ترى صحيفة "هآرتس"
الإسرائيلية أن الظروف أصبحت ناضجة لنشوء نظام تمييز عنصري تقوم إسرائيل بفرضه تدريجيا على المناطق
الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، حيث سيخرج للعلن ويتقبله الرأي العام.
وقالت الصحيفة: "في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 نشر نفتالي بينيت مقالا للرأي في صحيفة (نيويورك تايمز) تحت عنوان (بالنسبة لإسرائيل حل الدولتين ليس حلا)، شدد فيه على أن إسرائيل لا يمكنها الانسحاب من الأراضي المحتلة، ولا يمكنها السماح بإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية، وعوضا عن ذلك يقترح بينيت سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية بالكامل، ومن خلال هذا تقوم إسرائيل بإنشاء منطقة فلسطينية ذات حكم شبه ذاتي بمستوى معين، ولكن أقل من دولة، بشكل لا يسمح فيها للكيان هذا بالسيطرة على الحدود أو إنشاء جيش".
وتعلق الصحيفة "رغم أن أحدا في إسرائيل لم يلاحظ المقال، ولكنه تحرك خطير يعلم بداية ظهور الحل الإحادي الإسرائيلي، مما يكشف بوضوح عن نظام التمييز العنصري، الذي تطور على مدار عقود طويلة وبزيادة".
وقارنت "هآرتس" بين نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا وذلك المتبع في إسرائيل "في جنوب إفريقيا كان نظام التمييز العنصري واضحا منذ البداية، باعتباره أيديولوجية الدولة، ويعلم القانون الذي تقوم عليه وسياستها وممارستها، وبالمقارنة، ففي إسرائيل تطور نظام التمييز العنصري بطريقة تخفي طبيعته، من خلال فرض قوانين الطوارئ والسيطرة العسكرية على الفلسطينيين، ومن أجل فرض فصل جيو - اجتماعي وحقيقي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في الوقت الذي يتم فيه تسهيل عمليات السيطرة والاستيطان على الأراضي الفلسطينية" .
وتضيف "بالنسبة للإسرائيليين وللكثير من المراقبين الدوليين، فنظام الفصل العنصري غير مرئي؛ وهذا عائد أولا ولمستوى رئيسي للطريقة التي يتم فيها حجب الحضور الفلسطيني في داخل الفضاء السياسي- جغرافيا واجتماعيا وقضائيا واقتصاديا وثقافيا. مما يؤثر، بطبيعته على الشفافية داخل إسرائيل نفسها، فهو يحدث في مكان آخر، في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي مناطق لا يدخلها الإسرائيليون أبدا، وفي الحقيقة لا يسمح لهم بدخولها. أما المستوطنون الذين يقيمون هناك، لأسباب أيديولوجية أو بسبب المحفزات الاقتصادية والوجود العسكري والحكومي وكذلك المنظمات غير الحكومية والمصالح التجارية فكلها تعمل هناك، وتقوم بشكل نشط وشرس بفرض نظام الأبارتيد".
وترى الصحيفة أن هذه "بالتأكيد هي الطبيعة الخاصة لهذا الأبارتيد، فبدلا من أن تكون أيديولوجيته المؤسس للدولة تحولت إلى جهاز عرضي لها، ونظام قائم فعليا على الاضطهاد والفصل غير المعلن عنه في الخطاب الرسمي للدولة والإعلام الإسرائيلي. ورغم أن هذا النظام تطور وتشكل عبر سياسات كل الحكومات الإسرائيلية ومنذ عام 1967، إلا أنه واضح وظاهر في كل ممارساتها الرئيسية، وهو ما يسمح للمواطنين والسياسيين على حد سواء لإنكار وجوده (حتى لأنفسهم). فبعد كل هذا لا أحد في إسرائيل ناقش فرض (الأبارتيد)، كنظام ليس موجودا ومفككا ويحتوي على مجموعة من العناصر المختلفة، التي تعمل معا، ولكن دون حماية من أي كيان رسمي أو توجيه رسمي".
