كتاب عربي 21

في ذكرى وثيقة الأزهر لنبذ العنف

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
في مثل هذه الأيام كنت ضمن مجموعة من شباب الثورة نتأمل في الوضع السيء الذي باتت عليه حالة مصر، بسبب رعونة من في الحكم وأنانيته الشديدة، واتفقنا جميعا على أن البلد يتقدم بثبات نحو هاوية العنف، وهو أمر لا يمكن السكوت عليه.

فرقاء السياسة وصلت بينهم العلاقة حد القطيعة، ولا أحد يريد أن يبادر، فحاولنا أن نجبر سائر الأطراف على الجلوس على طاولة واحدة، وأن يتعهد الجميع برفض العنف، وبعدم اللجوء له كوسيلة من وسائل السياسة.

كنا نعلم أن المزايدات ستبدأ ولن تنتهي، لذلك انسحب بعض من بدؤوا معنا المسيرة، وفي النهاية أكمل الأمر إلى آخره حوالي ستة من الشباب، كنت من ضمنهم.

هؤلاء الشباب نجحوا في جمع الفرقاء على طاولة واحدة، على رأسها شيخ الأزهر د.أحمد الطيب، ووقعوا على ورقة مبادئ لا يختلف عليها أحد، وكان ذلك في 31 يناير 2013.

 قبل أن نخرج من القاعة كانت المزايدات قد بدأت، وقبل أن ينشر نص الوثيقة كان التخوين والتجريح والسب قد وصل عنان السماء.

 لم ينتبه أحد من المزايدين إلى صدق نية الشباب الذين تصدروا لهذا الأمر، ولم يحاول أحد من السياسيين (في السلطة أو المعارضة) أن يكون على مستوى المسؤولية.

 بعض السفهاء رسموا من دعا للوثيقة ومن وقع عليها وهم عراة على غلاف أحد المجلات...!
وكأن رفض العنف أمر مختلف عليه، أو كأن في الوثيقة أمرا يخجل من اشترك فيها.
ورغم ذلك دافعنا عن هذا العمل الأرعن حين صودرت المجلة التي رسمتنا عراة على غلافها، لا لشيء إلا لإيماننا الحقيقي بحرية الرأي، حتى إذا تجاوز الكاتب أو الرسام.

 البعض زعم كاذبا أن الوثيقة لم تتحدث بصراحة عن "عنف الدولة"، هؤلاء اليوم يحرضون الدولة تحريضا على القتل، ويبررون ذلك بحجج تافهة فاضحة...!

 زعم بعضهم أن الوثيقة لم تذكر حقوق شهداء الثورة، وهؤلاء اليوم يضعون أيديهم في أيدي قتلة شهداء الثورة، ويحثونهم على قتل المزيد...!

 شيخ الأزهر الذي استضاف التوقيع في المشيخة، وتصدر المشهد بنفسه، وكلف أحد كبار نوابه بالاشتراك في الصياغة (فضيلة الشيخ حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية)، نرى شيخ الأزهر اليوم ساكتا عن قتل آلاف الأبرياء بدم بارد، بل إنه لا يستنكر قتل طلبة الأزهر داخل الحرم الجامعي، وداخل المدينة الجامعية، ويتحجج من يتحدث باسمه بأنهم طلبة مشاغبون، وكأن الطالب المشاغب حلال دمه...!

 أستطيع أن أقول اليوم بكل ثقة "أنا فخور باشتراكي في هذه الوثيقة"، وذلك لعدة أسباب :
السبب الأول : لأن هذه الوثيقة قد فضحت الجميع، فضحتهم حين بدؤوا يتبرأون منها بعد التوقيع عليها، وفضحتهم حين تغيرت مواقعهم، فأصبح البعض يؤيد ما كان يستنكره بالأمس، وفضحت من أطلق الوثيقة ثم سكت حين سال الدم.

السبب الثاني: لأنها سجلت موقفي الثابت الذي لا يتزعزع من العنف، وأقول بكل ثقة وفخر أنني ما زلت متمسكا بكل حرف في هذه الوثيقة، حتى إذا تنكر لها المتنكرون، وسأستمر في التغيير السياسي السلمي منهجا في الحياة، ولن أكون من الذين يلجأون للعنف ما حييت.

