كتاب عربي 21

علة الرجل الغباء

جعفر عباس
1300x600
1300x600
قلت مرارا في مقالاتي إنني أتفادى الخوض في القضايا السياسية الراهنة لأنني أكره اللت والعجن، ولأنه ليس عندي ما أضيفه إلى ما يكتبه غيري حول تلك القضايا، ولكن وعلى كثرة الكلام الذي بُذِل حول الأوضاع في العراق، خاصة بعد احتلال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) لثلث أراضي العراق، لم أجد كاتبا واحدا يقول بصريح العبارة ما هو أُس علة العراق في السنوات الأخيرة، وصحيح العبارة يقتضي أن يكون سؤالي: "من هو" أس تلك العلة؟

والإجابة على السؤال معروفة حتى لدى مستر "بين"، وهيفاء وهبي التي يقال إنها تحسب اليوبيل الذهبي نوعا من الحلي (إكسسوار)، فنوري المالكي هو علة وسبب علة عراق ما بعد صدام حسين، لأنه قرر أن ينتعل حذاء أكبر من مقاس قدميه، وهذا أمر لا يقدم عليه إلا غبي، ولأنني لا أميل إلى اللف والدوران واللت والعجن، فإنني أقول صراحة إن نوري المالكي غبي عصامي، يعني كان أصلا غبيا عندما صار رئيسا لوزراء العراق للمرة الأولى عام 2006، وكلما طال بقاؤه في ذلك المنصب استطال غباؤه، واستشرى بم تصف رجلا شغل رئاسة الوزارة في بلده لولايتين متتاليتين، دون أن تكون له نقطة بيضاء واحدة في سجله؟

ثم يناور ليبقى في المنصب ولو أدى ذلك إلى استنساخ التجربة السودانية بجعل أجزاء من العراق "دارفور" وتحويل مليشيات حزبه إلى جنجويد، وكما استعان السودان بعبد المعين (تشاد) استعان المالكي بعبيد المعين (إيران)، التي يتم فيها انتخاب رئيس الجمهورية ليأتمر بأمر شخص غير منتخب وغير مسموح بانتقاده لأنه "معصوم"، وما يحزنني كشخص مارس التدريس وأحبه، أن المالكي أساء لسمعة المعلمين، فجُل خبرته المهنية انحصرت في مجال تدريس اللغة العربية، والمعلمون أكثر المهنيين التصاقا بالجماهير وقدرة على التواصل معهم، ومع هذا يسبقهم العسكريون (في العالم العربي على وجه الخصوص، وهم أقل خلق الله التصاقا بالمواطنين) إلى كراسي الحكم.

والمالكي "قصّر رقاب" المعلمين لأنه يكاد أن يكون المعلم الوحيد الذي تبوأ منصبا سياسيا وفشل فيه بامتياز مع مرتبة الـ"فرش"، وهذه عكس مرتبة الشرف، ينالها من يجعل من بلاده فرشا تطؤه حوافر الدبابات وسنابك المجنزرات وهي تفتك بالناس، ففي الولايات المتحدة وحدها شغل منصب الرئاسة عشرة معلمين أذكر منهم جون آدمز وليندون جونسون وجيمي كارتر والرئيس الحالي باراك أوباما، وآل غور الذي كان نائبا للرئيس الأسبق بيل كلينتون كان يدرس الإعلام.

 أما المعلم الذي يبدو أن المالكي اقتدى به فهو ينيتو موسوليني، فديكتاتور إيطاليا الذي شبع ضربا بالنعال في ميلان (حتى وهو ميت بعد تنفيذ حكم الإعدام عليه) هجر العسكرية وعمل بالتدريس، ومثل المالكي اقتحم ميدان السياسة وأسس الحزب الفاشي الذي نكل بالإيطاليين الشرفاء، ثم راهن على ألمانيا النازية، وجر على بلاده الخراب والدمار، وصار موسوليني رئيسا لوزراء إيطاليا بالانتخاب الحر في عام 1922، وكما فعل المالكي بعده بعدة عقود، فقد تلاعب بالدستور والقانون ليبقى في المنصب إقامة "دائمة" مستعينا بجماعته "ذوي القمصان السوداء".

أليس غبيا من يشغل منصب وزير الدفاع والأمن والقائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الوزراء وقائد مليشيات حزب الدعوة، في أغنى دولة عربية من حيث الموارد (أرض وماء ونفط وغاز وكوادر بشرية متمرسة)، ويشتري عتادا عسكريا بـ30 مليار دولار، ثم يفشل في إقناع جنوده الذين يربوا عددهم على 200 ألف للصمود أمام داعشيين لا يزيد عددهم على ألفين (2000)؟

أليس غبيا مع سبق الإصرار والترصد من يعتبر نصف مواطني بلده من "البدون": بدون حقوق وبدون أهلية وبدون أهمية، ثم يحلم بأن ينام قرير العين هانيها؟

باختصار فإن داعش صارت قوية لأن حكومة المالكي غبية، ولأن الحكم هوى فقد طارت نينوى، وسقوط الموصل يقول للمالكي "حان الأجل"، وللأكراد مبروك كركوك.
التعليقات (0)