مقابلات

نبيلة منيب: التحكم والوصاية سيدا الموقف في المغرب

منيب: الديمقراطية ممكنة بالمغرب مالم يتآمر الديمقراطيون على الشعب
منيب: الديمقراطية ممكنة بالمغرب مالم يتآمر الديمقراطيون على الشعب
 
- لا ديمقراطية في المغرب ما لم ننتقل من حكم "مخزني" إلى ملكية برلمانية   

- الديمقراطية ممكنة في المغرب مالم يتآمر الديمقراطيون على الشعب 

- التحكم والوصاية سيدا الموقف في المغرب في الأحزاب كما في المؤسسات

- المطالب التي رفعتها حركة 20 فبراير ما زالت قائمة بالنسبة لنا


"سنخوض معركة الانتخابات ومصرون على تقديم لوائح مرشحين من الفيدرالية".. هذا ما قالته القيادية اليسارية المغربية نبيلة منيب، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، حيث أكدت أن موقف المقاطعة الذي نفذوه سنة 2011 خلال الاستحقاقات الدستورية لن يكرروه في الانتخابات المقبلة.
 
ورداً على سؤال: ما الذي تغير؟ قالت منيب: "الذي تغير هو أننا رجعنا إلى الوراء، وأضعنا محطة 2011 التي كان من المفروض أن نتقدم فيها". 

الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، الذي يضم العديد من الفعاليات اليسارية، أكدت أن التحكم لا يزال هو سيد الموقف في المغرب في الأحزاب كما في المؤسسات، وأن مطالب الحراك السياسي والاجتماعي التي عرفها المغرب سنة 2011 لا تزال قائمة، وأن إصلاحات عميقة مختلفة الأبعاد لا تزال تفصل المغرب عن الديمقراطية، التي تعني لمنيب، "الانتقال من نظام حكم (مخزني) إلى نظام الملكية البرلمانية". 

الناشطة الحزبية والسياسية اليسارية، تؤكد في الحوار ضمن سلسلة حوارات "واقع الإصلاح في المغرب" أن "مستقبلاً ديمقراطياً تتحقق فيه الكرامة ممكن جداً جداً في المغرب"، شريطة أن يجتمع "الديمقراطيون الحقيقيون، على أساس تعاقد وليس تآمر على الشعب، عبر حوار وطني يناقش القضايا الكبرى". 

منيب المعارضة للنظام والحكومة على حد سواء، قالت إن البؤس يصلح عنواناً للمشهد السياسي في المغرب، وبعد أن سجلت أن "أزيد من 50 بالمائة من الأحزاب غير مستقلة، وأنها صنعت صنعاً لخلق موازين قوى معينة، بما جعل اللعبة السياسية غير مقبولة لدى المواطن العادي والمثقف". 

"اليسار في المغرب يعيش وضعاً لا يحسد عليه"، موقف من بين أخرى تناولت خلالها منيب أزمة اليسار من العوامل الخارجية إلى الذاتية، التي منها "الصراعات الداخلية و عدم التدبير للاختلاف الداخلي والزعامة ونقص التواضع وعدم تجديد النخب". 

 
وفي ما يأتي نص الحوار:  

* في نظركم منذ سنة 2011 إلى اليوم، هل الإصلاح في المغرب في تقدم؟
 
- إن المطالب التي رفعتها حركة 20 فبراير ما زالت قائمة، بالنسبة لنا، كحزب اشتراكي موحد، وكفدرالية اليسار الديمقراطي، نعتبر أن المغرب في حاجة إلى إصلاحات عميقة، دستورية وسياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية وثقافية، يعني إصلاحاً شاملاً، بمدخله الدستوري والسياسي مازال مطروحاً لحد الآن، لأننا نعتبر أن إصلاح النظام السياسي في المغرب مدخل أساسي، للانتقال إلى دولة ديمقراطية، وإلى سيادة القانون، وبناء دولة المؤسسات الحقيقية التي تعبر عن إرادة الشعب والقطع مع المؤسسات الصورية أو الشكلية، ومن ثم تحقيق السيادة الشعبية وإفساح المجال لوضع اختياراتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، الضامنة للعدالة الاجتماعية ولكرامة الإنسانية. وحتى نتمكن من بناء الديمقراطية السياسية، وتوسيع إمكانية مساهمة المواطنات والمواطنين في اتخاذ القرارات ووضع السياسات، و من ثم بناء الديمقراطية الاجتماعية.

