حذر تقرير صادر عن "مركز
كارنيغي للشرق الأوسط"؛ من "خطورة" الرهان على إسقاط نظام الرئيس بشار
الأسد بشكل عسكري، على الرغم من أن الفصائل المقاتلة أظهرت تماسكا في الميدان والقيادة منذ أيلول/ سبتمبر الماضي وأصبحت بمنأى عن الهزيمة.
وذكر الباحث الرئيسي في المركز ببيروت يزيد صايغ، في التقرير الذي نشر على الموقع الرسمي للمركز على شبكة الانترنت، أن تعليق الآمال على وعد الثوار بإسقاط النظام أو حتى إضعافه أكثر "أمر خطر" بالرغم من مثابرتهم على تحقيقه، معتبرا أن المشاكل التي تواجهها الثورة المسلحة "تجعلها أكثر هشاشة وضعفاً من أي وقت مضى.. وإذا صح قول البعض على الأرض أنه كلما طال الصراع المسلح كلما قلّت مساحة الأرض التي تسيطر عليها المعارضة، فإن الثورة سوف تضمحلّ على نحو أسرع مما يمكنها أن تتماسك وتقوى من الآن فصاعداً".
ولفت إلى أن "التماسك الواضح" الذي أظهرته الثورة
السورية في الميدان وعلى مستوى القيادة منذ أيلول/ سبتمبر 2013، ليس كافياً لهزيمة نظام بشار الأسد.
وأشار صايغ الى أن تعليق الآمال على وعد الثوار بإسقاط النظام "أمر خطر"، معتبراً أن المشاكل التي تواجهها الثورة "تجعلها أكثر هشاشة وضعفاً من أي وقت مضى".
ورأى أنه على الرغم من أن الثورة المسلحة ما زالت بـ"منأىً عن الهزيمة"، إلا أنها وصلت إلى مرحلة "عدم الصعود على الصعيدين العسكري والسياسي"، حيث أن حالة التشرذم والمنافسة بين جماعات الثوار "لا تزال قائمة".
وأوضح الصايغ أن "تقديرات تحظى بالصدقية تقول إنه لم تطرأ أي زيادة على العدد الإجمالي للثوار خلال العام الماضي"، مشيراً إلى أن هذا الواقع "يدلّ على أن الثورة تعاني من تقلّص مخزون المجندين الجدد المحتملين".
وحذر من "تنامي الانفصال بين المكوّنات المختلفة للثورة السورية"، من المعارضة السياسية الرسمية، والثورة المسلحة، والقاعدة الشعبية للناشطين، ومسؤولي الإدارة المحلية في المناطق المحررة، إلى هيئات الإغاثة، معتبرا أن هناك أجزاء رئيسة من الثورة المسلحة "غير راغبة أو غير قادرة على الاندماج في هذه الهيكلية الأوسع، واختارت بدلاً من ذلك محاولة الحلول مكانها".
وقال صايغ في تقريره إنه "ما لم يتمكّن الثوار من التغلّب على التشرذم الداخلي الذي يعتري صفوفهم، ويصبحوا جزءاً من المعارضة الأوسع، فإن قدرتهم على عكس الاتجاهات في ساحة المعركة والبقاء على قيد الحياة على المدى الطويل ستكون موضع شكّ".
وأوضح أن للسعودية الدور الأبرز في المساعي القائمة من أجل المزيد من الوحدة والتماسك بين جماعات الثوار "فقد زادت الرياض بشكل حادّ حجم تمويل الثوار منذ آب/ أ غسطس 2013 كجزء من محاولة لحمل الثوار على التقارب السياسي والعملياتي مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، معتبرا أن المكاسب الفعلية التي تحقّقت "كانت أكثر تواضعاً مما كان متوقَّعاً".
وقال ان تضخم صفوف المجلس العسكري الأعلى "كان بفضل وعود بتقديم التمويل والسلاح من المملكة العربية السعودية، وكذلك الضغط السياسي المتواصل من جانب المملكة، و تقّبل الولايات المتحدة الحديث الشأن في التعامل مع القوى الإسلامية التي لا ترتبط بتنظيم القاعدة"، معتبراً في الوقت نفسه أن "الزيادة الحادّة" في التمويل السعودي واستعداد دولة قطر المستمرّ لرعاية جماعات منافسة لتلك التي تدعما الرياض "أسهمت أيضاً في إشعال فتيل المنافسة، ما أدّى إلى إذكاء ميل الثوار إلى التشرذم".