السبب الثالث: لأن هذه الوثيقة تثبت أن بصيرة الشباب تكون في أحيان كثيرة أنقى من ضغائن الشيوخ، وأن الجيل الجديد قادر على رؤية المستقبل، ولو وجد فرصته فسوف يقود هذا الوطن إلى الخير، بعد أن ينقذه من عجائز السياسيين من سائر الاتجاهات.

 سيسألني سائل "لماذا تنشر هذه المقالة قبل ذكرى الوثيقة في آخر يناير؟"
والجواب: لعل نشرها الآن ينقذنا من مذبحة جديدة !

 حفظ الله مصر من كل شر.

نص الوثيقة لمن يريد أن يقرأه :


نص وثيقة الأزهر الشريف لنبذ العنف 
باسمِ جَمهرةٍ من شبابِ الثورة، وفي رِحابِ مَشيَخةِ الأزهرِ، وباسمِ الأزهرِ الشَّريفِ المؤسَّسةِ العلميَّةِ الوَطَنيَّةِ العريقةِ، وبمُشاركةِ طائفةٍ من هَيْئةِ كِبارِ العُلَماءِ وممثلي الكنائس المصرية، نُعلِنُ التِزامَنا بالمبادِئِ الوَطَنيَّةِ والقِيَمِ العُليَا لثَوْرةِ الخامس والعِشرين من يَناير، والتي يحرِصُ عليها كلُّ المشتغِلينَ بالسياسةِ والشأنِ الوَطَنِيِّ من السِّياسيِّينَ وقادَةِ الفِكرِ ورُؤَساءِ الأحزابِ والائتِلافاتِ، وسائر الأطيافِ الوَطَنيَّةِ كافَّةً، دُونَ تمييزٍ.
الموَقِّعونَ على هذه الوثيقةِ يلتَزِمونَ بما يلي:
1) حقُّ الإنسان في الحياةِ مقصدٌ من أسمَى المقاصِدِ في جميعِ الشَّرائِعِ والأديانِ والقَوانينِ، ولا خَيْرَ في أُمَّةٍ أو مجتمعٍ يُهدَرُ أو يُرَاقُ فيه دَمُ المواطنِ، أو تُبتَذَلُ فيه كَرامةُ الإنسانِ، أو يضيع فيه القصاص العادل وفق القانون .
2) التأكيدُ على حُرمَةِ الدِّماءِ والمُمتَلكاتِ الوَطَنيَّةِ العامَّةِ والخاصَّةِ، والتَّفرِقةُ الحاسمةُ بين العمَلِ السِّياسيِّ والعملِ التخريبيِّ.
3) التأكيدُ على واجبِ الدولةِ ومُؤسَّساتِها الأمنيَّةِ في حِمايةِ أمنِ المواطنينَ وسَلامتِهم وصِيانةِ حُقوقِهم وحُريَّاتِهم الدُّستوريَّةِ، والحِفاظِ على المُمتَلكاتِ العامَّةِ والخاصَّةِ، وضَرورةِ أنْ يَتِمَّ ذلك في إطارِ احترامِ القانونِ وحُقوقِ الإنسانِ دُونَ تجاوزٍ.
4) نبذُ العُنفِ بكلِّ صُوَرِه وأشكالِه، وإدانتُه الصَّريحةُ القاطعةُ، وتجريمُه وطنيًّا، وتحريمُه دِينيًّا.
5) إدانةُ التحريضِ على العُنفِ، أو تسويغِه أو تبريرِه، أو التَّرويجِ له، أو الدِّفاعِ عنه، أو استغلالِه بأيَّةِ صُورةٍ.
6) إنَّ اللُّجوءَ إلى العُنفِ، والتَّحريضَ عليه، والسكوتَ عنه، وتشويهَ كلِّ طرفٍ للآخَر، وتَرْوِيجَ الشائعاتِ، وكافَّةَ صُوَرِ الاغتيالِ المعنويِّ للأفرادِ والكياناتِ الفاعلةِ في العمَلِ العامِّ، كلُّها جرائمُ أخلاقيَّةٌ يجبُ أنْ يَنأَى الجميعُ بأنفُسِهم عن الوُقوعِ فيها.
7) الالتِزامُ بالوسائلِ السِّياسيَّةِ السِّلميَّةِ في العمَلِ الوطنيِّ العامِّ، وتربيةُ الكوادرِ الناشطةِ على هذه المبادئِ، وترسيخُ هذه الثَّقافةِ ونشرِها.
8) الالتِزامُ بأسلوبِ الحوارِ الجادِّ بين أطرافِ الجماعةِ الوطنيَّةِ، وبخاصَّةٍ في ظُروفِ التَّأزُّمِ والخلافِ، والعملُ على تَرْسيخِ ثقافةِ وأدبِ الاختلافِ، واحترامُ التعدُّديَّةِ، والبحثُ عن التَّوافُقِ من أجلِ مَصلحةِ الوطَنِ؛ فالأوطانُ تتَّسِعُ بالتَّسامُحِ وتضيقُ بالتعصُّبِ والانقِسامِ.
9) حمايةُ النَّسيجِ الوَطَنِيِّ الواحدِ من الفِتَنِ الطائفيَّةِ المصنوعةِ والحقيقيَّةِ، ومن الدَّعواتِ العُنصُريَّةِ، ومن المجموعاتِ المسَلَّحةِ الخارجةِ على القانونِ، ومن الاختِراقِ الأجنبيِّ غيرِ القانونيِّ، ومن كُلِّ ما يُهدِّدُ سَلامةَ الوطَنِ، وتضامُنَ أبنائِه، ووحدةَ تُرابِه.
10) حمايةُ كيانِ الدَّوْلةِ المصريَّةِ مَسؤوليَّةُ جميعِ الأطرافِ؛ حكومةً وشعبًا ومعارضةً، وشَبابًا وكهولاً، أحزابًا وجماعاتٍ وحركاتٍ ومُؤسَّساتٍ، ولا عُذْرَ لأحدٍ إنْ تسبَّبت حالاتُ الخِلافِ والشِّقاقِ السِّياسيِّ في تَفكيكِ مُؤسَّسات الدولةِ أو إضعافِها.
ونحنُ إذ نُعلِنُ إيمانَنا بهذه المبادِئِ، وما تُعبِّرُ عنه من أُصولٍ فَرعيَّةٍ، وثَقافةٍ دِيمقراطيَّةٍ، ووحدةٍ وطنيَّةٍ، وتجربةٍ ثوريَّةٍ - ندعو كلَّ السِّياسيِّينَ؛ قادةً أو ناشطينَ، إلى الالتِزامِ بها، وتطهيرِ حياتِنا السياسيَّةِ من مَخاطِرِ وأشكالِ العُنفِ، أيًّا كانت مُبرِّراتُها أو شعاراتُها، وندعو كلَّ أبناءِ الوطنِ؛ حُكَّامًا ومحكومينَ، في أقصى الصَّعيدِ والواحاتِ، وفي أعماقِ الدِّلتا والباديةِ، وفي مُدُنِ القناةِ وسَيْناء، إلى المصالحةِ، ونبذِ العنفِ، وتَفعيلِ الحوارِ - والحوار الجادّ وحدَه - في أمورِ الخِلافِ، وتَرْكِ الحُقوقِ للقَضاءِ العادِلِ، واحتِرامِ إرادةِ الشَّعبِ، وإعلاءِ سِيادةِ القانونِ؛ سَعْيًا إلى استِكمالِ أَهْدافِ ثَوْرةِ الخامس والعشرين كاملةً - بإذْن الله