وهذا المدخل من مداخل الإصلاح، أعطيناه عنوان الملكية البرلمانية، وهذا يعني أن النظام الملكي المغربي يجب أن ينتقل من نظام شبه مطلق إلى نظام الملكية البرلمانية، حيث الملك يسود، وله دور في صيانة وحدة البلاد، وأدوار رمزية محددة في الدستور، والحكومة تتوفر على السلطات الواسعة والمرتبطة بإمكانية التداول السلمي على السلطة عبر صناديق الاقتراع، وبالتالي تكون لدينا حكومة منتخبة تحكم، تعبر عن إرادة الشعب وترعى المصلحة العامة وتخضع للمحاسبة وتتحقق بذلك "السيادة الشعبية".

الإصلاح السياسي يتطلب أموراً كثيرة، بما فيها إصلاح المشهد الحزبي المغربي، أولاً، حتى تكون لنا أحزاب مستقلة، ذات مصداقية، لها برامج يتم التباري حولها، ويتطلب أيضاً مدخلاً آخر أساسياً، ألا وهو تكوين ذلك المواطن القادر على الاختيار الحر و المتحلي بالفكر النقدي والمواطناتي، الذي يكون قد تخلص من ثقافة الخوف والتخويف، ولن يتم ذلك إلا بإصلاح شامل وشمولي للنظام التعليمي والتربوي، يساعد على تطور الفرد حتى يصبح إنساناً مواطناً، ومتعبئاً للانخراط الواعي، وهذا ما يجب العمل على خلق موازين القوى اللازمة لتحقيقه. كما أنه لا يمكن أن نؤجل إصلاح الاقتصاد وخلق نموذج يحترم البيئة ومنسجم مع ما يلزم من فصل السلطة السياسية عن سلطة المال، ومن محاربة اقتصاد الريع ونهب الأموال العمومية والقطع مع الإفلات من العقاب في كل الجرائم، بما فيها تلك المتعلقة بالفساد الاقتصادي، ومراجعة اتفاقيات التبادل الحر بما يضمن المصلحة الوطنية، وإصلاح النظام الضريبي بما يحقق التكافؤ والتضامن وغيرها من الإصلاحات المؤسساتية والإدارية، حتى يتسنى تخليق إمكانية التوزيع العادل للثروة و التقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية، ويتم الحفاظ على التلاحم والسلم المجتمعي.

* بهذه العناوين التي قدمتم الآن، هل ترين المشهد الحزبي، وخصوصاً العائلة اليسارية التي تنتمون إليها، هل بإمكانها تحقيق شيء من تلك المطالب؟
 
- قبل أن نتكلم عن تشرذم اليسار المغربي، أو تفكك هذا اليسار، لا بد أن نتكلم عن بؤس المشهد السياسي عموماً ببلادنا، حيث توجد نسبة تفوق 50 بالمائة من الأحزاب غير المستقلة، التي صنعت صنعاً لخلق موازين قوى معينة، تجعل من اللعبة السياسية لعبة غير مقبولة لدى المواطن العادي، وحتى لدى المواطن الذي يتوفر على ثقافة سياسية. وكذلك ظاهرة ترويض الأحزاب المشاركة في الحكومة التي أصبحت خاضعة للتوجيهات وتحت الطلب و تهميش السياسي أمام أقوى حزب الذي هو حزب التكنوقراط.

