فنون منوعة

مكتبات غزة بعد سنوات من الحصار.. تخلو من الكتب والدوريات

كانت الصحف والمجلات تدخل غزة عن طريق معبر رفح البري - أرشيفية
كانت الصحف والمجلات تدخل غزة عن طريق معبر رفح البري - أرشيفية
لا شيء يفعله الشاب الفلسطيني محمود غانم، داخل مكتبته وسط مدينة غزة سوى نفض الغبار عن مجلات وروايات قديمة متراصة على الأرفف.

فمنذ صيف عام 2007، تفتقد مكتبة غانم التي تحمل اسم "الطارق"، لقصص الأطفال المصورة، والمجلات الأسبوعية والشهرية التي كان بيعها يشكل بالنسبة له مصدرا للرزق.

غانم (35 عاما)، قال لوكالة الأناضول إن "أكثر ما يؤلمني هو تراجع المشهد الثقافي في قطاع غزة، بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، للعام الثامن على التوالي".

ويتابع: "طيلة سنوات، خلت المكتبات في غزة من الصحف العربية اليومية، والمجلات الأسبوعية التي كانت تدخل عن طريق معبر رفح البري، وتم فقط السماح بإدخالها بشكل محدود عقب صفقة تبادل الأسرى التي تمت بين حركة حماس وإسرائيل برعاية مصرية، لكن سرعان ما عاد منعها مرة أخرى".

وتمت صفقة التبادل في تشرين أول/ أكتوبر 2011، أفرج من خلالها عن 1027 من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أسرته حركة "حماس" عام 2006.

وعقب عزل الرئيس المصري محمد مرسي، في تموز/ يوليو 2013، عاد مشهد منع الكتب والمجلات والصحف، إلى قطاع غزة، بحسب غانم.

وتابع: "هناك كتب تدخل عن طريق معبر كرم أبو سالم (الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، والمنفذ التجاري الوحيد للقطاع) بشكل محدود، لكن المجلات الأسبوعية والشهرية، والصحف العربية اليومية لا تدخل إطلاقا".

ومنذ أن فازت حركة "حماس"، التي تعتبرها إسرائيل "منظمة إرهابية"، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني/ يناير 2006، وإسرائيل تفرض حصارًا بريا وبحريا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في حزيران/ يونيو من العام 2007، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي "حماس" عن حكم غزة، وتشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية أدت اليمين الدستورية في الثاني من حزيران/ يونيو 2014.

ومن أكثر المجلات طلبا وفق غانم، لكثير من القراء في غزة، "زهرة الخليج" التي تصدر من "الإمارات"، و"الأسرة" التي تصدر من "السعودية"، والعديد من المجلات والصحف المصرية مثل "وجهات نظر" و"الأخبار" و"الأهرام".

وقال غانم: "كان هناك بعض التهريب لتلك المجلات عن طريق الأنفاق، لكن في الوقت الحالي، اختفى المشهد تماما".

وشددت السلطات المصرية، منذ عزل الرئيس المصري محمد مرسي، في تموز/ يوليو 2013 وما أعقب ذلك من هجمات استهدفت مقار أمنية في شبه جزيرة سيناء المتاخمة للحدود، من إجراءاتها الأمنية على حدودها مع قطاع غزة، حيث طالت تلك الإجراءات، حركة أنفاق التهريب المنتشرة على طول الحدود المشتركة، مع إغلاق معبر رفح البري وفتحه استثنائيا على فترات زمنية متباعدة لسفر الحالات الإنسانية من المرضى والطلبة وأصحاب الإقامات والجنسيات الأجنبية.

والمشكلة لا تكمن، وفق الكاتب والروائي الفلسطيني عاطف أبو سيف من قطاع غزة، في عدم دخول المجلات، أو العديد من إصدارات الكتب، "فالمشهد الثقافي بأكمله ينهار، بل يحتضر"، على حد وصفه.

وقال أبو سيف إن "قطاع غزة، يعاني من أزمة ثقافية بفعل الحصار وجراء سنوات الانقسام البغيض (بين حركتي فتح وحماس منذ سيطرة حماس على القطاع عام 2007)".

وأضاف: "لا توجد أدوات ثقافية، بفعل الانقسام، الذي جعل الفلسطيني يفكر في الهم اليومي، ومعاناته ولقمة عيشه، بعيدا عن الثقافة والتحليق في عالم الأدب".

وقال أبو سيف إن "المشهد الثقافي السليم، يحتاج إلى بيئة سياسية سليمة، وللأسف هذا ما لا يتوفر في الوقت الراهن، فالسياسي لا يدعم المثقف بل إنه قد يسعى لمحاربته".

وتستحق غزة، وفق تأكيد أبو سيف، أن "تكون صوت العالم الثقافي، فهي مدينة المعاناة والوجع الذي يصنع الشعراء والأدباء".

وقال إن "غزة مدينة الحياة، بعيدا عن كل مشاهد القتل اليومي، هناك تفاصيل ثقافية، وصور تصلح لأن تكون روايات، وقصائد، لكن لا يوجد من يدعم المواهب في غزة".

وصدرت لـ"أبو سيف" خمس روايات، رشحت آخرها، وهي "حياة معلقة"، على القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2015، وسيتم الإعلان عن الرواية الفائزة في مهرجان أبو ظبي للكتاب، الذي يعقد في شهر أيار/ مايو المقبل.

ومن الطبيعي أن تؤثر سنوات الحصار على المشهد الثقافي في غزة، بحسب الوكيل المساعد لوزارة الثقافة الفلسطينية مصطفى الصواف.

وقال الصواف إن "المشهد الثقافي جزء من المشهد العام في قطاع غزة، الذي تأثر بشكل كبير جراء الحصار الإسرائيلي، وتداعياته".

وأضاف أنه "كان لدينا الكثير من الخطط حول إقامة المعارض والكتب وأن تشارك دور نشر عربية عديدة، لكن للأسف كلها باتت مؤجلة ومعلّقة".

ووفق الصواف، فإن كافة المعارض التي أقيمت خلال سنوات الحصار لم تشمل أي دور نشر عربية أو دولية واقتصرت على المكتبات الداخلية.

وأشار إلى أن الحصار أثر على الحصيلة المعرفية والثقافية، فالكثير من عناوين الكتب الحديثة غير موجودة، بسبب منع إدخال الكتب والمجلات إلى قطاع غزة، كما أنه أثر الحصار  على التواصل مع المؤسسات الثقافية، والشخصيات الأدبية والفنية، وزيارتها إلى قطاع غزة.

وقال إن "الألم اليومي الذي يعانيه سكان غزة، جعلهم ينظرون للثقافة حتى وإن وجدت على أنها نوع من الترف".
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم