سياسة عربية

صحف السيسي تنقلب على داخليته.. شكاوى للقضاء وغضب نقابي

تجسدت أبرزت تجليات هذا الصدام في مواجهتين عنيفتين بين جريدتي "المصري اليوم" و"الدستور"
تجسدت أبرزت تجليات هذا الصدام في مواجهتين عنيفتين بين جريدتي "المصري اليوم" و"الدستور"
يتصاعد الصدام يوما بعد يوم بين الصحف المصرية بعد الانقلاب الداعمة لعبد الفتاح السيسي، ووزارة داخليته، وتجسدت أبرزت تجليات هذا الصدام في مواجهتين عنيفتين تخوضهما كل من جريدتي "المصري اليوم" و"الدستور"، وهما أكبر صحيفتين قدمتا خدمات لنظام السيسي، سواء بترويج حملته المعلنة على الإرهاب، أو تبرير الانتهاكات المروعة، التي ارتكبتها وزارة داخليته، طيلة الفترة الماضية، أو شيطنة الخصم السياسي الرئيس للنظام، وهو جماعة الإخوان المسلمين.
 
ورشح مراقبون المواجهة للتصاعد، خلال الفترة المقبلة، بين الصحف والوزارة، في ظل تولي نقيب جديد، لمنصب نقيب الصحفيين، وهو يحيي قلاش، الذي يولي قضية الحريات اهتماما أكبر بكثير من سلفه ضياء رشوان، فضلا عن عدم استعداد تلك الصحف عن التراجع في خطها المدافع عن الحد الأدنى من الحريات، الذي تتنفس من خلاله في السوق المصرية، وإلا ستفقد مما تبقى من مصداقيتها، وتزيعها، كونها ارتضت أن تصبح رهينة الوزارة، وبياناتها، وتقاريرها.
 
"المصري اليوم" تعاود الهجوم
 
وكانت صحيفة "المصري اليوم" أثارت غضب وزارة الداخلية بشدة، بما نشرته في عددها الصادر الأحد 21 كانون الثاني/ ديسمبر 2014، تحت عنوان "مفاجأة: الانتحاري الذي قام بتفجير مديرية أمن الدقهلية مرشد للداخلية"، كاشفة عن أنها تمتلك المستندات والوثائق التي تؤكد أن الانتحاري كان يتعاون مع قطاع الأمن الوطني (أمن الدولة المنحل)، وسبق ضبطه عن طريق ضباط مديرية أمن القاهرة مرتين، وأنه تم تجنيده عن طريق ضباط الأمن الوطني في قطاع شرق القاهرة.
 
وهو ما نفته وزارة الداخلية وقتها، وأعلنت أنها قدمت بلاغا إلى النائب العام ضد الصحيفة، بتهمة نشر أخبار كاذبة، تثير الرأي العام.
 
وكانت مديرية أمن الدقهلية تعرضت لهجوم وصف بأنه "انتحاري عن طريق سيارة مفخخة، الثلاثاء 24 كانون الأول/ ديسمبر 2013، ما أسفر عن مقتل 14 من الضباط والجنود. وحملت الحكومة -في يوم التفجير- جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية عنه. وأعلنت، الأربعاء، 25 كانون الأول/ ديسمبر 2013، أي بعد 24 ساعة فقط من التفجير، الإخوان "تنظيما إرهابيا".
 
وبقدر كبير من الجرأة عاودت "المصري اليوم" كشف انتهاكات وزارة الداخلية، ونشرت ملفا من سبع صفحات بعنوان: "الشرطة شهداء وخطايا.. ثقوب في البدلة الميري.. الداخلية ترفع شعار: " للخلف در وتشوه مسيرة 30 يونيو".
 
وفي الملف أكدت الصحيفة شعور المواطنين بالقلق من عودة بعض الضباط إلى سابق عهدهم من التعالي، والغطرسة، ومخالفة القانون، وممارسة التعذيب والقمع داخل الأقسام والسجون، دون آليات حاسمة للرقابة، وفق الصحيفة.
 
وشددت على أنه: "لن ينحني المواطن خوفا من الشرطة مجددا، ولن يغفر لها رفض خدمة الشعب، ولن يقبل أن تعود الشوارع مجددا مسرحا للملاحقات الأمنية والتجبر والتعالى من جانب رجال الداخلية، ولن يبالي بالانفجار القادم إذا استمرت فى سياستها".
 
