وزير سوري سابق يكشف لـ"عربي21" خريطة مخاطر وتحديات دمشق بعد هجوم تدمر
لندن- عربي21 - طارق السباعي18-Dec-2510:33 AM
النجار وصف الواقع السوري الراهن بأنه "بالغ التعقيد" - عربي21
شارك الخبر
في ظل مرحلة انتقالية
معقدة تمر بها سوريا، تتشابك فيها التحديات الأمنية مع ملفات إعادة الإعمار والانفتاح
الإقليمي، يبرز الجدل حول قدرة الدولة السورية الجديدة على تثبيت الاستقرار وبناء مؤسسات
فاعلة بعد سنوات من الحرب.
وفي هذا السياق، جاء
الهجوم الذي استهدف قوة أمريكية قرب مدينة تدمر ليعيد طرح أسئلة كبرى حول مستقبل التعاون
الأمني، وخريطة التهديدات الداخلية، وحدود الدور الإقليمي والدولي في سوريا ما بعد
النظام السابق، وكذلك مدي تأثير الحادث على علاقات دمشق بالولايات المتحدة.
للوقوف على أبعاد هذه
التطورات، التقت "عربي21" مع وزير الإسكان والإعمار السوري السابق في حكومة
الإنقاذ والمحلل السياسي ياسر النجار، الذي قدم قراءة معمقة للمشهد السوري، متناولا
تداعيات الهجوم الأخير، وطبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة، والانتهاكات الإسرائيلية،
إلى جانب رؤيته لملف إعادة الإعمار، وسبل تجاوز تحدي الوقت وبناء دولة مستقرة.
المشهد السوري بالغ
التعقيد وصف النجار الواقع
السوري الراهن بأنه "بالغ التعقيد"، مؤكدًا أن الدولة السورية الجديدة تواجه
تركة ثقيلة خلفها نظام بشار الأسد المخلوع على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية،
وقال إن هذا الإرث انعكس بشكل مباشر على وضع المؤسسات العامة، التي دخلت المرحلة الجديدة
وهي في حالة "إنهاك كامل"، مشيرا إلى أن كثيرا من البنى التحتية لم تخضع
لأي صيانة منذ سنوات طويلة.
وأوضح أن أي قراءة
موضوعية للوضع الميداني لا يمكن أن تتجاهل حجم الدمار الذي طال مؤسسات الدولة، ولا
سيما في العاصمة دمشق، حيث ظهرت آثار الإهمال المتراكم في قطاعات الخدمات الأساسية،
من طرق وكهرباء ومياه، وصولا إلى المنشآت الحكومية.
هجوم تدمر.. عملية
معقدة ورسالة أمنية خطيرة وفي ما يتعلق بالهجوم
الذي استهدف جنودًا أمريكيين قرب مدينة تدمر في البادية السورية، وأسفر عن سقوط قتلى
وجرحى، اعتبر النجار أن ما جرى "حادث أمني معقد"، مرجحا أن يكون منفذه عنصرا
ينتمي فكريا أو تنظيميا لتنظيم "الدولة".
وأوضح أن المنطقة الشرقية
من سوريا، والتي وقعت فيها الحادثة، تمتد على مساحة تقارب 40 ألف كيلومتر مربع، وهي
منطقة شبه خالية من السكان والموارد، وكانت خاضعة لسيطرة قوات التحالف الدولي لأكثر
من سبع سنوات بذريعة محاربة التنظيم، مع تولي التحالف الجوانب الأمنية واللوجستية فيها.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف أن هذه المنطقة،
وبعد سقوط النظام السابق، أصبحت نظريا ضمن سيادة الدولة السورية الجديدة، إلا أن الاعتداءات
الإسرائيلية المتكررة وتدمير القدرات العسكرية السورية، ولا سيما سلاح الجو، جعلا من
الصعب ضبط المناطق النائية وتأمينها بشكل كامل.
اجتماع أمني وتحذيرات
لم تُؤخذ بجدية وكشف النجار أن اجتماعا
أمنيا تكتيكيا كان قد عقد مؤخرًا لتنسيق العمل في البادية، بمشاركة جهات أمنية سورية،
وسط معلومات مسبقة عن تهديدات محتملة. وأشار إلى أن هذه التحذيرات جرى إبلاغها لقوات
التحالف، إلا أن المخاوف لم تتعامل معها بالجدية المطلوبة.
وأوضح أن الهجوم استهدف
الجنود الأمريكيين في محيط منطقة الحماية، وليس داخل تجمعات سكنية، قبل أن تتمكن قوات
الأمن الداخلي السورية من تحييد المنفذ، مؤكدا إصابة ثلاثة جنود أمريكيين إلى جانب
سقوط ضحايا آخرين.
ورأى النجار أن العملية
تحمل طابعا فرديا، لكنها تكشف في الوقت نفسه عن استمرار وجود بؤر نائمة للتنظيم، وهو
ما يتطلب مقاربة أمنية مختلفة تقوم على العمل الاستباقي والتنسيق الاستخباراتي.
تهديدات ترامب.. موجهة
للداخل الأمريكي
وحول تصريحات الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب، التي توعد فيها بالرد على الهجوم، اعتبر النجار أن هذه التصريحات
جاءت في إطار مخاطبة الرأي العام الأمريكي، لا في سياق توجيه رسائل مباشرة إلى الحكومة
السورية الجديدة.
