قضايا وآراء

النهضة.. داخل الحكومة.. خارج الحكم!

مراد الشارني
1300x600
1300x600
كنت حتى وقت قريب، من بين الذين "اقتنعوا" بأن الوضع لا يمكن أن يتقدم في تونس، إلا بحد أدنى من التوافق بين "حزب المنظومة القديمة" (نداء تونس) وأحد أكبر الأحزاب المتبنية لقيم ومبادئ الثورة (حركة النهضة)، والمُطالبة بإصلاح "المنظومة" و"تطهيرها" من رواسب الفساد والاستبداد.. وكُنت أحد الذين قبلوا يتجرع "سم" التوافق المغشوش.. أملا في "شفاء" تونس، وتحقيق الاستقرار المنشود، قبل الانطلاق في بناء الجمهورية الثانية على قاعدة "تونس لكل أبنائها"!

لكن.. هل تحسن حال البلاد والعباد، بعد تشكيل حكومة الصيد، التي يصفها البعض بحكومة "الضرورة الوطنية"؟

هل كان خيار أكبر فصيل سياسي يعلن تبنيه لمطالب الثورة واستحقاقاتها بالمشاركة -بهذا الشكل غير العادل و"المهين"- في الحكومة خيارا صائبا؟ 

هل تحقق الحد الأدنى من "التوازن" في المؤسسات التنفيذية للدولة ودوائر صنع القرار، بوجود وزير وكاتب دولة أو اثنين محسوبين على الثورة في حكومة الصيد.. أم أن من يحكم –فعليا- تونس اليوم لا "النهضة" ولا الصيد نفسه؟ 

يمكن القول، انطلاقا من قراءة  في أداء الصيد وحكومته، إن بعض القوى "الاستئصالية" داخل نداء تونس وخارجه، إضافة إلى بعض المستشارين في قصر قرطاج وربما بعض الدوائر الإقليمية والدولية هم من يحكمون تونس اليوم! ويمكن الجزم أيضا بأن الرأي القائل بأن من "أوعز" بتشريك حركة النهضة في الحكم بهذا الشكل الرمزي لم يكن يهدف "للتوافق"، بل كان يضمر توريط ثاني قوة سياسية في البرلمان، وأكبر حزب سياسي شعبيا وتنظيميا، واستعمال صورة هذا الحزب ورصيده النضالي، لتمرير أجندة محددة لا علاقة لها بخطابات التوافق و"القرار المشترك" هو الرأي الأقرب للصواب!   

وللذين يخالفوننا الرأي في هذا المجال، وخاصة أولئك الذي لازالوا متشبثين "بقشة التوافق" والمراهنين على "عقلاء النظام القديم" نقول:

هل "توافقت" النهضة والنداء على ضرب المساجد واستهداف مظاهر التدين وتحويل جامع الزيتونة المعمور إلى ثكنة أمنية بقيادة مفتي بن علي عثمان بطيخ ؟! هل أعلم الصيد قيادة الحزب الثاني في الحكومة (حسب التمثيل في البرلمان) عند تسمية ولاة جدد (أغلبهم محسوبين على النظام القديم)؟!.. 

هل تم إعلام حركة النهضة بتسمية القيادية في التجمع المنحل والرئيسة السابقة لإحدى الجمعيات الفاسدة التي استعملها "النظام النوفمبري" عزيزة حتيرة على رأس مركز النهوض بالصادرات ؟!.. 

هل هناك "توافق" بين الأطراف المشكلة للحكومة على  "الحروب الدبلوماسية " التي يحركها وزير الخارجية الطيب البكوش ضد الدول الصديقة والشقيقة؟! 

هل توافق الشيخ راشد الغنوشي والسيد الباجي قايد السبسي على تدجين الإعلام وإعادته إلى مربع الدعاية والتطبيل للسلطة و"حزب السلطة" (نداء تونس) ؟! 

هل توافقت قيادة النهضة وقيادة النداء على تسمية كل من هاجم الثورة في المنابر الإعلامية، وتهجم على كل القوى الوطنية التي تتبنى مبادئ الثورة بما فيها النهضة، في مؤسسات الدولة (مكلفين بالإعلام.. كتاب دولة..)؟!

السياسية ليس علما صحيحا، وواهم من يعتقد أن خياراته تصلح لكل زمان ومكان.. وعلى الذين "سوقوا" لنا خيار "التوافق" -بعد أن وضعونا أمام خيارين "التوافق أو الحرب الأهلية"- أن يراجعوا حساباتهم؛ إذ تبين أن شروط الحد الأدنى من "التوافق" مع منظومة بن علي بنسختها الجديدة غير متوفرة، وأنه توجد خيارات أخرى خارج ثنائية "التسوية" أو "الحرب الأهلية".
التعليقات (0)