سياسة عربية

عباس يشير بـ"لغة الجسد" لحل قضية اللاجئين بالمال

 عباس: يجب أن يشعر اللاجئون بـ "الرضى" عن نتيجة أي حل - (أرشيفية)
عباس: يجب أن يشعر اللاجئون بـ "الرضى" عن نتيجة أي حل - (أرشيفية)
تثير مواقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين جدلًا واسعًا، كونها، كما يقول منتقدوه، تمس بالقوانين الدولية التي تؤكد على أحقية اللاجئين في العودة إلى ديارهم الأصلية التي هجّروا منها، هم أو ذريتهم، مع تعويضهم عما لحق بهم جراء التهجير، وهو حق إنساني ملزم أقرته القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة.



فقد التقط الكثير من المحللين والمواطنين الفلسطينيين، "لغة الجسد" التي استخدمها الرئيس عباس في خطابه الذي ألقاه أمام وفد طلاب الجامعة اليهود في مقر المقاطعة برام الله الأحد الماضي (16|2)، لدى إشارته إلى "حل خلاق" لقضية حق الاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم التي هجّروا منها قسرًا داخل الأراضي المحتلة عام 1948.



فبعد أن أكد أن قضية اللاجئين "مشكلة"، وأنه لا يفكّر إطلاقًا بالسماح بعودتهم إلى قراهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948 خشية "إغراق إسرائيل بخمسة ملايين لاجئي فلسطيني وتغيير تركيبتها الاجتماعية"؛ أشار إلى أنه يجب أن يشعر اللاجئون بـ "الرضا" عن نتيجة أي حل، والذي أكمل حديثه عن "الحلول الخلاقة" وأشار بيده إشارة فهمها الكثيرون أنها دلالة واضحة عن المال.

 

"لاجئ".. صفة متلازمة



يعرّف اللاجئ الفلسطيني بأنه كل من طرد من محل إقامته الطبيعي في فلسطين عام 1948 أو بعده، أو خرج منها لأي سبب كان ولم تسمح له سلطات الاحتلال بالعودة إلى موطنه السابق، ويبقى اللاجئ محتفظا بهذه الصفة إلى أن يعود هو أو نسله إلى موطنه الأصلي، وهو حق لا يسقط بالتقادم، أي بمرور الزمن، مهما طالت المدة التي حرم فيها الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم.



وهذا يعني أن العودة إلى أرض فلسطين، حتى لو كانت تلك الأرض دولة فلسطينية، لا تسقط عنه صفة اللاجئ قانونًا ووجدانًا وفعلاً، ما دام اللاجئ لم يعد إلى موطنه الأصلي، وبالتالي فإن التوطين في أي بلد عربي، بما في ذلك "دولة فلسطين"، لا يلغي صفة اللاجئ والأمر ينطبق أيضًا على نحو 250 ألف لاجئ فلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 منعهم الاحتلال من العودة إلى قراهم الأصلية.



وبحسب قانونيين تحدثت معهم "قدس برس"؛ فإن حق العودة حق غير قابل للتصرف، مستمد من القانون الدولي وبمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض (وليس أو التعويض)، كما أن حق العودة أيضاً نابع من حرمة الملكية الخاصة التي لا تزول بالاحتلال أو بتغيير السيادة على البلاد، وهو حق لا يسقط بالتقادم ومع مرور الزمن، كما أن حق العودة لا يخضع للمفاوضة أو المساومة أو التنازل، ولا تسقط أو تعدل أو يتغيّر مفهومها في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقعت على ذلك جهات تمثل الفلسطينيين أو تدعى أنها تمثلهم.

 

هل يحق للرئيس منع العودة؟



قبل خمسة أشهر؛ أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين زكريا الأغا، أن المنظمة متمسكة بالحقوق والثوابت الفلسطينية المشروعة وفي مقدمتها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين "إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948، طبقاً لما ورد في القرار 194، ورفض توطين اللاجئين في أي قطر عربي أو أجنبي"، كما جاء في نص بيان صادر عنه.



إلا أن ذلك يخالف ما جاء في نص كلمة الرئيس عباس حول اللاجئين الفلسطينيين، أمام الطلاب الإسرائيليين الأحد (16|2) والتي جاء فيها: "في قضية اللاجئين، الدعاية والبروباغاندا تقول إن أبو مازن يريد أن يعيد إلى إسرائيل خمسة ملايين لاجئ ليدمر دولة إسرائيل، لم يحصل هذا الكلام إطلاقًا، لم يحصل إطلاقًا. كل الذي قلناه تعالوا نضع ملف اللاجئين على الطاولة لأن اللاجئين قضية لا بد من حلها لنضع نهاية للصراع، لكي يكون اللاجئون راضين عن النتيجة، ولكن لا نسعى ولن نعمل على أن نغرق إسرائيل بالملايين لنغير تركيبتها الاجتماعية، هذا كلام هراء من يقوله في الصحافة العبرية أو في الصحافة غير العبرية أننا نريد أن نغرق اسرائيل بهذا، هذا غير صحيح. على الاقل ان نضع هذه القضية والمشكلة على الطاولة، هناك مشكل هناك قضية لا بد من حلها بالحلول الخلاقة".



لكن السؤال المطروح الآن؛ هل يحق للرئيس الفلسطيني، كونه ممثل للشعب ومعترف به من الأمم المتحدة، أن يمنع أي لاجئ فلسطيني من العودة إلى أرضه التي هجّر منها؟ الجواب على ذلك جاء على لسان الرئيس عباس نفسه قبل نحو شهر من الآن، والذي يخالف ما قاله في لقائه الأخير بمقر المقاطعة مع الوفد اليهودي.



