كتب
محمد أبو رمان: أعلنت
السعودية، أمس، عودة سفيرها إلى
قطر، كما قامت الإمارات والبحرين بالأمر نفسه. وهو ما يعني، مبدئياً، تراجع حدّة الأزمة الداخلية الخليجية غير المسبوقة، والتي كانت تؤذن بإجراءات غير مسبوقة أيضا ضد قطر من قبل جاراتها الخليجية.
كالعادة، لم يتم الكشف عن التطورات الأخيرة، وبقيت الخلافات والتفاهمات في سياق التكهّنات والتوقعات والتحليلات. وكل ما تسرّب إعلامياً عن الاجتماع الخليجي الأخير في الرياض، يتمثل في خبر صحيفة "الحياة" اللندنية، الذي يؤكّد أنّ قطر تعهّدت خطّياً بتنفيذ ما يعرف باتفاق الرياض المعدّل، خلال الشهر المقبل!
ثمّة ما هو معروف في هذه الخلافات والتفاهمات، كما ما يزال ما هو مبهم وغامض. إذ أصبح واضحاً تماماً أنّ الخلافات تعود للرهانات المتضاربة بين كل من قطر وتركيا من جهة و"الممالك العربية" من جهة أخرى في الموقف من ثورات "الربيع العربي" والإسلام السياسي. فالجهة الأولى هي جهة دعم وتأييد، فيما الثانية ممانعة ورفض وعداء. لكن ما ليس معروفاً على وجه الدقّة والتحديد، هو ما نصّ عليه اتفاق الرياض المعدّل، أو بعبارة أخرى ما هي المطالب التي أمهلت دول الخليج قطر شهراً لتنفيذها!
المعلومة المهمة التي تكشف عن الالتزام القطري الأهم، تتمثل في تصريح مسؤول خليجي لـ"الحياة" اللندنية، بأنّ قطر تعهدت بوقف حملاتها الإعلامية على مصر. والمقصود، كما هو معروف تماماً لديكم، تغطية قناة الجزيرة (وبصورة خاصة "الجزيرة مباشر مصر") لما يحدث هناك من مظاهرات ومسيرات واحتجاجات ضد الانقلاب العسكري!
إذن، هذه هي القصة فقط؛ "وقف الحملات ضد مصر"، لتعود الأجواء نقية "ويتم رأب الصدع"؟! هذا على الأقل ما فهمناه مما جرى. وقد قامت قطر بالفعل، خلال الأشهر الماضية، بتطبيق جزئي للاتفاق؛ بأن طلبت من قيادات إخوانية وإسلامية مطلوبة للجهات المصرية مغادرة الدوحة.
هل ستنتهي فعلاً الخلافات، وستعود المياه إلى مجاريها، إذا تراجعت تغطية "الجزيرة" لمصر، أم أنّ هناك ما هو أبعد وأوسع من الموضوع المصري، بما يرتبط بالمنطقة بصورة عامة، وبالموقف من تركيا والإسلام السياسي عموماً؟
ربما يتوسّع في تفسير هذا الاختلاف والتناقض في الرهانات والسياسات بصورة أكثر وضوحاً، د. عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية المعروف، والذي هو أيضا مستشار ولي عهد أبو ظبي. إذ تحدث مفصّلاً، عبر برنامج حواري على إحدى الفضائيات، عن موقف الإمارات ودول الخليج من قطر، وعن سرّ العداء الإماراتي لتيارات الإسلام السياسي عموماً، ما انعكس على العلاقة مع قطر التي وصفها د. عبدالله في اللقاء بـ"الشقيق الشقي"؛ الذي يشاكس أشقاءه ويحدث جلبة في البيت الداخلي!
المفاتيح الأساسية في كلام د. عبدالله، تتمثّل في أنّ الإمارات والسعودية تنظران لقوى التغيير وللإسلام السياسي، بعكس قطر، بوصفها خطراً على أمنها الوطني. وتصرّ هاتان الدولتان على "الحفاظ على الوضع القائم". ومن الواضح من حديثه أنّ الإسلام السياسي (تحديداً جماعة الإخوان المسلمين)، في منظور الإمارات والسعودية خصوصا، تمثل مصدر التهديد الرئيس والمباشر، وهو ما يفسّر القائمة الإماراتية الأخيرة التي لم تترك شاردة ولا واردة من المنظمات الإسلامية، إلاّ وصنّفتها في خانة الإرهاب!
فهل يمكن أن تنحاز قطر ("الشقيق الشقي"، على حد وصف د. عبدالله!) لهذه الأجندة؛ فتتخلّى عن الرهانات الحالية التي تشارك فيها تركيا، بدعم التغيير والتحول نحو المسار الديمقراطي في العالم العربي، حتى وإن أتى بإسلاميين، أم أنّ المسؤولين القطريين أرادوا، فقط، الانحناء للعاصفة الحالية وتخفيف حدّة التوتر مرحلياً، وإفشال مشروع غير مسبوق في معاقبة قطر وحصارها خليجياً، من دون أن يتخلّوا بالكلية عن منظورهم للتطورات الإقليمية؟!
دعونا نراقب..
(الغد الأردنية)