مقالات مختارة

هل بنية النظم تتغير في منطقة الخليج؟

عبد الله شانلي داغ
1300x600
1300x600
كتب أحمد شانلي داغ: فضلت أن يركز موضوع مقالتي اليوم على القوى العالمية وحالة التحرك التي تشهدها منطقة الخليج، وذلك لأن الأجندة العالمية تتحرك بالتوازي مع تنظيم "داعش" الإرهابي.

وفي مقدمة المقال أُريد أن أطرح عليكم بعض الأسئلة، لأوضح لكم بعض الأمور من خلال الإجابة عليها: ما هي الآمال التي تعلقها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على منطقة الشرق الأوسط، وماذا تنتظران من تلك المنطقة؟ وماذا يدور بخلد هاتين الدولتين وغيرهما من الدول الأوروبية، بشأن العراق وسوريا على سبيل المثال؟

أنا أعتقد تماما أن "داعش" سيبسط يديه على مساحات من المنطقة بقدر ما تريد أمريكا وإسرائيل أن تتمدد وتبسط حكمها، أي أن ذلك التنظيم سيصل إلى الأماكن التي تريد أن تسيطر عليها هاتان الدولتان، ليتم بعد ذلك التخلص من ذلك التنظيم بعد أن يؤدي المهمة المطلوبة منه، وبذلك سيتحقق أمران، أولهما ستنكسر ظاهرة "الإسلام الراديكالي" التي قويت شوكتها بعد الحرب الباردة، وثانيهما ستنجح الولايات المتحدة وإسرائيل في تشكيل وتكوين مناطق استعمار واحتلال جديدة تفرض سيطرتها عليها.

والفرق بين "داعش" الذي يميل للعنف بشكل متطور، وبين تنظيم "القاعدة" الذي ظهر على سطح الأحداث قبله – أي قبل داعش-، هو أن التنظيم الأول يمتلك قوة تؤهله لتغيير بنية النظم في منطقة الخليج، فضلا عن كونه مدعوما من القوى الدولية. وحتى نوضح أكتر ما أُريد أن أقوله، سأطرح عليكم هذا السؤال: ما هو السبب الذي يجذب الجهات الفاعلة العالمية إلى المنطقة؟ هل هو فعلا الرغبة في القضاء على تنظيم "داعش" الذي يتم استخدامه عنصرا مساعدا، من خلال العمليات الجوية والبرية؟ أم الرغبة في تكوين مصادر للنفط والغاز الطبيعي من خلال التقدم عبر القنوات التي سيفتحها التنظيم المذكور؟

ويمكنني القول بكل أسف إن حرب المنطقة التي تم حبكها بناءً على الشق الثاني من السؤال، ستكون المجال الذي سيتم فيه تصوير الفيديوهات الدموية، وتقديمها للعالم أجمع. ومن الأشياء التي تُزعج الإنسان أن تنظيم "داعش" الذي يتم التخطيط لإقحامه في المنطقة بدءًا من الشرق الأوسط، وحتى آسيا الوسطى، يستخدم عناصر مسلحة تتسم بالنقاء، لكنها بلا إدراك أو شعور.

وحقيقة القول إن هذا التنظيم يمتلك قوة كبيرة على عكس السائد والمعروف، ولقد قال الخبير العسكري العقيد المتقاعد "فيكتور موراخوفسكي" ما يلي عن مسلحي "داعش": "النقطة التي وصلنا إليها في الوقت الراهن، توضح أنه لن يكون من قبيل الإمكان حل معضلة "داعش" من خلال العمليات الجوية التي تتم بطائرات بدون طيار، أو اخرى يقودها طيارون، هذه العمليات لا تكفي وحدها لذلك.

وهذا يرجع إلى ما يملكه "داعش" من بنية تحتية صناعية كبيرة، وما يملكه من نظام اتصال ثابت، فهذا التنظيم يتكون من جماعات متنقلة، قليلة العدد، تمتلك محفزاً ودافعاً، فإذا وضعنا في عين الاعتبار هذه السمات التي يتمتع بها هذا التنظيم، فإنه لن يكون بالإمكان القضاء عليه، دون شن عملية برية،
فالعمليات الجوية قد تعرقل انتشاره، واتساعه، لكنها لا يمكن أن توقف تقدمه".

