كيف أدان السيسي نفسه بالاعتراف أن الاقتراض والديون تهدم البلدان؟
القاهرة- عربي2120-Nov-2509:10 PM
0
شارك
اعترف السيسي أن الديون الخارجية يمكن أن تهدم البلاد - الأناضول
أطلق رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، الثلاثاء الماضي، عدة تصريحات عن خطورة أزمة الديون على مصر، أثارت جدلا واسعا، واعتبرها مراقبون إدانة لسياسات الاقتراض التي يتبعها لأكثر من عقد، وكاشفة عن تناقض سياساته وخطط حكومته في مواصلة الاقتراض الخارجي والداخلي.
تصريحات السيسي، التي جاءت خلال زيارته أكاديمية الشرطة، اعترف فيها بخطورة الاستدانة الخارجية على البلاد، وأكد أنها يمكن أن تهدم مصر، حيث قال: "الدولة تستلف (تستدين) لما يكون مصروفاتها لا تكفي"، متسائلا: "هل السلف ده كويس (جيد)؟"، مجيبا: "قطعا لا، وكلنا حافظين أمثلة كثيرة جدا على أن السلف مش (ليس) كويس".
وأضاف: "نريد 50 تريليون جنيه عشان (لأجل) نعرف نصرف (ننفق) كويس، ونكفي الناس كل حاجة، ويكون عندنا موازنة كويسة"، مؤكدا: "بس ما استلفهمش (لا أقترضهم).. لو استلفتهم يبقى بتهدها (تدمرها)"، في إشارة للدولة.
اعترافات مثيرة
وفي إجاباته على تساؤلات الملتحقين الجدد بكلية الشرطة، أوضح السيسي، حجم تبعات الاقتراض الخارجي ملمحا لأزمة "خدمة الدين"، مبينا أن الدين لا يُسدد بالقيمة نفسها التي تم اقتراضها، وإنما يُسدد مضافا إليه فوائد، معترفا بأن ذلك يضاعف العبء المالي على الدولة.
الأرقام الرسمية تقول إن ديون مصر الخارجية تعدت 162.2 مليار دولار في يونيو/ حزيران الماضي، ارتفاعا من نحو 38.3 مليار دولار في الربع الأول من 2013، وأن الدولة العربية صاحبة ثاني أكبر اقتصاد قاري وثالث أكبر اقتصاد عربي، تعد ثاني أكبر المقترضين من صندوق النقد الدولي بقيمة 28 مليار دولار منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2016.
اظهار أخبار متعلقة
وحمَّل السيسي، ما سبقه من أنظمة مسؤولية هذا الدين، مشيرا إلى أن مصروفات الدولة بعد حرب 1967 دفعتها إلى الاستدانة، منتقدا في الوقت ذاته أوضاع مصر قبل قدومه في مجالات الاقتصاد، والصناعة، والفن، والوعي والقيم، قائلا: "أنا جيت في وقت كل حاجة كانت على الأرض".
وفي الوقت الذي اعترف فيه السيسي، في حديثه، بأنه صاحب قرارات تقليص الدعم، برر قراراته تلك التي تربو على 25 متنوعة برفع الدعم عن الوقود بأنواعه، والكهرباء، والخبز، والسلع التموينية، وغيرها؛ بأنه لا يريد زيادة حجم الدين"، حيث قال: "لما أشيل (أرفع) الدعم عن الوقود هذا غصب (رغما) عني، مش عايز (لا أريد) الديون تكتر عليا أكثر من كدة".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سجلت زيادات أسعار الوقود بالبلاد وحدها المرة الـ20 منذ بدء عمل لجنة التسعير تموز/ يوليو 2019، فيما شهد عهد السيسي، ارتفاع سعر لتر (بنزين 95) من 585 قرشا إلى 21 جنيها، و(بنزين 92) من 185 قرشا إلى 19.25 جنيه، و(بنزين 80) من 90 قرشا إلى 17.25 جنيه، والسولار من 110 قرشا إلى 17.5 جنيه، واسطوانة الغاز من 7 جنيهات إلى 225 جنيها.
وخلال اللقاء الذي ضم قيادات وزارة الداخلية، حمَّل السيسي، المصريين مسؤولية ضعف اقتصاد البلاد، بقوله: لو فكرة العمل متجذرة فينا والناس مستعدة تشتغل الـ7 أو 8 ساعات، ما نتمناه لبلدنا سيتحقق"، محذرا إياهم من أي ردود فعل ثورية، قائلا: "البلد لو اتهدمت مش هتقوم".
مصريون يردون
مصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقدوا تصريحات السيسي، مؤكدين أن "أول خطوة للتخلص من الدين، وقف الإنفاق غير الرشيد بالقصور والاحتفالات"، و"وقف الانتخابات البرلمانية الجارية والتي قد يتعدى الإنفاق عليها 10 مليارات جنيه".
