صحافة دولية

الغارديان: تجار البشر في ليبيا لن يوقفهم العمل العسكري

الغارديان: إن قتل أو اعتقال المهربين لن يحل المشكلة - أ ف ب
الغارديان: إن قتل أو اعتقال المهربين لن يحل المشكلة - أ ف ب
نشرت صحيفة "الغارديان" تحليلا لمراسلها باتريك كنغزلي، حول جهود الاتحاد الأوروبي لإقناع مجلس الأمن القيام بعمليات عسكرية ضد قوارب مهربي البشر في الزوراء وغيرها من البلدات الساحلية الليبية.

ويقول الكاتب في تقريره، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إنه حتى لو وافقت الأمم المتحدة على مثل هذا الإجراء فلن يكون الأمر بتلك السهولة، والشاهد على ذلك هو القوارب الزرقاء العديدة التي تطفو في ميناء الزوراء، وهي البلدة الليبية الصغيرة في غرب البلاد، التي تشكل نقطة انطلاق الكثيرين من المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا.

وتشير الصحيفة إلى أنه في ميناء هذه البلدة توجد عشرات بل مئات من قوارب صيد الأسماك، تصطف في رصيف الميناء ويبدو شكلها وهي ترتطم ببعضها البعض بفعل النسيم لا يوحي بأي خطر تشكله هذه القوارب، ولكنها هي ذاتها التي ستضطر أوروبا إلى تدميرها إن اختارت استخدام القوة لتحطيم تجارة تهريب البشر الليبية. 

ويوضح التقرير أنه على خلاف ما يسود اعتقاده، فإن مهربي ليبيا ليسوا منظمة مترابطة لها هيكل تنظيمي وتسلسل قيادي أو ممتلكات، وليس لهم أسطول واضح، وتصطف قواربهم في منطقة بعيدة عن بقية المرافق المدنية.

ويستدرك الكاتب بأن المهربين يستأجرون القوارب بالرحلة من صيادي الأسماك، وبحسب التسعيرة الحالية فإنهم يدفعون أكثر من 140 ألف دينار "70 ألف جنيه إسترليني" لقارب صيد يستطيع حمل 300 مهاجر. وحتى عندما تتم هذه الصفقات فإنه لا يعلم بها سوى القليل، فما كان قارب صيد بالأمس أصبح اليوم قارب تهريب للبشر.

وتبين الصحيفة أن مراقبة المرفأ عن طريق الأقمار الصناعية لن توفر للأوروبيين أدلة قوية لأي هدف أو قارب ما غادر المرفأ. ولكن قوارب المهربين تغادر في ساعات المساء الأولى، وهو وقت غريب أن تغادر فيه قوارب صيد. 

ويلفت التقرير إلى أن هناك علامة أخرى هي أن تلك القوارب عادة ما تقف في مكان أبعد وأعمق من البحر، وتنتظر وصول المهاجرين في قوارب مطاطية. ولكن لا أحد يستطيع أن يتحقق من أن هناك عملا غير قانوني حتي يكون القارب قد تم تحميله بمئات الركاب، وحينها يكون الوقت قد أصبح متأخرا لضربه.

ويجد كنغزلي أن قتل أو اعتقال المهربين لن يحل المشكلة؛ لأن الأشخاص الذين يقودون تلك القوارب هم في الغالب لاعبون صغار، فهم إما مهاجرون تم تدريبهم على قيادة القوارب أو صيادو أسماك تم استئجارهم لتلك الرحلة. أما زعماء العصابات وهم اللاعبون الكبار فيبقون على اليابسة بعيدا عن الأنظار، وأي محاولة للقبض عليهم لن تؤثر كثيرا على تجارة كبيرة ممتدة إلى جنوب البلاد، وتقوم بنقل المهاجرين من محطات عديدة موزعة في شمال أفريقيا.

وتنوه الصحيفة إلى أن الساحل الليبي لم يعد حكرا على عدد بسيط من المجرمين ذوي الخبرة، بل أصبح التهريب بشكل متزايد تجارة للمبتدئين، تمده شبكات غير رسمية متقاطعة، يتغير شكلها وتتلاشى في أوقات قصيرة.

وينقل التقرير عن أحد سكان الزوراء قوله: "لا أحد يكتب على صدره أنه (مهرب)، فأي شخص هنا ليس عنده مال يمكن له أن يبيع بيته ويشتري قاربا وينظم رحلة تهريب بشر، ومع الرحلة الثانية يكون قد استعاد نصف ثمن البيت، إنها معادلة سهلة".

ويذهب الكاتب إلى أن السياسيين الأوروبيين خلف الكواليس يعرفون أنه مهما حصل يوم الاثنين في الأمم المتحدة، فإن العمل العسكري يحتاج إلى وقت للتخطيط والتدقيق، وقد يأخذ أشهرا قبل أن يخرج إلى حيز التنفيذ، وحينها سيكون موسم التهريب قد انتهى بسبب دخول الخريف.

وترى الصحيفة أنه حتى لو كان هناك نهج أكثر حذرا وحساسية، فإن هناك عقبات، أولها من الليبيين أنفسهم، حيث إن هناك حكومتين، فالعاصمة ومعظم البلدات التي يتم منها التهريب هي تحت سيطرة مليشيات "فجر ليبيا"، بينما الحكومة المعترف بها دوليا انحسرت إلى مدن في شرق البلاد. 

ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأنه رغم اختلاف الحكومتين، إلا أنهما تتفقان في رفض التدخل الأجنبي. فبينما تقول "فجر ليبيا" إن التهريب لن ينتهي إلا بالاعتراف بها دوليا، تقول حكومة شرق ليبيا إن التهريب لن يتوقف حتى يسمح لها بالتسلح لإنهاء ثوار غرب ليبيا.

ويرى الكاتب أنه ما من شك في أن اتحاد ليبيا وتوحيد الشرطة وحرس السواحل سيجعل الأمر أصعب للمهربين، ولكن حتى حينها لن يتوقف التهريب تماما؛ لأن هناك مشاكل اقتصادية هي التي أنتجت هذه الظاهرة.

وقال أحد المهربين من الزوراء لـ"الغارديان" الشهر الماضي: "أنهيت دراستي الجامعية بشهادة حقوق، ولكن لم أحصل على وظيفة، وعندما لا تكون لديك وظيفة ويقول لك أحدهم: (أيمكنك أن تحصل لي على قارب؟) وتحصل على 22 ألف دولار ربح، فإنها فرصة جيدة".

وتجد الصحيفة أن أكبر عقبة لأي حل يركز على المهربين هي المهاجرين أنفسهم؛ لأنهم سيبحثون عن سبل أخرى للهجرة، وسط أكبر موجة هجرة منذ الحرب العالمية الثانية، وسيبقى المهاجرون يتدفقون أو يذهبون من خلال طرق أخرى، مثل اليونان، كما تبين الإحصائيات الأخيرة.

وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى ما قاله سوري في أوائل هذا العام: "حتى لو كان هناك قرار حكومي بإغراق القوارب، فسيبقى هناك أناس يركبون تلك القوارب؛ لأن الشخص يعد نفسه ميتا على أي حال، وحتى لو قرروا قصف تلك القوارب فلا أظن أن قرار أولئك الناس بركوب البحر سيتغير".
التعليقات (0)