وتابعت: "التجاوزات التى رصدتها المصري اليوم يجب الوقوف أمامها، ولا يجوز تبسيطها ووصفها بأنها فردية لأنها تعكس فى جوهرها ثقافة تسيب، وانفلات، وسوء إدارة.. ضابطا أمن وطني يعتديان على محام بالضرب حتى الموت فى قسم شرطة المطرية، وأمين شرطة يقتل متهما فى حادث إرهابي بمستشفى إمبابة، وأمينا شرطة يغتصبان فتاة داخل سيارة النجدة، وضابط يضرب مجند أمن مركزي، فيموت".
 
واسترسلت: "لا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ إن الوقائع أكبر من أن نحصيها فى تحقيق واحد.. أمناء الشرطة يتقاضون رشاوى، ضباط يتزعمون عصابات، هذه الوقائع ليست فردية، ولكنها ظاهرة تستوجب المراجعة، ولا يمكن معالجتها بتصريحات من نوعية: لن نتستر على فساد".
 
ووصفت "المصري اليوم" المدافعين عن الوزارة باسم شهدائها من الضباط والجنود، يأنهم "أهل الباطل فى كل مؤسسة، لأنهم يبتزون مشاعر المواطنين، ويلوثون الدم الطاهر، وبدلا من مطالبتنا بالسكوت، وتجاهل الذين يدهسون كرامة المواطن، ومصير الوطن عليهم، أن يحاسبوا من داسوا بأحذيتهم على دم الشهيد فى الأقسام، والسجون"، على حد تعبيرها.
 
والأمر هكذا، أصدرت وزارة الداخلية، بيانا علقت فيه على ما نشرته "المصري اليوم"، بالقول: "نتحفظ على ما تضمنته الصحيفة من تناولات غير مهنية قبل وزارة الداخلية، ونؤكد أنها ستتخذ الإجراءات القانونية قبل تلك التناولات".
 
وأضافت: "الدافع وراء النشر هو سابقة قيام الوزارة بتقديم بلاغ ضد كل من يسري البدري كاتب التحقيق، ورئيس تحرير الصحيفة آنذاك لنشر أخبار كاذبة تثير الرأى العام، ومازال البلاغ قيد التحقيق".
 
وفي المقابل، وصف رئيس قسم الحوادث في الصحيفة، يسري البدري، بيان الداخلية ب''المضحك". وقال إن الوزارة ''تعلق فشلها على شماعة الإعلام بدلا من مواجهة سلبياتها، وأخطائها، واختارت الطريق الأسهل بمهاجمة الإعلام، ولم يبق أمامها سوى مهاجمة الشعب نفسه".
 
ونقل الموقع الإلكتروني للصحيفة عن البدري قوله إن ''الداخلية ترى ما ننشره غير مهني، كأنها تحولت إلى كلية للإعلام تقيم العمل الصحفي بدلا من معالجة فشلها الأمني، ومحاصرة تجاوزات بعض أفرادها''.
 
 ومن جهته، أمر النائب العام المستشار هشام بركات، بالتحقيق في البلاغ الذي تقدمت به الداخلية ضد الصحيفة. وكلف مكتبة الفني بسرعة فحص البلاغ، واتخاذ الإجراءات اللازمة.
 
غضب نقابي
 
ودخلت نقابة الصحفيين على الخط، وهاجم رئيس لجنة الحريات في النقابة، خالد البلشي، بيان الداخلية، وقال إنه درس في الاستبداد، وكيفية مصادرة الجهات التنفيذية لحرية الصحافة.
 
وأضاف -في تعليقه بصفحته على "فيسبوك"- أن "ملف المصري اليوم استند إلى وقائع حول فساد بعض الضباط بخلاف اتهامات التعذيب، التي وثقتها العديد من الجهات منها المجلس القومي لحقوق الإنسان والبلاغات الرسمية، وبدلا من أن ترد الوزارة على الوقائع استندت إلى بلاغ سابق قدمته ضد الصحيفة والمحرر، هو في حد ذاته استهداف لحرية الصحافة، ومحاولة لتكميم الأفواه، في محاولة للإيحاء بأن الموضوع كيدي".
 
