كتاب عربي 21

لسنا مثلهم تماما!!

جعفر عباس
1300x600
1300x600
كان ديفيد بلانكيت أميز وزيرا للتعليم في تاريخ بريطانيا الحديث، عندما شغل ذلك المنصب خلال الولاية الأولى لحكومة حزب العمال البريطاني، بزعامة توني بلير، فاستحق الترقية وصار وزيرا للداخلية.

بلانكيت هذا أعمى تماما، وهو دليل حي على أن الإعاقة لا تمنع الشخص الموهوب من أن يتفوق على من يحسبون أنفسهم أسوياء جسديا ونفسيا، ولكن المسكين دخل في دوامة للبقاء في منصبه بعد سلسلة من الفضائح، كان أولها افتضاح أنه خطف عشيقة موظف عنده في وزارة التعليم ثم هجرها، ومنح عشيقها الأصلي ترقية لشراء سكوته، ثم اتضح أن لديه طفلا من عشيقة لازمته نحو ثلاث سنوات، وهذه ما فيها شيء بمقاييس الغربيين، ولكن الطامة التي "جابت خبره" وقضت عليه، هو أنه سمح لتلك العشيقة باستقدام خادمة من الفلبين، متخطيا الإجراءات المعتادة والمتشددة، التي كان هو شخصيا قد أمر بها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الأغبر (لدي حساسية تجاه هذا التاريخ لأن سبتمبر/ أيلول، والأول منه على وجه التحديد هو يوم مولدي، الذي لوثه معمر الجزافي لأكثر من أربعة عقود، وعندما تخلص من اللوثة بخلاص ليبيا من معمر، جعل منه الأمريكان لبانة/ علكة، فصار هناك أيلول الأسود الفلسطيني، وأيلول الأسود الأمريكي، وراح فيها أيلول السوداني رغم سواده الحميد).

 بعد 19 يوم فقط من تقديمها الطلب، كانت الفلبينية قد نالت تأشيرة الدخول، بل والإقامة الدائمة في بريطانيا، وتذكرت تلك الواقعة وأنا أقرأ قبل قليل عن مسؤول سوداني رفيع، ابتلع مئات الملايين من الدولارات التي تخص رجل أعمال ليبي، قام بتهريب ثروته من بلاده، ومن فرط غبائه قرر استثمارها في السودان، وأحلق شعر رأسي "ع الزيرو إذا نال الرجل عقابا من جنس عمله"، بينما بلانكيت المسكين فقد منصبه الحكومي والحزبي، وأحيل إلى أرشيف التاريخ، بسبب تأشيرة واحدة، وعندنا يستطيع شخص عادي أن يحصل على تأشيرات لجيش جرار من الأجانب ويتاجر فيهم: الفيزا الواحدة بكذا ألف، وتعطيني في الشهر مبلغا مقطوعا، أما إذا أردت نقل الكفالة إلى جهة أخرى فتعطيني ما يعادل راتبك في سنة.

أمْر وزير الداخلية البريطاني الأسبق هيّن، مقارنة بما فعلته وزيرة شؤون الهجرة السابقة في كندا، جودي سجرو، التي اقتحمت مكتبها ذات يوم فتاة رومانية رائعة الجمال، وقالت لها إن السلطات تريد إبعادها، لأنها دخلت البلاد بطريقة تخالف القوانين، وانتهى الأمر بمنحها حق الإقامة في كندا، نظير أن تشارك في الحملة الانتخابية للسيدة جودي، وتسهم في إسعاد جماهير الناخبين، وكانت تلك الرومانية جميلة وفاتنة وتملك أسلحة دمار شاملة تبيد عقول الرجال خلال ثوان معدودة، وفوق هذا، فقد كان مجال تخصصها الرقص من غير هدوم.

وتشجع كندا هجرة أصحاب العقول إليها، وتحرص على استقطاب ذوي الكفاءات من المهنيين، واتضح أن الوزيرة الهمامة وضعت راقصات الستريبتيز (وهو نوع من الرقص تخلع فيه الراقصة ملابسها على دفعات، وتخلع معها بالضرورة رداء الحياء)، ضمن قائمة المهنيين الذين تحتاج إليهم كندا، وهكذا وفي عام واحد فقط، حصلت 661 راقصة من ذلك الصنف على حق الإقامة في كندا (مقابل 900 طبيب وأستاذ جامعي في تلك السنة ذاتها)، ولم يكن مستغربا أن جميع أولئك الراقصات كن من أستونيا ومولدافيا وجمهوريات البلطيق العشوائية التي نجمت عن تفكك الاتحاد السوفييتي، وبالطبعن فإن معظم "المهنيات" اللواتي استقدمتهن كندا للرقص في أنديتها الليلية، اكتشفن أن الدعارة تعود عليهن بمكاسب أكثر من التعري في بلد صيفه شتاء، دون أن تستر أجسادهن حتى ورقة شجرة القبقب التي تزين العلم الكندي. (إنصافا لأهل مولدافيا، فإن الرجال منهم لا يتاجرون بالشرف بل بكلياتهم، ولو كانت حالتك الصحية تتطلب زرع كلية، فعليك بمولدافيا، حيث يتراوح سعر الكلية ما بين 1000 و3000 دولار، يا بلاش).

والحمد لله على كل حال، فرغم أن الفساد متوفر لدينا بالطن المتري، إلا أن الأمور لم تصل بنا إلى استيراد الراقصات وفتيات الليل، ربما إلا على نطاق محدود وللاستخدام الشخصي، وربما لأن بعض دولنا حققت الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، بل ولديها فائض للتصدير.
التعليقات (0)