قال عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس
حركة النهضة (إسلامية)، التي تقود الترويكا الحاكمة بتونس، إن لديه مخاوف من عدم نجاح الحوار الوطني بالبلاد، وأرجع ذلك إلى "وجود أطراف (لم يسمها) داخل الحوار الوطني لها أجندة خارج الحوار".
وأضاف الجلاصي، في مقابلة أجرتها معه وكالة الأناضول في مكتبه بمقر الحركة بتونس العاصمة، أن "هناك أطرافاً أخرى ترغب في إنجاح الحوار الوطني وأخرى يبحث بعضها عن صفقات ثنائية فيما يسعى جزء آخر منها إلى إلصاق تهمة إفشال الحوار بحركة النهضة".
واعتبر الجلاصي أن الرباعي الراعي الحوار وخاصة الأمين العام للاتحاد العام
التونسي للشغل حسين العباسي والترويكا الحاكمة وأحزاب أخرى (لم يحددها) "يبحثون عن إنجاح الحوار". وكان يقصد الإتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وقال الجلاصي إن "الحوار الوطني معلق من الناحية الشكلية"، لكنه لم ينف وجود مشاورات ثنائية بين الأحزاب (لم يكشف عن أطرافها).
وأضاف، إن "هدف تحقيق مطالب الثورة لا يزال في صدارة أجندة حركته"، مؤكدا أن حركته متمسكة بالتوافق لسنوات طويلة قادمة.
وحول التسريبات التي تتحدث عن تشكيل حكومة وطنية بدلا من تشكيل حكومة كفاءات، التي تنص عليها مبادرة الحوار الوطني، قال الجلاصي إن " شكل الحكومة ثانوي والخطر في انفلات بعض المسارات خاصة الإنتخابي والتأسيسي".
وأكد الجلاصي أن حركته مع "حلول إدماجية"، مقرا في نفس الوقت وجود إغراءات بحلول ثنائية، معتبرا أن "الأهم هو تلازم المسارات".
وحول سبب قبول حركة النهضة بالحوار الوطني وتسليم الحكم، قال الجلاصي إن "مقاربة حركة النهضة منذ الثورة تتمثل في تغليب المصلحة والحاجة الوطنية على الأوضاع الداخلية الخاصة، ولما قدّرنا أن بلادنا تحتاجنا فجازفنا بالتصدي لأعباء الحكم تحملا للمسؤولية.
وتابع "مسار الثورة وتحقيق الانتقال الديمقراطي لا بد له من قوة سياسية مركزية وحركة النهضة هي في هذا الموقع".
وقال الجلاصي إنه "تجاه مخاوف شركائنا السياسيين من تأثير الحركة على الإنتخابات وهي في الحكم، رأينا أن تلتزم "النهضة" بالاتفاق على تحديد موعد الانتخابات والدستور وهيئة انتخابات، ونقايض هذا بحكومة مقبولة توصلنا إلى هذه الانتخابات".
واعتبر أن ما دفع حركة النهضة إلى ذلك "هو الرغبة في عدم تعطيل المسار وليس الخوف من الفشل الاقتصادي".
وقال الجلاصي "النهضة تؤمن أن البلاد في حاجة إلى مرحلة انتقالية طويلة المدى لمدة 10 أو 15 سنة، وسنكون في حاجة إلى إدارة توافقية تشاركية تضم كل الأطياف السياسية والاجتماعية في البلاد".
وحمّل جزءاً من النخبة التونسية المسؤولية عن تعثر الأوضاع، قائلا إن "الثورة فاجأتنا، وهي مسّت السطح السياسي ولم تمسّ الثقافة السياسية".
وأضاف أن "جزءاً من النخبة مرجعياته في السياسة لا تزال مرجعيات السبعينات، وهي متأثرة بثلاثة منازع إقصائية: الماركسية في نسخة متكلسة وليس النسخة التجديدية التي شهدتها ايطاليا واسبانيا، والفلسفة الوضعية الفرنسية في نسختها الرديئة المتعالية على الثقافات الأخرى والفكر القومي العربي في نسخته الانقلابية".
وذكر أنه إبان تجربة "18 أكتوبر" (تحالف بين إسلاميين ويساريين وليبراليين وقوميين سنة 2005 ) قامت النخبة بتكسير الحواجز النفسية بينها، وهو ما سمح بوجود تجربة الترويكا..
وحول انتقادات وجهها شباب بحركة النهضة لقيادتها بالتخلي عن أهداف الثورة، قال الجلاصي إن "الثورة هي القطيعة، وهذه ميزة ثورات القرن التاسع عشر والقرن العشرين، لكن ثورات أو مشاريع الثورات الربيع العربي هي مسار ثورات".
وأضاف أن "الثورة فاجأت الجميع وكل المعادلات كانت تقوم على استمرار نظام بن علي ونظام (الرئيس المصري الأسبق حسني) مبارك بإصلاحات جزئية".
وأضاف الجلاصي أن "النظام القديم لن يسلّم بسهولة وما على الشباب الثوري والشارع والقوى السياسية الثورية إلا مزيد التكاتف والوعي بتزاوج الثورية والمنهج الاصلاحي".
وأبدى تمسك حركته بـ"المسار الثوري"، وقال إن "هذه فرصة تاريخية لتحقيق مشروع نهضوي نادى به المصلحون في بلادنا منذ منتصف القرن 19".
وقال "خيارنا مع الثورة وتكتيل الشباب الثوري وتكتيل الشارع والقوى السياسية الثورية، لكن بمنهج متدرج".
وحول الاحتجاجات الداخلية والدعوات إلى اعتصام "القصبة 4"، لـ"إسقاط النظام القديم نهائيا"، قال الجلاصي "نعرف تخوفات الناس ومطلوب اليوم يقظة شعبية وحتى وإن لم تحرك النهضة الشارع، فنحن نستمع لقواعدنا ونتفهم الحراك التلقائي العفوي للشباب ولأبناء الجهات المحرومة للدفاع عن ثورتهم".
ودعت حركات شبابية تونسية إلى تنظيم اعتصام "القصبة 4"، الشهر المقبل، من أجل "تحقيق أهداف ثورة 14 يناير/كانون الثاني والتصدّي لما يعتبرونه "الثورة المضادة".
واعتبر نائب رئيس حركة النهضة أن "النظام القديم" لديه مطامع للعودة للحكم، وقال "هناك أناس تخشى من النظام القديم والعقلية الانقلابية، خاصة أن هذا نراه في مصر وما أحدثه من كوارث".
وقال "رأينا في بلادنا كيف أن أناس يفترض أنهم مع المسار الثوري منذ يوليو/تموز الماضي يرفعون دائما شعار "اليوم اليوم النهضة تسقط اليوم" ولسان حالهم يقول: "فليأت بعد ذلك من شاء".".
وأضاف "نحن في حوار دون سقف مع أبناء حركة النهضة حول هذه المواضيع، ونحن بصدد إعادة بناء الحركة" دون أن يكشف عن ما يقصده بإعادة بناء الحركة.