عبدالرحمن يوسف
موقع الكتروني :  www.arahman.net
بريد الكتروني :   [email protected]
التعليقات (3)
aboodaif
الإثنين، 13-01-2014 07:16 م
من يريد حقا أن يفهم ما يجري في مصر اليوم ، عليه أن يقرأ كتاب السيد خالد محيي الدين .. "" الآن - أتكلم "".. لأن ما جاء في هذا الكتاب حقا يوضح كيف يعيد التاريخ نفسه بذات السيناريوهات التي حدثت عام 1954 ، وتتكرر الآن سنة 2014 .
أسماء
السبت، 11-01-2014 08:42 م
لعل نشرها الآن ينقذنا من مذبحة جديدة......لعل تحية إليك أستاذى ياليت كل شبابنا يملك بعض وعيك وعمق فكرك يارب اكتب لهذا البلد مستقبلا أفضل يسطر بوعى شبابها وسواعدهم
نور الهدى
السبت، 11-01-2014 06:15 م
الجيل الجديد قادر على رؤية المستقبل , بإذن الله القادم سيكون بقيادة الشباب وليركنوا العجائز جانبا بما تبقى منهم وإنى أرى أن أهم شئ من كل ما حدث أن الحقائق ظهرت وكل من يرتدون الأقنعة انكشفوا فالأشخاص يُعرفون بالمواقف " سلمت لمصر"قلما شريفا يعبر عن صاحبة