ملفات وتقارير

يسار المغرب يطلق النار على نفسه على الهواء مباشرة

المتحاورون خلال البرنامج - التلفزيون المغربي
المتحاورون خلال البرنامج - التلفزيون المغربي
تحول لقاء تلفزيوني عن "أزمة اليسار بالمغرب" إلى حلقة لجلد الذات، حيث أكد أكثر من ممثل عن أحزاب يسارية بالمغرب، أن اليسار المغربي يعيش حالة عزلة عن المجتمع، وتحول إلى مجموعة من المتصارعين على المناصب والامتيازات فيما يشبه عملية إطلاق للنار على النفس خلال برنامج "مباشرة معكم" الذي بثته القناة المغربية الثانية ليلة الأربعاء.

وذكر المشاركون ضمن عناصر أزمة اليسار مؤشرات عن التحكم الخارجي في القرار السياسي والانتخابي لبعض الأحزاب اليسارية، كما أن مكونات اليسار سواء منها المشاركة في الحكومات أو ما يوصف بالراديكالية فقدت التأثير في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما صرح بذلك عبد السلام العزيز، عن "فدرالية اليسار الديمقراطي" التي شكلت من ثلاث أحزاب بحر الشهر الماضي.
 
وعن واقع اليسار المغربي، قال المحلل السياسي عبد الحفيظ اليونسي، في تصريح لـ "عربي21" إن اليسار المغربي لعب دورا مهما في التحولات التاريخية الكبرى التي عرفها المغرب، غير أن اليسار بطبيعة هويته "ينزع نحو الانقسام والتشظي" وهو ما يفسر كون "جميع محاولات توحيد اليسار باءت بالفشل لوجود اختلافات إيديولوجية جوهرية وتباين وجهات النظر وتناقضها في قراءة الظرفية السياسية".
 
وتابع اليونسي الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمدينة آسفي (وسط المغرب) حديثه بالقول، "إن الفاعلين من داخل الحقل الحزبي اليساري فقدوا مصداقيتهم السياسية لما ارتبطت مجموعة من قضايا الفساد برموز اليسار"، وخلص اليونسي إلى أن الرصيد اليسار النضالي معرض للاندثار بفعل تحول أهم الفاعلين فيه إلى أداة  لمواجهة القوى الديمقراطية أو القوى التي تهدف إلى إحداث تحول ديمقراطي بالمغرب".

ونصح عدد من المتدخلين اليسار المغربي (ثمانية أحزاب)، بضرورة تدارك الفقر النظري الذي أصبح يعرفه وبأهمية مراجعة أفكارهم القديمة وعدم الجمود عليها لأن ذلك يعني موت اليسار، في هذا الصدد قال عبد الجليل طليمات عن الاتحاد الاشتراكي، "إن اليسار يعيش فقرا نظريا وعليه فحص مرجعيته وأن يدخل المرجعية الدينية في أدبياته السياسية".
 
في نفس البرنامج أكد عدة محللون، أن مفهوم الزعيم عند اليسار اليوم لم يعد بالفكرة أو البرنامج بل بقدرته على خلق دائرة زبناء وتوزيع المكاسب المادية والمعنوية عليهم، كما صرح بذلك الإعلامي والمحلل يونس دافقير.

وأكد دافقير أن صورة الزعيم التاريخي اليساري اهتزت وأنه لم يعد قادر على إنتاج أفكار قادرة على التعبئة، وأن اليسار أصبح  ينتج قيادات صدامية خاصة اتجاه الإسلاميين بدل إنتاج الأفكار والبرامج.

وتابع دافقير رئيس تحرير "الأحداث المغربية" أن اليسار يقدم زعامات تمارس العنف اللفظي مشيرا بهذا الصدد للاتحاد الاشتراكي وأيضا حزب الاستقلال.
 
وعن موضوع وحدة اليسار وتجارب الاندماج أجمع مختلف اليساريين المشاركين بالبرنامج على استحالة موضوع انصهار أو توحد اليسار في حزب واحد، مسجلين فشل عدد من المحاولات في هذا الاتجاه، كما رفض بعضهم فكرة ابتلاع حزب يساري لباقي الأحزاب، أو ما يحدث من مزايدة في الانتماء لليسار أو الارتباط بالحركة الوطنية أو في معاناة القتل والاعتقالات في زمن الرفاق.