وقال إن "مقتل
أو إصابة جنود أمريكيين يشكل قضية حساسة جدا داخل الولايات المتحدة"، ما يدفع
الإدارة الأمريكية إلى تبني خطاب حازم أمام جمهورها الداخلي، دون أن يعني ذلك بالضرورة
تدهور العلاقات مع دمشق.
وأكد أن جميع التصريحات
الأمريكية الرسمية عقب الحادثة حملت إشارات إيجابية تجاه التعاون مع الدولة السورية،
معتبرًا أن ما جرى قد يسرع مسار التفاهمات الأمنية بدل أن يعطلها، خاصة أن القضاء الكامل
على تنظيم "الدولة" لم يتحقق رغم مرور عشر سنوات على وجود التحالف الدولي.
إسرائيل واستراتيجية
إنهاك سوريا
وتوقف النجار عند الانتهاكات
الإسرائيلية المتكررة داخل الأراضي السورية، معتبرا أنها تمثل أحد أخطر التحديات التي
تواجه الدولة الجديدة، وقال إن الاحتلال الإسرائيلي سعت منذ اللحظة الأولى لسقوط النظام
السابق إلى استغلال المرحلة الانتقالية، عبر تنفيذ مئات الغارات الجوية وأكثر من
500 خرق بري، بهدف تدمير أي قدرة عسكرية سورية مستقبلية.
وأوضح أن الاحتلال
الإسرائيلي دمرت نحو 80 بالمئة من سلاح الجو السوري، إلى جانب تدمير دبابات ومنظومات
دفاعية، في محاولة لإبقاء سوريا في حالة ضعف دائم، ومنعها من مواجهة المشاريع الانفصالية
أو التنظيمات المسلحة.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف أن تل أبيب غير
راضية عن التقارب السوري–الأمريكي، وسعت مؤخرا للتدخل لدى الكونغرس الأمريكي لمنع إلغاء
"قانون قيصر"، في خطوة وصفها بأنها "تدخل سافر في مسار تعافي سوريا".
مقاربة سياسية بدل
المواجهة العسكرية وأشار النجار إلى أن
الدولة السورية الجديدة تعاملت مع الاعتداءات الإسرائيلية "بذكاء سياسي"،
عبر تجنب الانجرار إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، والتركيز بدلا من ذلك على تعزيز علاقاتها
الإقليمية والدولية.
وأوضح أن الانفتاح
على الدول العربية، ولا سيما السعودية ودول الخليج، إضافة إلى تركيا، وفر لسوريا مظلة
سياسية داعمة، باعتبار أن استقرار سوريا يمثل مصلحة مباشرة لهذه الدول.
إعادة الإعمار.. التحدي
الأكبر وفي ملف إعادة الإعمار،
تحدث النجار من موقع خبرته كوزير سابق للإسكان، مؤكدًا أن سوريا تواجه دمارا واسعا
طال المساكن والمدارس والمشافي والبنى التحتية، نتيجة سياسة "التدمير الشامل"
التي انتهجها النظام السابق.
وأوضح أن أكثر من نصف
الشعب السوري بين نازح ولاجئ، وأن عودة هؤلاء تصطدم بعقبات كبيرة، أبرزها غياب السكن،
وضعف الخدمات الصحية والتعليمية، وهو ما يجعل ملف الإعمار شرطًا أساسيًا لأي عودة واسعة.
اظهار أخبار متعلقة
وشدد على أن الحكومة
السورية الجديدة لا تبحث عن مساعدات، بل عن شراكات استثمارية طويلة الأمد، لافتًا إلى
أن رفع العقوبات وإلغاء "قانون قيصر" يفتح الباب أمام عودة الشركات الدولية،
رغم استمرار بعض التعقيدات المصرفية.
الوقت.. العدو الأصعب
وحول كيفية تجاوز عامل
الوقت، اعتبر النجار أن سوريا قادرة على اختصار الزمن عبر الاستفادة من تجارب الدول
الأخرى، ومن الخبرات التي اكتسبها السوريون في دول اللجوء.
وأكد أن نجاح المرحلة
المقبلة مرهون بقرارات حاسمة، وحوكمة فعالة، ومكافحة حقيقية للبيروقراطية والفساد،
محذرًا من أن ترك سوريا وحدها في هذا المسار سيجعل عملية التعافي أطول وأكثر كلفة.
سوريا المستقبل.. عقدة
وصل إقليمية واختتم النجار حديثه
بالتأكيد على أن سوريا تمتلك مقومات جغرافية وبشرية تؤهلها لتكون حلقة وصل بين آسيا
وأوروبا وأفريقيا، عبر شبكات النقل والطاقة والتجارة.
وأشار إلى عودة النشاط
الصناعي في مدن مثل حلب، وارتفاع عدد التراخيص الصناعية الجديدة، معتبرًا أن ذلك يعكس
رغبة حقيقية لدى السوريين في النهوض مجددًا.
وختم بالقول إن سوريا،
إذا أُتيحت لها الفرصة والدعم الكافي، يمكن أن تتحول خلال سنوات قليلة إلى نموذج اقتصادي
وتنموي في المنطقة.