والسؤال الآن: ما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به تركيا في هذه الحرب القذرة؟ وماذا تنتظر الولايات المتحدة من تركيا؟ من المعروف أن الوجود الأمريكي في المنطقة محدود، حتى إن أكبر حليف لها في المنطقة وهو بريطانيا ليس مع فكرة دعم عملية برية ضد التنظيم، بل يرون أن تركيا وإيران بإمكانهما القيام بالعملية البرية، لكن على ما يبدو أن تركيا ستقف على الجانب، نظرا لعدم تطابق سياستها بخصوص سوريا والنظام الموجود فيها مع سياسة إيران في الشأن ذاته. 

ولقد طرح "فيكتور موراخوفسكي"، أفكاره بخصوص تركيا على النحو الآتي:"أنا أتفهم جيدا موقف تركيا من الناحية العسكرية؛ وذلك لأن هذه الحرب ليست حربها، كما أن قيام تركيا بإرسال قواتها العسكرية إلى المنطقة، في الوقت الذي لا تشكل فيه هذه الأحداث تهديدا مباشرا على أراضيها، سيمهد الطريق لتعرضها لخسائر عسكرية، فضلا عن الأضرار السياسية الأخرى. وثمة مسألة أخرى، ألا وهي أن الدولة التي من المفترض أن تقوم بالعملية البرية المذكورة، يجب أن تكون هي على رأس التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة.

لكن الولايات المتحدة لا تقوم حاليا سوى بالمساعدات، وهذا ليس بالأمر الصحيح، ومن ثم فإن تركيا – إن قررت القيام بالعملية البرية- لن ترضى أن تكون الولايات المتحدة متزعمة التحالف الدولي، بينما هي – أي تركيا- تعاني قيادة وإدارة سياسية ويلات الحرب وصعوباتها".

ورغبة تركيا في القضاء على نظام "بشار الأسد" كمرحلة من مراحل القضاء على "داعش"، تعد بالنسبة لنا بمثابة رغبة صادقة، لكن إذا كانت تركيا لا تجيد بالشكل الصحيح قراءة الأهداف النهائية للجهات الفاعلة الدولية كالولايات المتحدة، وإسرائيل، وغيرها من الدول الأخرى، فهي بذلك في وضع يجعلها تقبل بأن يكون محكوماً عليها بالعزلة إلى الأبد، بل إذا كانت ترى ما ستنتهي إليه السياسة المتبعة التي تم حبكها والتخطيط لها، لكن لا يوجد لديها ما يمكنها أن تقوم به حيال ذلك، فعليها إذن أن تطور سياسة مختلفة وأكثر شمولا. روسيا قد تطلب تدخل طهران ودمشق في الأمر، حتى تكون مواجهة "داعش" أكثر تأثيراً. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يا تُرى سيتم تدمير "داعش" في منطقة الشرق الأوسط الغنية بحقول النفط، أم أنه سيتم نفي هذا التنظيم ونقله إلى منطقة جغرافية أخرى؟

سنحتفظ بإجابة هذا السؤال لأنفسنا حاليا، ولنكتفِ بقول ما يلي: إذا كانت الولايات المتحدة لديها نية، ورسمت على خريطة الطريق الموجودة لديها، أنها ستنفتح على آسيا الوسطى، فلا شك أن هذا سيتحقق، وسيتم تصدير هذا التنظيم إلى تلك المنطقة عنصرا للتهديد.

ومن الجدير بالذكر أن غالبية المحللين المتابعين للأمر يرون أن أفغانستان سببا رئيساً في حالة عدم الاستقرار الموجودة في آسيا، وها هو ما قاله المحلل السياسي "سعيد جافروف" في هذا الشأن: "التفكير في أن الأزمة ستكون محدودة فقط بطاجكيستان وأوزبكستان، خطأ كبير وفادح؛ وذلك لأن الإسلاميين الأصوليين والراديكاليين، يحظون بدعم كبير في قطاعات واسعة من أسيا الوسطى.

بل ومن المحتمل أن يتحد "داعش" و"القاعدة" معاً، ويتفقان على العديد من المبادئ. ووجهة نظري المتواضعة تقول إن المباحثات بدأت بين التنظيمين، والنتيجة أن بعض الدول في آسيا الوسطى، مهددة بشكل كبير وخطير".

(عن صحيفة "عقود جديدة" (يني عقد) التركية، ترجمة وتحرير "عربي21"، 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014)
التعليقات (0)