ملفات وتقارير

فلسطينيو سوريا في لبنان: أوضاع مأساوية ولجوء مستمر

فلسطينيو سوريا في لبنان.. أوضاع مأساوية وظروف صعبة - (عربي21)
فلسطينيو سوريا في لبنان.. أوضاع مأساوية وظروف صعبة - (عربي21)
يحرص اللاجئ الفلسطيني الشاب محمد الخطيب على حصر تجواله في العاصمة اللبنانية بيروت، وعدم الخروج منها الى مناطق أخرى إلا للحاجة القصوى، خشية توقيفه على حاجز للجيش أو الأمن اللبنانيين.

الخشية لدى محمد، لا تنبع من كونه ارتكب جُرما أو فعلا يستحق عليه السجن أو الملاحقة، بل ذنبه الوحيد كما يقول هو و آلاف مثله بأنه من فلسطينيي سوريا، الذين لجأوا الى لبنان بفعل الحرب الجارية في سوريا، وما تعرضت له المخيمات السورية من استهداف وحصار مستمريْن.

ويعيش في لبنان حالياً 45 ألف لاجئ فلسطيني، حسب تقديرات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، فيما الأرقام غير الرسمية تتحدث عن ضعف الرقم تقريبا، بينهم 17 ألفاً فقط في مخيم عين الحلوة جنوبي البلاد. 

ويعيش اللاجئون الفلسطينيون القادمون من لبنان معاناة مركبة، فهم لا ينالون معاملة اللاجئ السوري الذي –رغم أوضاعه المأساوية- يجد مؤسسات دولية ترعى شؤونه، ولا يتم التعاطي معه من قبل السلطات اللبنانية كشقيقه اللاجئ الفلسطيني في لبنان الذي يعاني أصلا من مصادرة لغالبية حقوقه المدنية.

ومنذ أن بدأت السلطات اللبنانية بمنع الفلسطينيين القادمين من سوريا بدخول أراضيها في شهر أيار\مايو الماضي، تفاقمت الأوضاع الإنسانية لهذه الشريحة من اللاجئين الذين لا يخفون شعورهم بالخذلان من اداء السلطة الفلسطينية والفصائل تجاههم قبل أي طرف آخر. 

خيارات أحلاها مرّ

ويتحدث اللاجئ محمد الخطيب لــ"عربي21" من على أحد مقاهي بيروت عن فصول "تغريبة فلسطينة جديدة"، مشيراً الى أنه يعجز عن الكلام عن خياراته، ومؤكداً أن أصعب اللحظات التي تمر عليه هي تلك التي تتعلق بالتفكير في الخيارات المتاحة أمامه.

حاله أفضل من حاله صديقه –يقول محمد- والذي جاء معه الى بيروت من مخيم اليرموك للاجئين، فهو يمتلك وثيقة سفر صالحة لمدة شهر واحد، أما صديقه فلا يمتلك أي وثقية تساعده على الخروج إلى فضاء أرحب.

يعدد خياراته، الواحد تلو الآخر، "من المستحيل أن أعود إلى سوريا، حيث تنتظرنا –أقله- الخدمة العسكرية التي تعني انتحارا أو سجنا، الأردن، تركيا، الخليج، كلها دول لا تقبلنا، والبقاء في لبنان بهذه الظروف أمر في غاية الصعبة في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية"، ليصل إلى الخيار الأكثر منطقية برأيه وهو ركوب البحر بأي طريقة كانت كما فعل أصدقاء كُثر له.

الأكثر منطقة بالنسبة لمحمد، خيار ليس في متناول الجميع أيضا، واذا أصبح بالمتناول من حيث التكلفة المادية اولا، فالأمل بالنجاة وحده هو ما يتعلق به الراكبون لقوارب الموت، قبل أن يتذكر بسخرية ما حصل مع أصدقاء له ركبوا البحر من لبنان باتجاه شواطئ أوروبا، ليكشفوا أنهم وصلوا إلى شواطئ طرطوس السورية.

إهانة وصدمة

لا يتردد محمد وغيره من اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى لبنان في الحديث عن ما يلاقونه من معاملة سيئة من قبل الجيش والأجهزة الأمنية، سواء على معبر المصنع الحدودي بين سوريا ولبنان، أو على الحواجز ونقاط التفتيش التي يضطرون للمرور فيها عند تنقلاتهم، حيث الإهانات اللفظية حينا والإذلال حينا آخر، وصولا الى التهديد بالاعتقال والترحيل.

غير أن الصدمة بالنسبة للخطيب، جاءت هذه المرة من طرف غير متوقع، في إشارة إلى اللاجئ الفلسطيني اللبناني "الذي ينظر الينا كمزاحمين لهم في رزقهم لقمة عيشهم"، خاصة وأن غالبية اللاجئين القادمين من سوريا اضطروا للاقامة في المخيمات الفلسطينية. 