ولا بد أن نذكر بأن الشعب الذي لا يعرف من أين أتى، لا يمكن له أن يرسم طريقاً صحيحاً نحو المستقبل. اليسار أدى تضحيات جسام في هذا البلد، وكل المغاربة يجب أن يفتخروا بهذا الرصيد النضالي، في الوقت الذي كان فيه القمع الشديد، وعندما مررنا بسنوات الجمر والرصاص والاختطافات وسالت دماء الشهداء، كل هذا عانى منه اليسار الذي كان يشكل المعارضة الحقيقية في بلادنا، وقدم التضحيات الجسام ولا يزال، والكل يعرف أنه بعد انهيار جدار برلين، تراجع اليسار العالمي أمام العولمة الليبرالية ومشروعها، الذي يرتكز على "منطق السوق" و استبداد المؤسسات المالية العالمية، هذا دون أن نغض الطرف عن الانتقادات التي يمكن أن نوجهها للنظام الشيوعي والسقطات التي سقط فيها، وكسر ظهر اليسار العربي عموماً لأنه كان "تابعاً". وفي المغرب كذلك حصل تراجع نتيجة القمع وسيادة القطب الوحيد. وكذلك بعد مشاركة اليسار في حكومة التناوب التوافقي سنة 1998 وبعد تصويته على الدستور الممنوح سنة 1996، دون ضمانات للشروع في إصلاحات دستورية وسياسية وبقبوله تشكيل حكومة إلى جانب الأحزاب الإدارية التابعة. كما أن نظام العولمة الليبرالية، التي تفرض اليوم على العالم عبر المؤسسات المالية وكأنها حتمية؛ حيث إنها أصبحت تشكل "سلطة فوق وطنية"، دفعت باليسار ومشروعه عبر العالم إلى الهامش، ما دام لم يستطع العمل على جعل العولمة الليبرالية متجاوزة، واكتفى بالتحرك من داخلها ودون أن يتقدم بالبديل المتكامل في كل المجالات، وانتقل من يسار جدري إلى "ديمقراطية اجتماعية" بدأت تتحلل في ما اصطلح عليه "ليبرالية اجتماعية". هناك تجارب جديدة ناجحة لليسار عبر العالم لا بد من التأمل فيها مع ضرورة التجديد الفكري والنظري لليسار والاجتهاد في مد الجسور وتجديد أدوات اشتغاله وتوحيد صفوفه، والتعريف بمشروعه الحداثي التقدمي، انطلاقاً من الواقع السوسيولوجي المتغير لمجتمعاتنا واجتهاداتنا ونضالاتنا.
 
* هل عوامل تهميش اليسار كلها من الآخر، ألا توجد عوامل ذاتية؟
 
- العامل الأساس في إضعاف اليسار هو النظام المستبد، الذي عمل كل ما في وسعه لتشتيت اليسار بالقمع والتنكيل، وبالتهميش والاستقطاب والإغراء، وتسليط تيارات متطرفة عليه خصوصاً داخل الجامعة، واستعمل "الأسلحة" كلها من أجل تفكيك هذا اليسار، واليوم وبعد انهيار جدار برلين، نجح شيئاً ما في هذه العملية، خصوصاً بعدما شاركت أحزاب يسارية في حكومة التناوب التوافقي، ودخلت بحسن نية، وليس على أساس تعاقد، غير أن النظام لم يكن غرضه الإشراك الحقيقي لهذه القوى المناضلة، ولكن كان غرضه ضرب مصداقيتها وشعبيتها، وهكذا لم يواكب دخولها بالإصلاحات الدستورية اللازمة، للتأسيس لفصل حقيقي للسلطة.

غير أن تأجيل المطالبة بالإصلاحات الدستورية والسياسية والتشبت بالمشاركة الحكومية بعد ضرب المنهجية الديمقراطية في 2002، شكل الضربة القاضية لهذه القوى التي ضربت في العمق وعانى كذلك اليسار الذي ظل خارج الحكومة. كما أن الصراعات الداخلية وعدم التدبير للاختلاف الداخلي والزعامة ونقص التواضع وعدم إعطاء النساء والشباب مكانة متميزة، لضمان تجديد النخب ومرافقتهم بالتكوين والتأطير، شكلت عوامل للإضعاف والتشتت.

* هل تتوقعون أن يتكرر سيناريو حكومة التناوب وتجربة اليوسفي مع تجربة ابن كيران اليوم؟
 

- بطبيعة الحال، نحن نقولها للإخوان في حزب العدالة والتنمية، ولا أظن أن هذا المعطى غائب عنهم، حيث إنه ما لم يتغير الدستور ليصل إلى دستور ديمقراطي، يفصل بين كل السلطات، ويحدد سلطة الملك وسلطة الحكومة، وسلطة البرلمان واستقلال القضاء الذي يجب أن يكون حجر الزاوية لكل تحول ديمقراطي، دون ذلك لا يمكننا أن نتقدم.

