قضايا وآراء

عن الانقلاب الذي يجري في تركيا الآن

رضا حمودة
1300x600
1300x600
منذ وصول حزب والعدالة والتنمية التركي بقيادة رجب الطيب أردوغان إلى سدة الحكم ومحاولات الانقلاب عليه مستمرة في السر والعلن نظراً لخلفية الحزب الإسلامية التي تقض مضاجع التيار العلماني الليبرالي (وريث مصطفى كمال أتاتورك) في تركيا لاسيما بعد النجاحات المبهرة التي حققها الحزب سياسياً واقتصادياً منذ العام 2002 وحتى الآن، وخرج الحزب وحكومته من كل محاولة انقلاب بنجاح فضح مخططات الانقلابيين، وهو ما تتعرض له تركيا هذه الأيام خاصةً قبيل الانتخابات البرلمانية العامة في يونيه المقبل وأي استحقاقٍ ديمقراطيٍ جديد وتطلع الحزب كما أكد أردوغان عزمه تحقيق أغلبية برلمانية بالحصول على 400 مقعد، ومن ثم إجراء استفتاء على تعديلات دستورية رئاسية، وتنفيذ خطط تنموية طموحة.

ما يجري على الساحة التركية من محاولات حثيثة لزعزعة الاستقرار هي سلسلة انقلابية متصلة لم تنقطع منذ وصول حزب العدالة والتنمية، للحكم ولعلنا نعرف عمليات التنصت والتجسس على مكتب أردوغان نفسه، فضلاً عن قيادات حزبية وحكومية أخرى تم كشف العديد منها، أما الفصل الانقلابي الذي نحن بصدده الآن بدأ في 28 مايو من عام 2013 فيما عُرف وقتها باحتجاجات منتزه جيزي بميدان تقسيم الشهير بمدينة اسطنبول، اعتراضاً على ازالة بعض أشجار المنتزه وتحويله مركزاً تجارياً كما تداولت التقارير آنذاك، واحتدمت وتيرة الأحداث وتعرض أكثر من متظاهر للقتل برصاص الأمن، وتم استغلال التظاهرات الاحتجاجية وتدويلها اعلامياً (كان الاعلام الغربي طرفاً فيها)، إلى مطالبات بضرورة استقالة وتنحي أردوغان وحكومته لفشله في حماية المتظاهرين، بينما كان الشعار الرئيسي للخصوم(لا لأسلمة تركيا الكمالية)، حيث أن أردوغان بخلفيته الاسلامية صار هدفاً ثميناً لأطرافٍ داخلية وخارجية.

وحتى ندرك طبيعة وخطورة المؤامرة على تجربة العدالة والتنمية تجدر الإشارة هنا إلى أن حكومة العدالة والتنمية كانت قد أقرت في يونيه من نفس العام 2013 مشروعاً لبناء أكبر مطار بالعالم في مدينة اسطنبول، ما أثار غضب ألمانيا تحديداً كونه يؤثر سلباً على مطاراتها خاصةً مطار"فرانكفورت العالمي" وحاولت بكل ما تملك من قوة ونفوذ إثناء الأتراك عن ذلك المشروع العملاق، حتى وصل الأمر إلى تلاسن اعلامي.. ولأن سياسة الحزب منذ البداية قائمة على استقلال القرار الوطني والانعتاق من التبعية للغرب، فقد أصرت الحكومة على تنفيذ المشروع رغم الضغوط والتهديدات مما حدا بألمانيا على الدخول على خط الاحتجاجات ودعم المتظاهرين.

ولأن الشعب التركي تعلم من دروس انقلابات الماضي البغيض(أعوام 1960 – 1970 – 1980 – 1997) ما اكسبه مناعة ضد محاولات التشويه والابتزاز الرخيص تحت دعاوى وهمية، فأعطى ثقته في حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية (مارس/ حزيران 2014) بنتيجة غير مسبوقة مما شكّل صفعة قوية لدعاة الفوضى والانقلاب، فأكمل مسيرة الاستقرار والرفاهية واستقلال الإرادة الوطنية التي نعم بها طيلة السنوات الماضية، وكانت بمثابة مؤشر حقيقي على شعبية أردوغان وحزبه بعد احتجاجات منتزه جيزى وقبيل الانتخابات الرئاسية التي جرت بعدها ببضعة أشهر في أغسطس/ آب من نفس العام وفاز فيها أردوغان فكانت الصفعة الثانية من الشعب التركي للمعارضة العلمانية ودعاة الفتنة والتخريب، واستفتاءً آخر على شعبية حكومة العدالة والتنمية.