ورأى أن التوجه الإسلامي لبعض التجمعات في سورية من دون أن تتوحّد "يدلّ بوضوح على قوة الدينامية التنافسية"، مشيرا الى أنه على سبيل المثال، يتكوّن فيلق الشام الذي تشكّل في حلب في آذار/ مارس 2014؛ من جماعات كانت في السابق جزءاً من هيئة حماية المدنيين، التي تعتبر مقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين في سورية، وفي الوقت نفسه أسّس إخواني مخضرم الحركة السورية للإصلاح والبناء، ورعت جماعة الإخوان شبكة من الجماعات الثورية التابعة بصورة فضفاضة تحت مظلة هيئة دروع الثورة منذ أواخر العام 2012.
وأضاف أن توحيد القوى المتواجدة على الأرض ما زال متوقفاً "على نحو مثير للقلق"، معتبرا أن هذا يجعل
الثورة السورية "عرضة للتقلّبات السياسية لمؤيّديها الإقليميين الرئيسيين الذين تقف خصوماتهم حجر عثرة في طريق تحقيق التكامل الحقيقي بين الثوار وتوحيد صفوفهم".
وقال إن عدم توفر قيادة سياسية للثورة المسلحة "تتمتّع بالصدقيّة" لتسوية هذه الديناميات المختلة أو التخفيف من وطأتها على الأقلّ "سيضعف تماسك الثورة، وسيعطي قوات النظام مزايا تكتيكية كبيرة، بينما يعوق بشدّة قدرة الثوار على الانتقال إلى الهجوم الاستراتيجي".
واعتبر أن نجاحات الثوار تبقى تعتمد على دور جماعات قليلة تملك قدرات متفوقة ومثبتة مثل جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، موضحا أنه من المفارقات أن التوجّه السلفي المعلن من جانب الكثير من الثوار يكشف أنهم "يركّزون بصورة ضيّقة أكثر من أي وقت مضى على ما يعتبرونها حاضنتهم الاجتماعية الطبيعية، والتي تتكون بشكل كبير من السكان الريفيين المهاجرين المحافظين والريفيين المتمدّنين في أحزمة الفقر حول المدن السورية".
وشدد على أن هذا يحدّ من نطاق الثورة المسلحة ويقلّص قاعدة تأييدها، ويعزّز الاتجاه نحو "فكّ الارتباط السياسي والانسحاب من النشاط العلني بين دائرة كبيرة من الناشطين المدنيين الذين لم يتبنّوا اتجاه العسكرة"، سواء في المناطق التي يسيطر عليها النظام أو تلك التي تسيطر عليها المعارضة.
وقال إنه على الرغم من أن الثورة المسلحة في سورية تضمّ الكثير من الجماعات المؤيّدة للديمقراطية، إلا أن نشر الميثاق السياسي للجبهة الإسلامية (مشروع أمة)، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 "أظهر أن الاتجاه نحو السلفية لم يتغيّر".
ورأى الباحث الرئيسي في "كارنيغي" أن إضفاء الطابع الرسمي على الأجندة السلفية وترسيخها "يمكّن بعض جماعات الثوار الإسلاميين من تعبئة قاعدتهم الاجتماعية واستخدام الموارد والفرص على نحو أكثر فعّالية"، مضيفا أن هذا "سينفّر الشرائح الاجتماعية الأخرى من علويين وغير المسلمين والطبقات الوسطى الحضرية بما في ذلك الكثير من السنَّة، الذين تراجع نشاطهم العلني على الرغم من كراهيتهم لنظام الأسد".
وأشار إلى أنه لو نجحت المعارضة السورية في بناء جبهة موحّدة، يمثّل فيها الثوار السلفيون دائرة واحدة، في حين تمثّل الأحزاب السياسية والحركات الشعبية المختلفة الدوائر الأخرى بصدقيّة "لما كان لهذه المخاوف من أهمية".
وشدد على أن دعم الثورة المسلحة في سورية عن طريق توريد الأسلحة والتدريب وزيادة القدرة العملياتية من خلال بناء هياكل القيادة والتنسيق "لن تكفي لحل العيوب الكامنة والتحدّيات الاستراتيجية التي تواجهها"، معتبرا أن "عناد" الثوار عكس الاستياء العميق لدى قاعدتهم الاجتماعية إزاء عقود طويلة من سوء إدارة النظام لموارد البلاد.