أوروبا وحق العودة

بـ"فلسفة وطنية" خاصة به يختم محمد حديثه لـ"عربي 21" بشعار يرفعه، يقول فيه "إن العودة لفلسطين ليست بعيدة، ولكن ليس من الدول العربية بالتأكيد، بل من أوروبا!".

فلسفة يتفق معه فيها صديقه وابن مخيمه محمد زغموت، الذي أتاحت لنا مواقع التواصل الاجتماعي التواصل معه بعد أن نجح ومجموعة من فلسطينيي سوريا في الوصول إلى القارة العجوز.

ويقر زغموت في حديث لـ"عربي21" بصعوبة الخيار الذي اتخذه، وهو الإعلامي، والمتزوج من طبيبة، "لايمكن ان تتخد قرارا بركوب البحر واجتياز الصحراء وان تقول عنه انه كان سهلا، قرار الجميع كان صعبا بالذهاب إلى المجهول ومن ثم إلى اوروبا".

غير أن الموت حسب زغموت "مُقدم على لحظات العجز أمام عائلتك واطفالك فتفضله على البقاء في خطر وتهديد مستمرين (..) فنحن خرجنا من ظلم الشام إلى لبنانـ لكن الذي اخرجنا إلى أوروبا هو ظلم ومعاملة الإخوة اللبنانيين لنا بقراراتهم المتلاحقة والتي تستهدفنا".

حياة جديدة
 يمتدح اللاجئ الشاب، الصورة الجديدة للحياة التي كتبت له بعد مغامرة شبيهة بتلك التي أوردها غسان كنفاني في روايته الأولى "رجال في الشمس"، فبعد وصول السودان قادما من لبنان، قطع زغموت ورفاقه في عدة أيام الصحراء السودانية والليبية بغية الوصول لنافذة الأمل إلى أوروبا.

وعند الوصول الى البلاد الجديدة يقول عنها زغموت: "لا أبالغ اذا قلت لك بأنه ومن لحظة وصولنا إلى ايطاليا، وجدنا أن أبواب الدول الاوروبية جميعها مفتوحة أمام اللاجئ الفلسطيني".

وفي أوروبا -والحديث لزغموت- "لدي حقوق في الدراسة والعمل والطبابة والحماية والتنقل بحرية، وهذا مالم توفرة لبنان للبنانيين (..) شهور قليلة وتحصل عليها في أوروبا".

الموت بكرامة هو أحد الخيارات التي يتبناهامحمد زغموت، يقول: "أنت ميت ميت موت بكرامة، وعمرك بإيد ربك مش بإيدك"، وافضل أن أموت بالبحر على أن أعيش في ظروف الموت في لبنان". 



لاجئ بلا حقوق 

حقوقيا، تنشط مؤسسات حقوقية فلسطينية في المناورة بما يتيحه الواقع الأمني والسياسي في لبنان من هامش، فالمؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان-شاهد من المؤسسات التي تسعى إلى الوقوف عند معاناة الفلسطينيين القادمين من سوريا.

ويتحدث مدير مؤسسة "شاهد" الدكتور محمود الحنفي لـ"عربي21" عن أوضاع مأساوية للاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا، ويقول "إنهم لا يتمتعون بأي حقوق وإقامتهم في البلد غير قانوني، ويجري اعتقال من لا يملك أوراق إقامة في البلد"، كاشفا أن الدولة اللبنانية "منحتهم مهلة لنهاية العام الجاري لتسوية أوضاعهم".

وعن سيناريو مستقبل اللاجئين بعد انتهاء هذه المهلة يقول حنفي إنه لايوجد سيناريو محدد، ولكنه يستبعد أن يجري ترحيل اللاجئين، و"لكن من الممكن أن يجري اعتقال من لا يملك أوراق الإقامة القانوية لعدة أيام والإفراج عنه لاحقا بعد تدخلات انسانية"، مشيراً إلى أن مؤسسته في حالات كثيرة تتواصل مع الجهات المعنية عند حدوث أي إشكال يتعلق باللاجئين القادمين من سوريا، دون أن يظهر في الأفق القريب أي بوادر لحل جذري لأزمتهم.


مؤامرة لتصفية القضية
وعندما تساءل "عربي21" عن اضطرار اللاجئين القادمين للبنان إلى السفر والمغامرة  بحياتهم، أبدى حنفي تفهمه لهذه الخطوة في إطارها الطبيعي "فالإنسان لا يُلام في هذه الحالات" لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لهذه الشريحة من اللاجئين، لكنه يشير في ذات الوقت إلى ما سماها "مؤامرة لتصفية الوجود الفلسطيني في سوريا، وبالتالي تصفية قضيتنا الفلسطينية".

ويؤكد حنفي أن هناك "تجار موت يقومون بتسهيل سفر اللاجئين الى أوروبا"، ويشير إلى متابعة مؤسسته لـ"حالات معينة مع السفارة الفلسطينية في السودان فيما يتعلق بعصابات وسماسرة يسهلون للاجئين الحصول على تأشيرات دخول للسودان ليتم من خلالها السفر الى ليبيا ثم إلى أوروبا عبر قوارب الموت".
التعليقات (0)