كتاب عربي 21

حدود الانتصار الإيراني

1300x600
1300x600
يحق لإيران أن تحتفل بصفقة النووي، تماما كاحتفال بشار بصفقة الكيماوي. فهي مكنت النظام من تجاوز الحصار المضروب عليه سياسيا واقتصاديا، وبات خارج مرمى الوعيد الأميركي لمنشآته النووية، بقدر ما فتح آفاق وعود اقتصادية حقيقية من خلال الإفراج عن الأرصدة المجمدة وفتح السوق الإيرانية للشركات الغربية القادرة على تطوير صناعات النفط وغيرها.

لكن، مثل صفقة الكيماوي، لم يعد واردا إمكانية الوصول إلى القنبلة النووية. وهذا ما ظلت إيران ترفضه من خمس سنوات. لكنها أدركت أن استمرار الرفض ينذر بكارثة عسكرية وسياسية واقتصادية. ليس اعتدال روحاني ولا تشدد أحمدي نجاد، ولكنه تقدير النظام ممثلا بالمرشد لموازين القوى محليا وإقليميا ودوليا. وهو تقدير براغماتي مصلحي لا علاقة له بالثوابت الأيديولوجية.

أدرك المرشد الذي يدير الملف السوري أيضا أن الضربة الأميركية لنظام بشار جدية، من خلال معلومات مؤكدة من الروس ورصد مباشر للتحركات العسكرية الأميركية، فقبل بما توصل إليه نتنياهو وبوتين في صفقة الكيماوي، وعندما أدرك أن صبر أوباما نفد في الملف النووي قبل بصفقة تاريخية، وهو يدرك أن القوة العسكرية التقليدية لإيران هي ما مكنها من بسط نفوذها الإقليمي، لا القوة النووية التي يصعب الوصول إليها ويستحيل استخدامها.

حققت إيران إنجازا، والمرشد يدرك حدود الإنجاز، ولا يطيش على شبر ماء كما يفعل أتباعه في المنطقة. بل إن الأصوات الطائفية العنصرية تعالت في صفحات التواصل باعتبار أن ما جرى دليل على تفوق "شيعي"، مع أن باكستان السنية سبقت إيران وتمكنت من تصنيع القنبلة الذرية على يد العالم عبد القدير خان الذي يتهم بأنه على علاقة مع القاعدة. وقبل ذلك تمكنت دولة الاحتلال الصهيوني من تصنيع رؤوس نووية. 

في ظل الرقابة على المنشآت لم يعد واردا أن تصنع إيران قنبلتها "الشيعية"، والأهم من ذلك أن إيران حققت الصفقة وهي في أسوأ وضع إقليمي. فلم يسبق أن بلغ العداء لإيران هذا المبلغ حتى في أيام الشاه. فالصفقة تزامنت مع تفجير سفارتها في لبنان على يد انتحاريين لبنانيين، وغدت سفاراتها في المنطقة سفارات معادية في ظل دورها التدخلي الاحتلالي في سورية والعراق واليمن.

لا تستطيع إيران أن تفرض مشروعها على المنطقة ولو امتلكت القنبلة النووية، تماما كما لم تنجح إسرائيل في ذلك. وهي تخسر يوميا في المنطقة ولم يعد لها أي حضور إلا الحضور الطائفي. بل إن هذا الحضور أخذ يتآكل، وجاءت تصريحات الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر للإندبندنت مثالا على تململ حتى في أوساط شيعية.

بعد الصفقة شهدنا زيارة أحمد داود أوغلو لطهران، وزيارة عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات، على الرغم من تواصل الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية. وهما زيارتان تؤشران على فك العزلة الإقليمية، وتسارعت الخطى نحو جنيف 2 لحل الأزمة السورية سياسيا. ذلك المؤشر لا يعني إخضاع الشعب السوري، ميدانيا يرفض الثوار المؤتمر، في الوقت الذي يحققون تقدما في مختلف الجبهات. فلانتصار إيران حدود، وتضحيات الشعب السوري تضع حدا لها وما رفضته إيران قبل خمس سنوات قبلته اليوم، وما ترفضه في سورية اليوم ستقبله غدا، ولن يكون بشار أغلى عليها من برنامجه الكيماوي.
التعليقات (0)