 وأنا أظن أن السيناريو يتكرر، ربما سيبدو للبعض بأنه بوجه مختلف، ولكنه بالأدوات والآليات التخريبية نفسها، حتى يتم ضرب كل الأحزاب التي تقول عن نفسها أحزاب مستقلة، ويمكن ملاحظة ذلك اليوم من خلال تسييد التكنوقراط على السياسي، وفي هذا ضرب للسياسي والسياسة وللأحزاب. وأنا لا أفهم كيف لا تنتفض الأحزاب التي تحترم نفسها ضد هذا الوضع الذي لا يريد لها خيراً، ولا يريد الخير لهذا الشعب.

والتقطيع الانتخابي متحكم فيه، ولوائح الناخبين متحكم فيها، ومع ذلك يتحرك المواطنون المؤمنون ببرنامج حزب معين، وعندما يصل ذلك الحزب إلى البرلمان، يجد نفسه داخل مؤسسات متحكم فيها وتحت الوصاية. يتم ضرب مصداقية الأحزاب والقذف بها إلى ما وراء التاريخ. ففي المغرب عندما ندخل الحكومة لا يمكن أن نحلم بأننا ندخل التاريخ بل ندخل عالم التوجيهات الفوقية، لكن السؤال هو لماذا القبول بهذا الوضع؟
 
*  البيان الذي أصدرتموه مؤخراً في "فدرالية اليسار" يحمل إشارات حول مشاركتكم في الانتخابات المقبلة. ألا ترون أن الأمر تأخر كثيراً؟
 

وضع اليسار هو وضع لا يحسد عليه، واليوم نحن في مرحلة إعادة بناء اليسار على أسس جديدة، ومشروع جديد يتطلب الاجتهاد الفكري والنظري والعملي في الميدان، لأنه لا يمكن أن نبقى حبيسي تفكير أورثذكسي، ولكن يجب تطوير الفكر مع الحفاظ على قيم اليسار و أفقه التحرري.

اليسار لا يجب في الآن نفسه أن يفقد روحه ومبادئه، اليسار يجب أن يبقى متشبثاً بمبادئه، ولكي يؤسس لعدالة اجتماعية وتوزيع عادل للثروة، وينفتح على فئات واسعة في المجتمع يمكن لها أن تنخرط في مشروع كبير. اليسار يجب أن يستنهض قواه  و أن يوحد صفوفه كمشروع لتحقيق العدالة الاجتماعية وللتوزيع العادل للثروة، ولبناء المواطنة الكاملة، والديمقراطية الشاملة التشاركية والاجتماعية إلى جانب التمثيلية.

نحن اليوم في فدرالية اليسار الديمقراطي نشتغل على إعادة البناء، رغم صعوبات لا بد من تجاوزها، خصوصاً وأننا أمام نظام يتمادى في التحكم، ويقوم بتراجعات خطيرة، حيث إن الحالة الاجتماعية لفئات واسعة من المجتمع تدهورت، جراء اختيارات لا ديمقراطية والخوصصة المفرطة، فالنظام التربوي فشل، إضافة إلى ضرب للقدرة الشرائية، و تخلّ الدولة عن دورها حتى في قطاعات أساسية، كالتعليم والصحة إلى جانب ما نعاني منه من سلبيات الأزمة المالية العالمية. أما بالنسبة للمشاركة في الانتخابات فنحن نؤمن بالنضال إلى جانب الفئات التي تعاني من العنف الاجتماعي و غيره، ونقدر البعد المؤسساتي في النضال الديمقراطي، ولقد شاركنا في الانتخابات السابقة، ما عدا انتخابات 2011 التي نظمت خلال سنة الحراك الاجتماعي والتي قاطعنا فيها مراجعة الدستور؛ لأننا كنا إلى جانب حركة 20 فبراير نطالب بدستور ديمقراطي وانتزاع مكتسبات حقيقية للشعب المغربي.
 