والدستور: مهزلة أمنية غير مسبوقة
 
جبهة أخرى يبدو أنها تستعصي على الرتق بين صحيفة "الدستور"، لرئيس مجلس إدارتها رجل الأعمال القبطي رضا إدوارد، ووزارة الدااخلية، إذ واصلت الصحيفة حملتها المستمرة منذ قرابة أسبوع على الوزارة، على الرغم من أنها ذراع إعلامية قوية للسيسي في انقلابه، والتحريض المميت على جماعة الإخوان المسلمين.
 
فقد خرجت الصحيفة الأحد بمانشيت يقول: "مهزلة أمنية غير مسبوقة في تاريخ الشرطة المصرية"، مشيرة إلى "حرب وزارة الداخلية على الجريدة، وتقديم بلاغات إلى النائب العام ضد رئيس مجلس الإدارة، ورئيس التحرير، وطلب حضور عاجل لهما أمام النيابة العامة".
 
وأضافت الجريدة أن "مهزلة الداخلية بدأت منذ 4 شهور، حينما قامت الجريدة بنشر موضوع بيع المخدرات علنا في الشوارع على مرأى ومسمع من ضباط الداخلية، واستمرت الحملة 3 أعداد فقط، من أجل إعطاء الفرصة للداخلية لتنظيف الشوارع من تجار المخدرات، ورصد الضباط والأمناء الذين يقومون بحراستهم."
 
واستطردت أن مكتب الإعلام بوزارة الداخلية تضرر من هذه الحملة، وحاول أن يوقفها، ولكن الجريدة رفضت، وأكدت أنها لا تستطيع إيقاف النشر، إضافة إلى أن الجريدة قامت بحملة أخرى على سرقة سيارات المواطنين التي أصبحت ظاهرة عادية في مصر، بالإضافة إلى تقاعس غريب، وغير مسبوق من الضباط في ضبط هؤلاء اللصوص".
 
وتساءلت "الدستور": "من حقنا أن نعرف من هو صاحب القرار فى محاصرة جريدة بالقوات المدججة بالسلاح، وبعشرات الضباط والأمناء والجنود.. ومن هو صاحب القرار فى مهاجمة منزل رئيس مجلس إدارة الجريدة فجرا".
 
ومن جهته، هاجم المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، اللواء هاني عبد اللطيف، الجريدة، وذلك في مداخلة مع الإعلامية دينا يحيى ببرنامج "صوت الناس" على فضائية "المحور"، الأحد، وقال إن الحملة التي تشنها الدستور بدأها أحد العاملين بها بالرغم من عدم عضويته في نقابة الصحفيين، وإنها غير موضوعية أو مهنية".
ً
وأكد أن 31 تجاوزا من رجال الشرطة لا يمثل رقما مقارنة بعدد أفراد الشرطة الذي يتجاوز الـ400 ألف فرد، لذلك فلا مبرر بخروج الجريدة بهذه المانشتات التي تعمم هذه التجاوزات على جهاز أمني بحجم الداخلية، على حد قوله.
 
ومن جهتها، ردت "الدستور" على تصريحات المتحدث باسم الداخلية، مؤكدة أن الحملة التي تقوم بها الجريدة؛ لرصد الانتهاكات والتجاوزات الفجة لبعض ضباط الوزارة، بعد استشعار عودة الدولة البوليسة في مصر بشكل لم يسبق له مثيل، خاصة بعد مهاجمة الشرطة بسياراتها المدججة بالسلاح لمقر الجريدة، وبعشرات الضباط والأمناء والجنود بطريقة الانقضاض، والخطف والترهيب والترويع؛ لإلقاء القبض على متدرب الدستور؛ ظنا منهم أنه  صاحب الحملة.
 
وكانت وزارة الداخلية، أعلنت عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، القبض على حسين محمود عبد الحليم، مراسل صحيفة الدستور، وقالت إنه سبق اتهامه في سبع قضايا، وصادر ضده العديد من الأحكام القضائية.
 
من جانبه، سخر الصحفي محمد الجارحي، من بيان الداخلية بقوله: "الداخلية كانت على علم بوجود المسجل الخطر بالدستور، الصادر ضده أحكام قضائية، فكان يغطي أخبارها، وعلى علاقة بضباطها، حتى انقلب السحر على الساحر"!
التعليقات (0)