هذا الوضع يتغير بحسب الصحيفة "فبعد يومين من نشر بينيت مقالته، صادقت الحكومة على مشروع قرار يوسع القانون المدني ليشمل المستوطنات بشكل أتوماتيكي (ويطبق القانون المدني على المستوطنين حاليا)، ما يعني توسيع سلطة الحكومة القانونية لتشمل الضفة الغربية، التي تعتبر منطقة محتلة، وتدار بناء على القانون العسكري. وبالإضافة لأقلمة المناطق المحتلة بشكل تتم فيه إذابة الفروق بين الأراضي المحتلة وغير المحتلة، تتعرض طبيعة الدولة القائمة على الديمقراطية العلمانية للهجوم من خلال (قانون يهودية الدولة)، الذي تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتمريره في أقرب وقت".
وتشير الصحيفة إلى أن أول بند في هذا القانون ينص على أن:
"أ. إسرائيل هي الوطن القومي لليهود، التي تحقق أحلامهم وحقهم في تقرير المصير، بناء على تراثها الثقافي والتاريخي.
ب. حق الحصول على الحق في تقرير المصير هو خاص بالشعب
اليهودي.
ج. أرض إسرائيل هي الأرض التاريخية للشعب اليهودي، ومكان بناء دولة إسرائيل".
ويؤكد مشروع القرار أهمية "التقاليد اليهودية مصدرا للإلهام" في مجال التشريع، وتخفيض مرتبة اللغة العربية من لغة رسمية إلى لغة ثانوية، وتحديد "الحريات الرئيسية والعدل والسلام الذي يمثله أنبياء إسرائيل" ملمحا مهما جنبا إلى جانب الديمقراطية، بحسب الصحيفة.
محو الفلسطينيين
وتحذر الصحيفة بالقول إن "مشروع القرار حالة تحوله إلى قانون فستجبر المحكمة العليا على تفضيل العناصر اليهودية على العناصر الديمقراطية في كل الأمثلة التي يحدث فيها تعارض، ما سيضيق عمل القضاء، وسيلغي كل الضوابط التي منعت بشكل فعال تطبيق نظام تمييز عنصري قائم على القانون، ومن خلال تشريع وقرارات تنفيذية. وسيفاقم القانون التحيز ضد الفلسطينيين الذين هم مواطنون إسرائيليون (يشار إليهم بعرب إسرائيل)، وفي الوقت نفسه يُبعد الفلسطينيين عن حقهم في وطنهم القومي وحقهم في تقرير المصير، وعن الأساس القانوني لدولة إسرائيل نفسها، ما يعني محو فلسطين والفلسطينيين من أرض إسرائيل/ فلسطين".
وتعلق الصحيفة "هناك أمل ضئيل لمن يرغبون بوقف هذه العملية، فالخطاب السياسي في إسرائيل قوي ويسيطر عليه اليمين، خاصة أن هذه الحكومة تعتبر الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، عادة ما انتقدت علنا بأنها (يسارية)، وحتى في حالة انهيار الائتلاف الحكومي، وهو أمر ليس مستبعدا، فستكون الحكومة القادمة متطرفة، ومرشحاها الحقيقيان هما نتنياهو وبينيت".
وتواصل "رغم أن اليمين المتطرف هو في تصاعد دائم ومنذ سنوات، وهو تطور تزايد بشكل ملحوظ منذ (عملية الرصاص المسكوب)، إلا أن العام الماضي شهد تحولا هائلا باتجاه اليمين في السياسة الإسرائيلية والمجتمع بشكل واسع. وهذا الوضع ليس نتاجا للأحداث التي حصلت، أو بسبب الظروف التي نضجت، ولكن نتيجة لأفعال مقصودة هدفت للتبشير بهذا الواقع تحديدا".
وتفسر الصحيفة أكثر "وفي الوقت الذي يعتبر تحرك إسرائيل لوقف محادثات السلام في نيسان/ إبريل حدثا مهما، إلا انه كان رمزيا؛ لأن هذه المحادثات تعتبر مهزلة منذ البداية. فقد بادرت حكومة نتنياهو الأولى 1996-1999، وتبنت سياسة الاستيطان، التي استمرت منذئذ، ما جعل حل الدولتين أمرا غير ممكن. وحتى لو ألقينا نظرة خاطفة على الطريقة التي توزعت فيها المستوطنات، فمن الواضح أنه دون إخلاء عدد ضخم من المستوطنين من الضفة الغربية تظل إقامة الدولة الفلسطينية مستحيلة، وأصبحت عملية الإخلاء مستحيلة بعد خروج أرييل شارون من السلطة عام 2006".