* البعض يقول بأن أطروحتكم اليسارية الاشتراكية الحداثية تصادم هوية وقيم المغاربة، وهذا ما يفسر به البعض انحسار امتدادكم الشعبي، كيف تعلقون؟
 

- عندما بدأ اليسار عبر العالم يطبق سياسات نيوليبيرالية، مثل الخوصصة وضرب حقوق العمال، تراجعت شعبيته وفقد الكثير من أصوات مسانديه. في المغرب مع تجربة التناوب تتذكرون أنه كان في الحكومة وزير للمالية والخوصصة، إلى جانب أنه لم تكن بيده سلطة، وكان هذا ضرباً لمصداقية اليسار، واليوم هذا العمق الجماهيري الذي نتحدث عنه، لا يعاديه اليسار في قيمه، نحن لا نعادي قيم المغاربة، نحن مغاربة ولدينا مناضلات ومناضلون أكفياء يضعون أرضياتنا وبرامجنا، و هم مواطنون من خيرة أبناء هذا الوطن، متخصصون في العلوم الاجتماعية، وفي العلوم السياسية و الدينية، وفي جميع المجالات، ولكن ورقة التصادم من الأوراق التي كان يلعب على وتيرتها النظام، الذي كان دوماً مدعماً بالإمبريالية، والذي ضرب اليسار في الجامعة، ويضربنا في كل محطة، كذلك التيارات التي تلعب على وتيرة "الدين" لاستمالة أصوات الناخبين. خلال الحملات الانتخابية مثلاً، وخلال جولاتنا في الأحياء، كان هناك من يتبعنا ويصفنا بالملحدين، وهذا خطير.

نحن مغاربة ونحترم المغاربة، ولكن مشروعنا يطالب بقراءة متنورة لتراثنا الحضاري و الإسلامي بأكمله، وأظن بأن طرحنا يزداد رسوخاً في المجتمع، بعدما ظهرت تيارات إسلاموية متطرفة و راديكالية تؤمن بالخرافة و العنف، هنا وهناك، والمعروف أن وجود هذه التيارات التخريبية هو من صنع الإمبريالية والصهيونية، التي تعمل على حماية مصالحها الجيواستراتيجية و الاقتصادية، ومع الأسف تجد بسطاء العقل الذين تم إعدادهم من أنظمة مستبدة، ضربت التعليم والثقافة، وجعلتهم لُقمة سائغة لهؤلاء التخريبيين الذين يضربون في العمق الدين والهوية.

نحن في المغرب لسنا في حاجة إلى نقاش الهوية، بل نحن مسلمون ومغاربة، نحن بحاجة إلى مركزية العلم والمعرفة، نحن بحاجة إلى استيعاب العلوم كلها التي تنتجها الإنسانية، بما فيها باحثونا الذين ينتجون علوماً و معارف، وأن نفكر كيف يمكن تدبير الاختلاف، نحن مختلفون، ولكن الاختلاف يمكن أن يدبر بالشكل الأنجع لضمان التلاحم المجتمعي.

سألتني في البداية عن الإصلاحات، وأنا أقول إن هناك إصلاحات عديدة يمكننا الاتفاق عليها، ومنها بناء الديمقراطية، بمعنى أن ننتقل من نظام حكم "مخزني" إلى نظام الملكية البرلمانية، وأن نؤسس لدولة مدنية، تضمن فيها حرية المعتقد، ويحترم الاختلاف. المغاربة أغلبيتهم مسلمون، وفيهم من يلتزم بشعائره الدينية ومن لا يلتزم، ونحن في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى دراسات عميقة، تقرأ التراث الحضاري الإسلامي بتنوير، من أجل أن نبني صرحنا الحضاري، ويمكننا الاتفاق على احترام الحريات والحقوق، وعلى دولة مدنية، وعلى نظام الملكية البرلمانية كما هو معمول به في بريطانيا والدول المتقدمة. هذه هي مصلحة بلادنا، ولا يجب أن يقتصر الحديث عن معتقدات الناس أو آرائهم، بل يفتح حواراً ديمقراطياً حول القضايا الكبرى التي ترهن مستقبل بلادنا.
 