ممثل حزب التقدم الديمقراطي سعيد الفكاك أكد أن اليسار عليه التوقف عن التباكي وتمجيد الماضي "لأن المواطن اليوم عنده مشاكل في الشغل والصحة والتعليم" وأردف "ينبغي إعادة صياغة اليسار بطرق جديدة لا العمل بنفس آليات قبل سقوط جدار برلين لأنه لا يمكن أعادة الزمن للوراء".
 
وفي نفس المحور سجل دافقير، محدودية مبادرات الاندماج وفشلها معتبرا عودة الحزب العمالي والحزب الاشتراكي للاتحاد الاشتراكي مجرد ضربة إعلامية لا وزن لها في مسار وحدة اليسار، فضلا عن تحالف حزب بنعتيق مع أكثر كن حزب في ظرفية وجيزة.
  
 أزمة الاتحاد الاشتراكي وصراعاته الداخلية احتلت مساحة كبيرة من النقاش ببرنامج القناة الثانية الذي يقدمه الصحفي جامع كلحسن، وفيما سجل دافقير، أن ما يحدث للاتحاد الاشتراكي يعد شوط ثانيا من جولة الصراع بالمؤتمر الأخير وأن هذا الصراع  نزعة من الانتقام والشخصنة. اعتبر ممثل الاتحاد بالبرنامج طليمات، أن الاتحاد الاشتراكي عاش أزمة وانفرجت وان الاختلاف داخله كان حول البرامج إلى حدود سنة 2007.

كلمة الأستاذة الباحثين كانت حاضرة بالبرنامج، وضمنها سجل أستاذ علم الاجتماع إدريس بنسعيد، أن ما يحدث داخل اليسار والاتحاد الاشتراكي لا يمكن فهمه بمعزل المشهد السياسي العام بالمغرب والذي اعتبر أن مساحة الفعل الحزبي فيه جد محدودة وأن الأمر فيه إضعاف للأحزاب السياسية. مشيرا إلى أن نظام الاقتراع بالمغرب يشجع استعمال المال ولا يخدم خريطة بالتقاطبات وتحالفات كبرى. 

بن سعيد اعتبر أيضا أن الاتحاد وجد نفسه يدبر فقط، "والخطير هو الفراغ السياسي، وعبارات الشفافية والديمقراطية لدى اليسار ينظر لها اليوم بغير قليل من الارتياب"و أضاف أن "الاتحاد كان يعرف أزمات بشكل إيجابي لكن يبدوا أنها اليوم تذهب في اتجاه آخر".
 
نور الدين الزاهي وصف مكونات اليسار بـ"النخبوية والصغرى وليس له امتداد اجتماعي لم يعد ينتج أفكارا ولا قيم يدافع عنها، لقد تحولوا إلى متصارعين عن الكراسي والمناصب".

وقال الزاهي "بدلا من إعادة التفكير في تحولات المجتمع أنصب على الذات وكأن المشكل الأساسي فيما هو تنظيمي، وتابع فيما يشبه النصح "اليسار عليه العودة للمجتمع ليستوعب أن الطبقة الوسطى أصبحت مغايرة لليسار ولا تتماشى معه".
 
من جهته قال عبد السلام العزيز، عن المؤتمر الوطني الاتحادي وممثل "فدرالية اليسار الديمقراطي" إن مشكلة اليسار في أن الاختلاف يدبر بطرق تؤدي إلى الانشقاق والطرد، وأن جزء من هذه الأحزاب مخترقة في فعلها وقرارها. 

وقال إن على اليسار أن يجعل قراره السياسي مستقلا لأن التدخل في القرار الانتخابي مشكلة حقيقية وهو ما أستفز ممثل الاتحاد الاشتراكي طليمات بالبرنامج دون غيره.
 
يشار إلى أن اليسار بالمغرب عرف انشقاقات عديدة حيث انطلق من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي جاء نفسه بسبب الانفصال عن حزب الاستقلال سنة 1956 إلى عشرة أحزاب تشكل اليوم فسيفساء يساري، وقد عرف اليسار بالمغرب طيلة أزيد من نصف قرن محاولات عدة للاندماج أو التحالف غير أنها باءت بالفشل في مجملها.
التعليقات (0)