لم يكن
اليمنيون يودون في مستهل الخطوة الأولى نحو الحلم بوطنٍ جميلٍ ودولةٍ قويةٍ، رؤية مشاهد سيئة كهذه التي تمر أمام أعينهم، حيث تتغول جماعة مذهبية مسلحة، وتتوسع وتقتحم
صنعاء، وتمضي في فرض مشروعٍ أحاديٍ وتطوي إنجازات ثورة الـ11 من فبراير 2011، وتضع حداً لعملية الانتقال السياسي، وتفعل كل ما فعلته تحت مظلة الدولة، وبإسناد من جيشها وأمنها، وبمباركة من سفارات الدول العربية والأجنبية المؤثرة.
وما من حصيلة نهائية لكل ما يراه اليمنيون اليوم، سوى فقدان الدولة أو إعادة صياغتها على أسس جديدة وبواسطة مراكز قوى جديدة، لتصبح جزءاً مأزوماً ومتفجراً، من الخارطة السياسية للمنطقة الملغومة بالأزمات والصراعات.
وما من معنى لهذا سوى أن اليمن ما تزال موعودة، لا سمح الله، بدورات جديدة من الصراع والعنف والدماء، ساحتها الكبرى العاصمة صنعاء، التي بدأت تفقد ضمانات العيش المشترك الآمن والكريم، وتتحول من مدينة جامعة وحصن للدولة، إلى جزء من إشكالية بقاء الدولة وحضورها وفعاليتها.
لا أعتقد أن الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي كان جزءاً من سيناريو إسقاط صنعاء، يمتلك هامشاً كافياً للحركة وللتعامل مع التطورات غير المتوقعة التي فرضتها الجماعة الحوثية في العاصمة، وخرجت بسبب عن السيناريو المتفق عليه مع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية التي ساعدت الجماعة على اقتحامها.
وعلى الرغم من أن سيناريو إسقاط صنعاء، الذي انطوى ضمناً على الهدف الأساسي، وهو إنهاء نفوذ القوى السنية، فإن الحقيقة المرة تُؤكد أن الرئيس هادي لم يعد يمتلك الفرصة ذاتها للإمساك بصنعاء وبالدولة انطلاقاً منها، لأن إرادة المليشيا ولاعبين آخرين من داخل النخبة الزيدية، هم من يتحكمون بصنعاء ويمتلكون الفرصة لفرض نفوذهم منها على بقية مناطق الدولة.
لقد رأينا كيف أن صلاحية قرار الرئيس هادي تكليف مدير مكتبه، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، بتشكيل الحكومة الجديدة، لم تستمر لأكثر من 6 ساعات، لقد أسقطه
الحوثيون وحليفهم صالح، الذي ما يزال يتزعم المؤتمر الشعبي العام، وهو حزب الرئيس هادي أيضاً.
لم يسقط بهذا التصعيد، قرار الرئيس هادي الذي ينتمي إلى المحافظات الجنوبية، وإنما أيضاً سقط خيار الحراك الجنوبي، الذي رشح بن مبارك لمنصب رئيس الحكومة، بعد أن تعذر التوافق على بقية الأسماء المرشحة لهذا المنصب من بقية الأطراف السياسية، الأمر الذي أحدث أول مواجهة سياسية حقيقية بين الحوثيين ومكون الحراك الجنوبي الذي تشارك معهم العديد من المواقف داخل مؤتمر الحوار الوطني، بما في ذلك الطرح المشترك لخيار تقسيم الدولة إلى إقليمين.
لقد أدرك الحراكيون الجنوبيون أن الحوثيين مثلهم مثل غيرهم من القوى الزيدية المهيمنة على القرار في صنعاء فيما يتعلق بالموقف من الجنوب، ولهذا تبنى الحراكيون بكل فصائلهم موقفاً حاداً من التصعيد الحوثي ضد قرار تعيين الجنوبي بن مبارك لمنصب رئيس الوزراء.
وبدا لافتاً الموقف الصادر عن رئيس مكون الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار الوطني، ومستشار الرئيس هادي، ياسين مكاوي، الذي نعى العملية السياسية، نتيجة التصعيد الحوثي الأخير، وهو تصريح، يعكس حجم الإحباط الذي يسيطر على أقرب الفصائل الحراكية إلى العملية السياسية. وقد دفع هذا التصريح بالرئاسة اليمنية، إلى الطلب من مستشاري الرئيس والوزراء عدم الإدلاء بأي تصريح سياسي.
وأعتقد أن التظاهرة المليونية التي يجري الإعداد لها من قبل الحراك الجنوبي، ويزمع إقامتها يوم الثلاثاء القادم في مدينة عدن، لن تتجاهل قضية إفشال قرار رئاسي بتعيين رئيس وزراء رشحه الحراك، على الرغم من أن معظم الفصائل الحراكية، تحرص على اعتبار أن ما يجري في صنعاء شأن يمني لا يعنيها، بل ستعتبر ذلك دليلاً إضافياً على استحالة البقاء جزءً من اليمن، خصوصاً وأن الذي استهدف الجنوبيين، هم الحوثيون الذي يرضعون من ثدي إيراني واحد مع الفصيل الحراكي الذي يتزعمه الرئيس علي سالم البيض.
يبدو أن الأمور تسير نحو احتمالات بالغة السوء تتهدد مصير اليمن موحداً ومجزأً، مدفوعة بعامل الحضور المستفز للحوثيين في صنعاء كقوة مهيمنة ومتحكمة بالعاصمة، لن تتوقف تداعياته على تفجير الأربعاء الانتحاري بميدان التحرير في قلب العاصمة، بل قد نرى نهاية مأساوية للنظام الانتقالي القائم بكل ما ستخلفه هذه النهاية من احتمالات خطيرة، خصوصاً وأن القوى السياسية والشباب الثائر، لن يحتملوا إقصاءهم، على هذا النحو من ساحة الفعل السياسي، ولن يقبلوا بالخضوع لسلطة شمولية جديدة في صنعاء.