* تحدثتم في إحدى الندوات عن أن "المخزن" يعمل على ترويض قوى المعارضة، وتواجهون باستمرار المشاركين في ظل النظام الحالي وشروطه، وهنا يطرح البعض سؤالاً آخر: ما الذي حققه الموجودون خارج المشاركة، ومنهم حزبكم؟
 

- نحن على الأقل منسجمون مع أنفسنا، أنا أعرف أن ممارسة الحكم صعبة، مهما كانت الظروف، وحتى لو افترضنا أن المغرب يعرف ديمقراطية كاملة، ففي ظل ضعف الإمكانيات، سيكون من الصعب أن نحقق أحلامنا كلها، ولكن الحلم يتأسس بمداخله الأساسية و بتقوية المناعة و مقاومة الإغراءات، والحفاظ على الأخلاق و عدم القبول بالمشاركة في لعبة مغشوشة، أو دون ضمانات احتراما لذواتنا ولهذا الشعب الذي يستحق التضحيات والصمود لكي يتحرر و ينعتق.

ما الذي ننتقده نحن في المشاركين؟ ليس أنهم شاركوا، ولكن أنهم تخاذلوا، ولم تكن لهم المقاومة الكافية لانتزاع ما يمكن انتزاعه لهذا الشعب، فعندما نرى شخصاً معيناً في منصب ما فهو يمثل المؤسسة، ويجب أن ينسى نفسه ويتذكر المؤسسة، ويتذكر الشعب المغربي، هذا ما نطالب به، ولحد الآن، كفاءات من هذا النوع تظل نادرة ولم نر لحد الآن وزيراً يستقيل لأنه لم تعط له السلطات والإمكانات لينفذ برامجه ومقترحاته، الكل يخضع لبرامج توضع له لينفذها، وشاهد المغاربة خصومة في برنامج تلفزي بين من يقول نحن حكومة صاحب الجلالة، ومن يقول نحن معارضة صاحب الجلالة. الشعب يريد سياسة تحترمه، ويريد أن تتحقق مطالبه في المواطنة الكاملة. الناس في الخارج يسخرون منا، لأننا نركع لغير الله، ونقبل بعادات وتقاليد بائدة لا يمكن قبولها، ويقولون لنا، أنتم تقولون بأن الله خلقكم أحراراً، فلماذا تقبلون بالعبودية؟ وهذا يطرح على الإنسان العادي، أما الذي ترشح من أجل أن يحكم، فيجب أن يقاوم حتى يأخذ نصيبه من الحكم، وهذه الطينة شديدة الندرة.
 
* في الرسالة الأخيرة التي وجهتم إلى وزير الداخلية، عبرتم عن الاستعداد للمشاركة في الاستحقاقات الدستورية، القادمة وطرح البعض سؤال: هل ندمتم على عدم المشاركة في انتخابات 2011؟

- أبداً...
 
* فما الذي استجد أو تغير إذن؟
 
- أولاً، لا بد من الوقوف على الشروط الاستثنائية التي قاطعنا فيها الانتخابات، فالفئة الشعبية التي كانت تطالب بالإصلاح كانت في الشارع، إلى جانب حركة 20 فبراير، ويكفي أن أذكركم بأن الحزب الحاكم اليوم لم يطالب قط بإصلاحات دستورية وسياسية في البلاد، وأحزاب أخرى كانت تطالب بطريقة محتشمة بإصلاحات دستورية، عندما انتفضت شعوب المنطقة، كانت هذه المحطة السياسية يمكن الضغط فيها لانتزاع ما يمكن انتزاعه لهذا الشعب وتقدمه نحو الديمقراطية والعدالة.

مع كل أسف، الأغلبية اختارت الاصطفاف وراء النظام، ولا أتكلم عن الحزب الحاكم الذي لم يدعم الحراك، وقطف رغم ذلك ثماره و هذا من التناقضات الصارخة، بل عن كل الأحزاب التي دخلت الانتخابات، والتي واجهت حركة 20 فبراير، والتي أصدرت بيانات تندد بها، والذي لا يريد أن يذكر حتى اسم "20 فبراير" تملقاً للنظام.

