البلياتشو

البلياتشو هو ذلك الشخص الذي يخفي وجهه الحقيقي بألوان زاهية مبهجة تجذب الأطفال، وتبعث السرور في نفوسهم، ولكنّه بالنسبة للكبار ذلك المتلوّن بأكثر من وجه وفق ما تقتضيه الحاجة.

والبلياتشو يجيد القفز من مكان لآخر بخفة ومهارة، ويتقن الرقص على الحبال، ويغيّر وجهه أكثر من تغييره لأحذيته.

لا أخفيكم أنني ترددت قبل أن أخص "البلياتشو" بهذا المقال، لأنني لا أهدف فيما أكتب إلى التشهير بأحد، بقدر ما أسعى إلى إبداء الرأي في بعض ما يدور من أحداث ويطرأ من شخصيات على الساحة الفلسطينية، ومنها تلك التي تطفو على سطح الحياة العامة "والعمل الوطني"، كما يطفو الزبد الذي يذهب جفاءً، ليمكث ما ينفع الناس في الأرض.

وحتى يصبح العنوان، وهو العتبة الدلالية الأولى لهذا المقال واضحاً، لابد من الإشارة إلى وجود الكثير من الأمثلة في تاريخنا لهذا النوع من الشخصيات، ولكن ما يهمنا اليوم هو تلك الشخصية التي ظهرت فجأةً وبلا مقدمات، ثم صعدت إلى القمة -كاللصوص- في غفلة من الوطن والمواطن، وعلى القمة مارست الفاحشة بلسان بذيء، ونفثت سمومها مثل حيّة رقطاء، ولا تزال تتلوى حقداً وكيداً على كل من يحمل المقاومة فكراً وممارسة، وعلى رأس ذلك حركة المقاومة الإسلامية حماس.

لسنا في حاجة للعودة إلى التاريخ عقدين أو ما يزيد لنعرف أصل الحكاية، وبداية الانحدار لتلك الشخصية، لكننا نستطيع أن نؤكد أنها محل إجماع "وطني" يتمثل في اقتناع الجميع بخطورتها، فهي التي تزين الضلال للضالين المضلين -سياسياً على الأقل- وهي التي تمارس النفاق ستين دقيقة في الثانية الواحدة، ولا تكف عن "الزنّ" في أذنيْ "الرئيس"، وتشبعنا "خطباً" فارغةً إلا من دعوة لفتنة، أو تخوين للمجاهدين، أو إمعانٍ في الكذب والنفاق.

آخر ما طالعنا به "خطيب المقاطعة"، وهو ذاته وزير الأوقاف السابق، والمستشار الديني لرئيسه، وعرّاب النفاق والفتنة، في خطبة الجمعة 1/5/2015م، كان خليطاً من الهذيان والابتذال والهلوسة بسبب تعاطيه حبوب "ثقافتهم الوطنية" فقال:

الممثل الشرعي والوحيد المفوض والمخول بالتفاوض أو بالحديث في الشأن الفلسطيني العام مع الآخرين (يقصد بالآخرين العدو الصهيوني)، هو فقط منظمة التحرير الفلسطينية. أي فصيل، أي جماعة، أي شخص، تحت أي مبرر، تحت أي مسمى، يُجري أي نوع من الاتصال بالاحتلال،هو صنف نفسه في خانة العمالة (من يقصد إذا لم يكن يتحدث تيار التسوية؟).

- وضع نفسه طائعاً مختاراً في دائرة العمالة والخيانة (لاحظ أنه يتحدث عمن يتواصل مع الاحتلال فماذا بمن يقدّس التنسيق الأمني ويتفاوض مع العدو؟).

- لا مصالحة في ظل الحديث عن الخيانة بالحديث عن دويلة غزة (هلوسات) .. لا حديث مع من يخون (أحسنت).

- من يخون يجب أن يُقطع رأسه (معقول!!!).

- من يخون لا مكان له في سياقنا الوطني (سياقهم وطني!).

- ولا في ثقافتنا الوطنية (برضو وطنية) ولا حتى في معاييرنا الدينية (لا حول ولا قوة إلا بالله).

- الحديث عن دويلة، مشاريع، مفاوضات، دردشات (أحرام على بلابله الدوح؟).

- هذه خيانة والخائن لا نضع أيدينا في يده أبدا (هل يعني ذلك أنكم لن تضعوا يدكم اليمنى في يدكم اليسرى؟).

- نحن أمام برنامجين الآن، ثمة برنامجان في الساحة الفلسطينية، برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، برنامج الاستقلال الكامل الناجز، وبرنامج الحلول الهزيلة، برنامج الدويلة، برنامج الحزبية، برنامج الحلول المؤقتة، التي تستثني وتتجاوز قضية القدس (فعلاً الأول برنامج المقاومة والثاني برنامج التسوية وأوسلو).

- شعبنا بالتأكيد سيختار البرنامج الوطني، ومن سيختارون برنامج الخيانة ستتنزل عليهم لعنات الله ولعنات الملائكة والأنبياء (أصدق ما قاله الكذاب في خطبته).

ما بين (...) تعليقي على ما جاء في خطبته التي تنضح كذبا وافتراء على الله ورسوله، يمارس ذلك على منبر رسول الله، وأمام علية القوم، والكاميرات تبث تلك الهلوسات والخزعبلات على الهواء مباشرة من مسجد الشهيد ياسر عرفات في جامعة الاستقلال في أريحا.

وبالتدقيق أكثر فيما قاله -خطيب المقاطعة- نلاحظ أنّه لا يعني أحداً، ولا يوجه كلامه لطرفٍ، ولا ينطبق حديثه على برنامج سوى رئيسه محمود عباس وبرنامجه وسياقه وثقافته الوطنية! وإذا كان حقاً ستتنزل على برنامج الخيانة لعنات الله ولعنات الملائكة والأنبياء، فهنيئاً لعباس ومن معه هذه البشرى من مستشاره الديني!

ألا يستحق ذلك الشخص أن يكون البلياتشو الذي يغطي وجهه بالبهجة البلهاء، ويستعير الألوان القاتمة ليغطي زيفه وحقده ونفاقه المفضوح؟ ولعل من الحكمة أن يتساءل قارئي الكريم: كيف يسمح رئيس لشعب من أعظم شعوب العالم لهذا المهرج أن يعبث أمامه بما لا يقبله عاقل حكيم؟ هل يستفيد "الرئيس" أو يستمتع بما يسمعه من خطيبه، أم إن ما يقوله الخطيب هو تماماً ما يُشبع رغبة الرئيس، ويسد رمقه من الشتائم والأحقاد على أنقى وأصفى وأبهى الناس؟!

سيان إذا كان الخطيب يعبر عما يختلج في صدر "رئيسه"، أم إن الرئيس يريد ذلك ويكلف به خطيبه، ثم يومئ له بعلامات الرضى والراحة والسعادة بما يقول. كلاهما يشترك في صناعة أسوأ خطيب لسلطان جائر!