كتب بول ميسون مراسل القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني عن
غزة وتجربته في تغطية أحداثها قائلا "أقوم بنقل أخبار غزة منذ أسبوع وسط تدفق الموتى والجرحى المدنيين الذين ينقلون على العربات، الوجوه المليئة بالذعر تنظر إلي، وليل أقضيه في مدينة بلا نور وتتعرض للقصف، وتوصلت لنتيجة لم أكن أتوقعها: غزة "تعمل".
ويواصل الكاتب وهو المحرر الإقتصادي في القناة "ما أعنيه، إذا أخذنا بعين الاعتبار المصادر والاتصالات مع العالم الخارجي والوقت، فيمكن لهذا الكيان الصغير العمل بشكل طبيعي" مشيرا لرملها الناعم وسمائها الزرقاء الصافية وبحرها الأزرق "وقد تصبح محط رحال السياح".
ويقول إن غزة لديها خزان ضحم من الرأسمال البشري المتعلم، مع أن معظم سكانها يعملون خبراء في المعالجة النفسية، فيما تقف فنادقها على شاطيء البحر فارغة. ويحاول النُدُل المصابون بالإحراج غلي القهوة على شعلة واحدة، فيم يتسلل صيادوها 20 ياردا في قواربهم، والحرب لا تبعد عنهم سوى 100 يارد وذلك خلال وقف إطلاق النار المتقطع.
ويشير للحياة اليومية الصعبة حتى للذين يملكون المال ولديهم أصدقاء في الغرب، فطوابير للمال طويلة، فيما فرغت محطات الوقود، وتأثر مستخدمو الإنترنت بسبب انقطاعها المتكرر. ويقول ميسون "قابلت امرأتان متعلمتان وعاملتان، دمرت شققهما في بناية كبيرة، وهما تعانيان الآن من نفس المصاعب، وتقفان أمام طوابير المياه، وتعانيان من فقر النظافة وفقدان البيت، ومع أن حمل حقيبة جميلة لا يستثنيك من المعاناة، فالعملية في الشواقل ولكن ما يثير اهتمام الفلسطينيين أكثر هو الذهب، فثروة الفلسطينيين هي على شكل الذهب والمجوهرات، وهناك أكثر من 250.000 فلسطيني شردتهم الحرب ويتحركون في داخل مدارس مكتظة بمن فيها وغير نظيفة، فأن تنام إلى جانب حمير الفقراء، لا يثير دهشة من يملكون الذهب وهم ينتظرون جميعا القذائف لتنزل عليهم".
رغم كل هذا فغزة تعمل بسبب إرادة أهلها، فمع أن حماس تسيطر عليها منذ عام 2007، فهي تدار من جماعة مصنفة كجماعة إرهابية وتعيش حكما إسلاميا، وهي- أي غزة- غير قادرة على الإعمار بعد الغزو
الإسرائيلي 2008-2009 وبدلا من ذلك بنى الغزيون الأنفاق- ولا أحد يعرف طولها- حيث يعيش الجناح العسكري لحماس- كتائب القسام ويخزن صواريخه ويقاتل منها- كما واستخدمت الأنفاق لنقل الحاجيات الضرورية خلال سبع سنوات من الحصار.
ويواصل حديثه عن غزة "من الغرابة بمكان أن ترى مكانا في معظم اليوم وكأن حماس ليست موجودة، حيث تقوم الشرطة من غير حماس بالحفاظ على النظام، وتتحرك النساء السافرات بحرية إلى جانب النساء المحجبات، ويشاهد الأطباء الذين عادوا من كندا وألمانيا العظام المهشمة للشباب الذين عاشوا وقد يموتون في هذا الشريط الساحلي الصغير، فيما يلعب ويتصارع ويقفز ثلثي السكان لأنهم أطفال".
ويضيف "عندما تنتهي هذه الحرب لن يحدث شيء جيد لغزة حتى يتم رفع الحصار وإنهاء الحواجز عنها، بالتأكيد فنسبة 40% من المناطق الحضرية فيها لم تعد صالحة للعيش بسبب الدمار، وستعاني غزة من أزمة إنسانية حادة ولشهور عدة".
ويرى أن "حل الأزمة ليس أمرا متعلقا بجهود المنظمات غير الحكومية فقط، فالطريقة التي ستحل بها ستملي إن كانت غزة ستعيش أم لا".
ويقول إن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" التي فتحت مدارسها لتدفق عدد كبير من الناس تقول إن غزة تقف "على شفير الهاوية"، مشيرا إلى أن المستشفى الذي زاره يرقد فيه 95 مصابا بشظايا وقنابل بحاجة للعلاج وليس فيه سوى ستة أسرة للعناية المركزة.
"المنطق يقول إما أن يتدفق الدعم للداخل وعلى قاعدة واسعة أو يتدفق الناس للخارج، ليس غدا ولكن مع مرور الأسابيع بدون طاقة كهربائية أو نظافة، يخشى الفلسطينيون من استخدام إسرائيل الأزمة وتحرمهم من العودة لأراضيهم التي شردوا منها أو لمعسكرات في مصر.
ويضيف "زرت بلدانا إسلامية تتمتع بمستوى عال من المحافظة، وتدني التعليم والشك من الأجانب، لكن غزة ليست واحدة منها، فقد التقيت وبشكل مستمر مع أناس متعلمين يتحدثون الإنجليزية، مرحين وودودين، وهو أمر مثير للدهشة إن أخذنا درجة الرعب الذي يعيشون فيه، فالعالم لم يعط هذا العدد الكبير من المتعلمين والناشطين حتى يضع 1.8 مليون فلسطيني يعيشون خلف القضبان الحديدية والكتل الإسمنتية التي يحدد حركة غزة. لم أعد أتذكر عدد المرات التي التقيت فيها بشباب أعمارهم تتراوح ما بين 18-19 عاما، كلهم فخر، وليسوا مقاتلين أو متشددين. وعندما تسأل عما يعملون تكون الإجابة "نجارون"، يتعاملون مع الخشب وليس الحديد أو الإشارات الكمبيوترية- وكل هذا بسبب الحصار".
ويقول إن الكثير من الشباب تقبلوا واقعهم "العيش هو كالموت" العبارة التي تتردد على ألسنة الشباب وهو ما يدفع الشباب للانضمام للجماعات المقاتلة ولكن مقابل هذا الحس هناك نشاط وحركة تقوم بإصلاح واجهة البيت سريعا بعد تفجيره أو الجلوس على الحصير لعمل الخبز بعد تسوية البيت بالتراب.
ويختم بالقول هناك طريق لإنعاش الحياة الإقتصادية في غزة، ولأن الحرب خلفت مرارة فالطريق من إسرائيل ليس واحدا منها، أما الآخر فهو من مصر، وهذه الأخيرة تملك مفاتيح الإزدهار في القطاع ودمجه في الاقتصاد العالمي. "افتحوا معبر رفح وعندها لا تعود هناك حاجة للأنفاق. وبالنسبة للعالم فقد أضحى هذا المجتمع الفقير والبائس علامة على المستحيل واليأس، ولكن لم يقل أحد للغزيين أنني وجدتهم ممتلئين حيوية وأملا".