وهنا أذكركم بحكومة 1936 في فرنسا، الاشتراكية، ورغم ذلك نزل الشعب للشارع ليطالب بخفض ساعات العمل، وحفظ حقوق العمال، رغم أن الحكومة اشتراكية ضغطوا عليها من خلال الشارع، ونحن قلنا في 2011 أن الضغط يمكن أن يمارس أكثر من الشارع، لأن المؤسسات صورية ومغشوشة ولا يمكنها الضغط واختارت الاصطفاف مع النظام، ونحن اخترنا الشارع، لأن هويتنا هي أن نكون إلى جانب القوى المطالبة بالتغيير، التي لا تتوانى عن النزول للشارع لإسماع صوتها، خصوصاً عندما يحمل الشارع مطالب منسجمة مع مشروعنا.
 
* ما الذي تغير اليوم؟

- الذي تغير هو أننا رجعنا إلى الوراء، وأضعنا محطة 2011 التي كان من المفروض أن نتقدم فيها، وهناك تحكم مفرط، وهناك ردة ثقافية، وهناك أزمة اجتماعية خانقة، ولا بد من خلق رجة في الوضع، بكل الإمكانات المتواضعة التي نتوفر عليها. نحن موجودون في الساحة من خلال الحركات الاحتجاجية، رغم أنهم حاصرونا بالفصل 55 من قانون الأحزاب، حتى لا نتقدم بلوائح مشتركة باسم فدرالية اليسار الديمقراطي، ومع ذلك نحن سنخوض معركة الانتخابات و نحن مصرون على تقديم لوائح مرشحين من الفيدرالية، وإذا أرادوا أن يلغوا لوائحنا فليفعلوا، وإذا أرادوا أن يلغونا من هذه البلاد بأكملها فليفعلوا، لأنه دون نضال وتضحيات لن نحصل على أي شيء.
 
* هل ترون من أفق لتحالف قوى وطنية وديمقراطية في المغرب بعلمانييها وإسلامييها ويسارييها؟

 
- إذا اتفقنا على مشروع فمرحباً، يكون عنوانه: دولة مدنية، احترام الحقوق والحريات، وملكية برلمانية حقيقية، ومواطنة كاملة، وأفق تحقيق العدالة الاجتماعية. وأنا أقول إن هذا الأمر ممكن، لأن العالم اليوم دخل في دينامية غير مسبوقة، وهناك الآن ما يسمى بالحركات الاحتجاجية الجديدة، التي كانت وراء ظهور الانتفاضات في المنطقة العربية و المغاربية، وسمعنا أن الشرطي الذي يسب الناس بغير وجه حق قد مثل أمام وكيل الملك، بمعنى أننا اليوم أمام حركة جديدة للاحتجاج، نحن أمام ثورة معلوماتية وتكنولوجية، يجيد استعمالها الشباب رغم بعض التعثرات، ونحن أمام أفق مفتوح، ولهذا نحن لا نفكر فقط في الغد، بل نفكر في أن مستقبلاً ديمقراطياً، تتحقق فيه الكرامة ممكن جداً جداً في المغرب، ولكن إذا اجتمع الديمقراطيون الحقيقيون، على أساس تعاقد وليس تآمر على الشعب، وهؤلاء يمكن بناء تحالف معهم، ولكن قبل ذلك يجب فتح حوار ديمقراطي يناقش القضايا الكبرى التي نخاف من طرحها في مجتمع متخلف، مثل سؤال علاقة الدين بالدولة، وسؤال المواطنة ومعناها، وسؤال الهوية المغربية الغنية، وما يمكن أن نستخلص منها لتقدم البلاد وتطورها، وسؤال الجهوية الحقيقية، وسؤال السلطة التي تمارسها المؤسسات المالية على الشعوب لتفقيرها، وكيف يمكننا استعادة السيادة الوطنية، وكيف يمكننا حل مشكل الصحراء بشكل يضمن إمكانية البناء الديمقراطي على مستوى المغرب الكبير، وضمان الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية والاستقرار والحد من التبعية والانخراط في عصر المعرفة و الحداثة.
  
التعليقات (0)