لم يشفع لوزير الخارجية الأمريكي جون
كيري (
خطة الإطار) التي حملها الى المنطقة، وانعكاساتها المصيرية -إن طبقت- على مستقبل القضية الفلسطينية، في معرفة مواطنين لهذه الخطة ومضامينها، ولم يشفع لكيري طوله المميز (193 سم) في معرفة عدد من الفلسطينيين له، رغم أن الرجل سعى الى أن يكون صاحب وجه مألوف للفلسطينيين من خلال زياراته المتكررة إلى المنطقة، ولفت الأنظار ووسائل الإعلام من خلال أكله لـ"الشورما" من أحد مطاعم رام الله.
بعض المواطنين في حديثهم مع "عربي21" عزوا عدم اهتمامهم للتطورات الحاصلة إلى التشاؤم الذي أصابهم من إمكانية التوصل إلى حل مع الاحتلال الاسرائيلي الذي يرسخ وجوده بالضفة الغربية عبر
التوسع الاستيطاني المتصاعد ومصادرة الأراضي، وتشكيكا بحيادية الإدارة الامريكية في تعاملها مع القضية الفلسطينية، إضافة الى انشغال المواطن بهمومه اليومية.
منير أبو داوود يعمل بائعا على إحدى البسطات في مدينة جنين يقول بحرقة: "يا رجل كل هذه المفاوضات فاشلة وتضييع للوقت، ما هي إلا عبارة عن إبرة مخدّر يعطيها
الإسرائيليون والأمريكان للشعب الفلسطيني، فكلما تنتهي جرعة يقومون بتقديم جرعة أخرى لنا كالمدمنين على المخدرات، وهذا ما هو إلا صراع بيننا وبينهم إلى يوم الدين".
الشاب أمان حردان قال: "أنا ضد المفاوضات لأنها تجبر الفلسطينيين على شيء لا يريدونه، ومنذ زمن ونحن نسمع عن المفاوضات لكن دون نتيجة، فالحواجز الإسرائيلية لا تزال كما هي والاعتقالات وكذلك الاقتحامات الليلية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي لا تزال، كيف تكون هناك مفاوضات وباليوم التالي هناك شهداء واعتقالات؟ ما الذي جلبته لي المفاوضات؟!". ويتعجب ويتساءل حردان: "أنا ضد خطة كيري فهي لمصلحة إسرائيل، كيف سيكون هناك دولة فلسطينية دون سلاح؟! فقط دولة شرطية دون وجود للجيش وقوات الأمن الفلسطينية! والأغوار باعتبارها سلبت طالما ستكون تحت السيطرة الأمريكية، والمستوطنات ستبقى مثل مستوطنة اريئيل، فماذا بعد؟ هل هناك شيء في هذه الخطة لنا؟".
المواطن إياد عبيد، الذي يعمل سائق تكسي يستغرب: "ما هي خطة كيري! لم أسمع عنها إلا في الإذاعات لطبيعة عملي أولاً. أما ثانياً فنحن مللنا من المفاوضات وكيري وكل شيء، وأصبح المواطن الفلسطيني لا يهتم إلا بتوفير طعام أطفاله ولا تهمه المفاوضات".
أمّا عمر الخواجا في الثمانينيات من العمر وهو من طولكرم، فبدت عليه علامات الغضب حيث ألقى الصحيفة التي كان يحملها بيديه على الطاولة واكتفى بالقول: "نحن الفلسطينيون من نقرر، وأنا ضد المفاوضات وضد الخطة".
أما المواطن سليمان عامر قال: "خطة كيري مناسبة في هذا الزمان، وما أعلمه عن كيري أنه سيكون لنا دولة مستقلة وقوات حلف الناتو الأمريكية ستكون بيننا وبين الإسرائيليين، ولذلك أنا مؤيد للسلام، وأنا أيضا أشجع الرئيس عباس على المفاوضات فيجب أن يكون هناك مفاوضات بيننا وبين الإسرائيليين. وإذا فشلت المفاوضات سيكون هناك انتفاضة ثالثة، وإذا فشلت خطة كيري سيكون مصير الرئيس أبو مازن كما كان مصير الرئيس عرفات".
بدوره، قال فارس ظاهر مدير مركز جنين للدراسات والأبحاث: "كيري طرح خططه لسبب بسيط جداً فهو الآن يسعى للدخول للانتخابات الأمريكية. فبالتالي سبيل النجاح له أن يحقق اختراقا ونجاحا على مستوى الملف الفلسطيني، وتحقيق تقارب في وجهات النظر بين الجانبين ليكون قد أنجز ما عجز عنه الرؤساء السابقون".
ويتابع ظاهر حديثه: "خطة كيري لا تحقق الهدف المنشود ولا حتى الحد الأدنى، لأنها بالدرجة الأولى خدمة لـ (كيري) كشخص ودعمه في الانتخابات الأمريكية أولاً، وثانيا دعم وتكريس ليهودية الدولة الإسرائيلية وهو اشترط الاعتراف الفلسطيني بالدولة اليهودية، وكذلك تواجد الإسرائيليين في منطقة الأغوار التي لا تريد تركها، واشتراط أمريكي كـحل بتواجد القوات الأمريكية في الأغوار على أن تكون دولة فلسطينية فيما بعد منزوعة السلاح وأن تكون فيها شرطة فلسطينية مدنية، وهذا لا يحقق مطلبنا نحن الفلسطينيين فنحن بحاجة إلى دولة فلسطينية كاملة على حدود الـ 67".
ويستكمل حديثه: "أما قضية اللاجئين فنحن نتحدث عن جزئية بسيطة والباقي سيكون في الدول العربية، إضافة إلى عودة اللاجئين إلى أراضي 67 وهذا يعتبر شطبا لحق العودة، وهو بذلك ألغى وجود الدولة الفلسطينية بحدودها، فأي دولة نتحدث عنها! دولة لا يوجد فيها جيش، أم دولة لا يوجد فيها حق للدفاع عن النفس، فأين قوات الأمن الوطني الفلسطينية؟ وأين سيكون مصيرها؟ وبذلك ستنتهي الأجهزة الأمنية الفلسطينية كاملة وبالتالي سيبقى لنا سلطة ذاتية فقط".
أما عن المفاوضات، فيروي مدير مركز جنين "إعلان فشل المفاوضات ستكون نتيجته كارثية، ومثالا على ذلك: في اتفاقيات كامب ديفد، عندما خرج الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وأعلن فشلها، انفجرت الأمور على الساحة الفلسطينية وعادت للفوضى، والطرفان يعلمان أن المفاوضات خاسرة، لكن لا يجرؤ أي منهم الخروج والقول إن المفاوضات فشلت".