ورغم تلك النجاحات المذهلة والمستمرة التي حققها ويحققها حزب العدالة والتنمية إلاّ أن الانقلابيين لم يملوا من إعادة محاولات الانقضاض على مسيرة الاستقرار والرفاهية بوسائل عدة، فأبى شهر مارس إلا أن يمر بعدة حوادث غاية في الخطورة تؤكد مدى إصرار خصوم الحزب على هدم المعبد على من فيه، ففي يوم الأحد 29 مارس حوّلت طائرة كانت في رحلة من اسطنبول التركية إلى العاصمة اليابانية طوكيو، مسارها بعد وقت قليل من الاقلاع عقب العثور على ملحوظة على باب المرحاض (يوجد قنبلة)، وتكرر نفس الحادث في اليوم التالي 30 مارس حيث حولت طائرة كانت متجهة إلي مدينة ساوباولو البرازيلية مسارها، لتهبط في المغرب بعد العثور في المرحاض أيضاً على نفس ورقة التحذير (يوجد قنبلة)، وقد ذكرت المتحدثة باسم الخطوط الجوية التركية في الأول من إبريل الجاري، أن طائرة تابعة للشركة كانت متجهة إلى مدينة (لشبونة البرتغالية) حولت مسارها عائدة من اسطنبول، لكن السبب غير واضح حسب قولها.

وتتوالى محاولات زعزعة استقرار الدولة والمجتمع باحتجاز المدعي العام التركي محمد سليم كيراز في مكتبه بالقصر العدلي31 مارس ما تسبب في وفاته قبل وصوله للمستشفى على يد جماعة يسارية تسمى"الجبهة الثورية لتحرير الشعب" على خلفية تحقيقه في مقتل مراهق أثناء احتجاجات جيزى، ولعلنا نلاحظ الشبه بين تلك الجماعة وبين جبهة الانقاذ المصرية بقيادة محمد البرادعي وشركاه من علمانيّي مصر وكأنّ الانقلاب كله ملّة واحدة في كل بلاد الدنيا!، بالإضافة إلى حدوث انقطاع مفاجئ ومريب للتيار الكهربائى في نفس اليوم في عدة مدن تركية لساعتين متواصلتين دون أسباب معروفة لم تحدث منذ 15 عاماً، رغم أن تركيا لا تعاني من أى خلل أو مشكلات في الكهرباء أو قطاع الطاقة، ومع توالي أحداث العنف المريب والممنهج أطلقت الشرطة الرصاص على امرأة فقتلتها كانت تحمل قنابل وأطلقت النار على مقر قيادة الشرطة باسطنبول.

لعل ما سبق يعزز نظرة المؤامرة، وأن تلك الحوادث لم تكن بمعزل عن مخططات بقايا دولة أتاتورك العميقة لهدم الدولة ونشر الفوضى بغرض اسقاط حكومة حزب العدالة والتنمية التركية بعد سلسلة من النجاحات المبهرة على جميع المستويات لأكثر من اثني عشر عاماً قضاها في الحكم، أو أنها حوادث عابرة ما ينفي الصدفة تماماً عن اندلاع تلك الحوادث الانقلابية الخطيرة، ويشير في ذات الوقت إلى تورط  أطراف دولية أخرى ليس من مصلحتها بقاء تركيا قوية ومستقلة، أهمها اسرائيل وأوروبا وكلها بمباركة أمريكية بطبيعة الحال، بهدف العبث بمقدرات واستقرار الشعب والدولة التركية، ويبقي الحذر دائماً وفتح الأعين على جميع تلك التحركات التي من شأنها إفشال تجربة العدالة والتنمية الفريدة التي تعد نموذجاً يُحتذى به لمن يهمه الأمر في عالمنا العربي والإسلامي.
التعليقات (0)