وتجد الصحيفة أن "المظهر الخارجي للعملية السلمية قد انهار قبل خمسة أشهر، عندما استخدمت الحكومة الإسرائيلية اختطاف ثلاثة مراهقين إسرائيليين ذريعة للقيام بحرب. ومع أن الحكومة كانت تعرف أن هؤلاء المراهقين الثلاثة كانوا ميتين، لكنها زعمت وبشكل مضلل أنهم لا يزالون أحياء. وتم فعل هذا لتبرير توسيع عملية البحث إلى عملية واسعة ضد حماس، ما أدى لدوامة التصعيد التي خدمت في النهاية السبب الرسمي للحرب. واستخدمت مبررا لشن حملة دعائية حقيقية كانت تهدف لتشكيل الرأي العام والتجربة الجماعية لتقديم حس مضلل عن الأمل والتضامن مع عائلات المراهقين المخطوفين، حيث شارك الإعلام الرسمي في إسرائيل بطواعية. وكما هو متوقع فقد اهتز حس الأمل الكاذب في النهاية عندما تم العثور على جثث المراهقين، ما حوله إلى حزن وغضب جمعي، وهو ما قاد لموجة غير مسبوقة من الكراهية التي اجتاحت إسرائيل. فحرق محمد أبو خضير، نتيجة لذلك والتظاهرات الفلسطينية المستمرة في القدس الشرقية والضفة الغربية على خلفية قصف الجيش الإسرائيلي لغزة وإطلاق حماس الصواريخ، كل هذا استخدم لدفع الرأي العام واستخدمت رغبته بالانتقام لتبرير الحرب".
وتذهب "هآرتس" إلى أنه "رغم نهاية الحرب في وسط آب/ أغسطس، فقد بدا واضحا في نهاية أيلول/ سبتمبر أن الحكومة الإسرائيلية تحاول الدفع باتجاه انتفاضة واسعة من خلال سلسلة من الإجراءات القاسية في القدس الشرقية، والمسجد الأقصى (جبل الهيكل) والضفة الغربية. وفي الوقت ذاته شن حرب إعلامية واسعة ضد السلطة الوطنية، بتحميل محمود عباس مسؤولية العنف، بالتزامن مع مواصلة تأجيجه. وفي الحقيقة هذا ما تقصده إسرائيل: فقد أغلقت الحكومة الإسرائيلية الباب أمام المفاوضات وأثبتت واقع (لا يوجد شريك في العملية السلمية)، وأدت لوضع لم يعد فيه حل ولكن قرار".
وتختم الصحيفة بالقول: "فقد بدأت السلطة الوطنية سباقا للحصول على وضع الدولة وإن كان على الورق، أي اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية حتى ولو كان على الورق، وهي جهود حظيت بزخم جوهري، فيما تقوم الحكومة الإسرائيلية بمناورة لخلق واقع يجرد هذه التحركات من أي معنى، وأخير حل ما تبقى من اتفاق أوسلو بوضع الضفة الغربية وبشكل كامل تحت السيطرة الإسرائيلية، وتحديد وضع الفلسطينيين في إطار يمارسون فيه حكما شبه ذاتي يشبه (بانتوستانات) جنوب إفريقيا وإن كانت باسم مختلف. ورغم وجود فرصة لفشل هذه المناورة، إلا أن هناك فرصة جيدة لنجاحها. فقد أثبتت الحكومة الإسرائيلية مرة تلو الأخرى أن هناك "حقائق على الأرض" من الصعب تغييرها، وإن إخذنا بعين الاعتبار أن يؤدي التحول في ميزان القوة الدولي بشكل يعزز وضع إسرائيل كحليف لا يمكن للغرب الاستغناء عنه فإن نجاح إسرائيل بفرض نظام التمييز العنصري سيؤجل وللأبد إقامة الدولة الفلسطينية، وسيحول موقع النزاع إلى جوهر المجتمع الإسرائيلي، وعبر هذا التحول ستنتهي
الصهيونية التي ستكون نتيجتها النهائية ولادة دولة لليهود تجسد منطق العداء للسامية".