عباس صرّح في الحادي عشر من كانون ثاني (يناير) خلال لقائه وفدًا شعبيًا من القدس المحتلة بمقر المقاطعة، أن حق العودة يعد خياراً شخصياً، لا تملك السلطة ولا الدولة ولا المنظمة ولا هو شخصياً ولا القادة أن يحرموا إنساناً من حقهم فيه.



وأضاف رئيس السلطة "ربما تكون هنالك خيارات، وعلى اللاجئ أن يختار، فهنالك تعويض وتفاصيل أخرى، لكن حتى الأب لا يستطيع أن يتنازل عن حق أولاده، كونه حق شخصي"، حسب قوله.

 

"التنازل" غير ملزم للاجئين



ترى منظمة "ثابت" لحق العودة في تصريحات عباس أنها تتماشى مع "خطة كيري" الأمريكية، المشروع الأخطر الذي قالت إنه "يستهدف تصفية القضية الفلسطينية وفي مقدمتها حق اللاجئين في العودة إلى وطنهم وديارهم الأصلية في فلسطين قبل عام 1948.

وتؤكد المنظمة أن حق العودة من الحقوق غير القابلة التصرف ولا يحق لأي كان، دولة أو سلطة أو مؤسسة، التفاوض أو التنازل عنه، كما لا تجوز فيه الإنابة ولا يسقط بتقادم الزمن، فضلاً عن كونه حقا فرديا فهو يكتسب الصفة الجماعية لأنه يتعلق بقضية شعب بأكمله ولهذا فهو حق وملك للأجيال اللاحقة.



وتشير في الوقت ذاته إلى أن "الشعب الفلسطيني لم يفوّض أحداً بالتنازل عن حق العودة وإن كل إتفاق على إسقاط حق العودة باطل قانونياً ولاغٍ وسيبقى حبراً على ورق، إذ تنص المادة الثانية من معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 على أن أي اتفاق بين القوة المحتلة والشعب المحتل أو ممثليه باطلة قانوناً إذا أسقطت حقوقه".



أما المختص بشؤون اللاجئين خالد منصور فيعتبر أن تصريح الرئيس محمود عباس فيما يتعلق باللاجئين هو "إسقاط واضح لحق العودة للاجئين الذي هو ثابت لكل لاجئ ولا يحق لأحد مهما كان التفريط به أو التنازل عنه سواء بثمن أو بدون"، معتبرًا التصريح "تنازل خطير وجريمة لا يمكن ان يقبل بها".

 

اللاجئون و"يهودية إسرائيل"



يربط القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وصفي قبها، تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية حول منع عودة اللاجئين إلى ديارهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، بخطة كيري والتي تتضمن الاعتراف بـ "يهودية إسرائيل"، وقال إن تصريح عباس "اعتراف واضح وعملي بيهودية إسرائيل، وقبولاً مسبقاً بمقترحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري".



ورجح قبها في تصريحات لـ "قدس برس" أن تكون تصريحات عباس "مقدمة لتهيئة الساحة الفلسطينية للاعتراف الرسمي بيهودية الدولة الصهيونية"، مبينًا أن أفكارٍاً سبق وأن طرحها نبيل عمرو، عضو المجلس الاستشاري الفلسطيني، تحدث فيها عن مواقف وصياغات "خلّاقة" ستتبناها السلطة الفلسطينية للاعتراف بـ"يهودية إسرائيل".



وحمّل القيادي في "حماس" رئيس السلطة، "وبما لديه من سلطات"، المسؤولية الوطنية والأخلاقية حول أي قرار يمس من قريب أو بعيد حق العودة أو ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني. مؤكداً: "عباس يتحمل كامل المسؤولية عن عذابات اللاجئين في مختلف مناطق تواجدهم في حال قبوله بمضمون خطة كيري وتوقيعه إتفاق الإطار الذي قدمه".

 

تجهيز قوائم "التعويض"



كما يبدو؛ فإن خطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بدأت تشهد عمليات تطبيقية على أرض الواقع؛ فقد كشف مسؤول فلسطيني النقاب عن أن الوزير كيري طلب من الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين، تجهيز قوائم بأعداد وأسماء اللاجئين الراغبين بالبقاء حيثما يتواجدون، أو الانتقال إلى مكان آخر، أو العودة إلى ديارهم وأراضيهم، شريطة الموافقة الإسرائيلية".



وأضاف المسؤول، الذي تحدث لصحيفة "الغد" الأردنية في عددها الأربعاء (19|2)، أن "كيري تقدم بمقترح إلى الدول المضيفة لإعداد قوائم، يتم من خلالها معرفة تصنيف اللاجئين وفق الوجهة التي يريدون قصدها، والأعداد لكل منها، بما يلزم في مسألة حساب التعويض، سواء للاجئين أم للدول نفسها".



وأوضح بأن "مطلب كيري ينسجم مع ما سبق وأن طرحه لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق خياراته الأربعة، والتي ليس من بينها حق العودة".



وكان كيري قد طرح حل قضية اللاجئين ضمن خيارات الانتقال للعيش إلى كندا أو العيش في الدولة الفلسطينية المستقبلية، أو البقاء "التوطين" في أماكن تواجدهم، لاسيما الأردن، الذي يستضيف أكثر من 42 في المائة من إجمالي نحو ستة ملايين لاجئ في أراضيه.

واما أن يتقدم اللاجئ بطلب للإقامة في الكيان الإسرائيلي، الذي يقوم بدوره بدراسته وفق معاييره وأسسه، ضمن إطار إنساني بحت، ولأعداد قليلة، بعيدا عن تحمل أي مسؤولية سياسية وتاريخية تجاه قضية اللاجئين.
التعليقات (0)