتشكيل حكومة ائتلافية تضم أحزاب المعارضة فقط.
ويتفق مع قليجدار أوغلو، زعيم حزب "الشعوب الديمقراطي" في تركيا، صلاح الدين دميرطاش، الذي أوضح أن "جر البلاد لمناقشة اجراء انتخابات مبكرة بسرعة، لا يعود بالفائدة على أحد".
وأكد دميرطاش في تصريحات بعد الانتخابات بأيام، أن حزبه (غالبية أعضائه من الأكراد) يؤيد تشكيل حكومة ائتلافية، منوها إلى أن المباحثات لتشكيلها ينبغي أن تكون بين الأحزاب وليس تحت سقف رئاسة الجمهورية.