المشكلة في فلسفة الاقتراض
وفي تعليقه على حديث السيسي، وهل بها دان نفسه وسياساته في الاقتراض، واعترف بأنه يساهم في هدم مصر بتأكيده أن الديون تهدم البلدان؟، وعن زعمه بأن قراراته برفع الدعم عن الوقود والكهرباء والخبز كانت لوقف زيادة الدين، تحدث الخبير في الإدارة الاستراتيجية وإدارة الأزمات الدكتور مراد علي، لـ"عربي21".
اظهار أخبار متعلقة
وقال: "تبدو سياسة الاقتراض في مصر – في هذه المرحلة الحرجة – أمرا لا مفر منه، خاصة مع اتساع الفجوة التمويلية وتراجع الموارد"، مستدركا: "ولكن السؤال الجوهري الذي يسبق الاقتراض ويتقدم عليه هو: لماذا نقترض؟، وممن نقترض؟، وبأي شروط؟، وكيف نُنفق هذه القروض؟".
ويرى السياسي والأكاديمي المصري، أن "المشكلة ليست بالاقتراض ذاته، فكل دول العالم تقترض"، موضحا أن "المشكلة الحقيقية تكمن بفلسفة الاقتراض، ووجهة إنفاق الأموال المقترَضة".
وتابع: "فبينما تلجأ الدول الرشيدة للقروض لتقوية بنيتها الإنتاجية، ورفع طاقة الاقتصاد، وتحسين الخدمات التي يلمس أثرها المواطن، نجد أن جزءا كبيرا من الاقتراض في مصر ذهب لغير فائدة".
وأشار إلى اعتماد الدولة: "مشروعات استعراضية لا تمس حياة الناس، مثل (العاصمة الجديدة)، وبناء القصور الفخمة، والمقار الحكومية الجديدة"، و"مشروعات غير ذات عائد اقتصادي مباشر؛ كـ(المونوريل) والقطار السريع، بينما تعاني قطاعات الصحة والتعليم انهيار البنية الأساسية"، و"مشروعات ليست من الأولويات، بينما تتراجع الخدمات الأساسية ويتآكل دخل المواطن بفعل التضخم وفوائد الديون".
الاقتراض الرشيد والإنفاق الرشيد
وأكد علي، أن "الاقتراض الرشيد الذي يوجه البنية التحتية حيث يعيش الناس، لا التي يعيش فيها الأغنياء، والذي يوفر مدارس حقيقية، ومستشفيات محترمة، وشبكات مياه وصرف، وطرق تخدم ملايين المواطنين، وليس الذي يزين مدينة جديدة أو يجمّل واجهة سياسية".
ولفت إلى خطورة وضع مصر في ظل دين داخلي وخارجي غير مسبوق، قائلا: "والأخطر من ذلك أن مصر تقترض بفوائد مرتفعة، بوقت تتجه فيه دول المنطقة لضخ استثمارات ضخمة في: الذكاء الاصطناعي، والصناعات المتقدمة، والطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمي، والبحث العلمي، بينما تُنفق مصر مليارات الدولارات على الاحتفالات و المباني والواجهات العمرانية دون بناء قاعدة صناعية حقيقية أو خلق قيمة مضافة للاقتصاد".
سوء ترتيب الأولويات
ويرى الخبير المصري، أن "جوهر الأزمة في مصر ليس نقص القروض، بل سوء ترتيب الأولويات، وغياب الرؤية التي تجعل الاقتراض رافعة للتنمية لا عبئا جديدا على الأجيال".
ويعتقد أنه "إذا أردنا خروجا حقيقيا من الأزمة، فلا بد أن تكون فلسفة الاقتراض قائمة على: تحسين خدمات الصحة والتعليم، وإنشاء صناعات حقيقية تنافسية، وتطوير البنية الأساسية بالمحافظات الفقيرة، والاعتماد على قروض بشروط ميسرة لا بفوائد مرهقة، وربط كل قرض بعائد اقتصادي واضح".
وختم بالقول: "أما الاقتراض لإتمام مشروعات ترفيهية أو سياسية أو غير ذات أولوية، فهو الطريق الأقصر لمزيد من التدهور الاقتصادي وربما إلى أزمات أكبر لا قبل للبلاد بها".
إلى أين يسير ملف الاقتراض؟
مع ارتفاع الدين الخارجي لمصر 6 مليارات دولار بالنصف الأول من العام الجاري، وقبل شهرين من حديث السيسي، وفي 16 أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، نية حكومته "خفض الدين الخارجي بمليار أو 2 مليار دولار سنويا".
وبالفعل، أعلن وزير المالية أحمد كجوك الاثنين الماضي، خفض قيمة الدين الخارجي لأجهزة الموازنة بنحو 4 مليارات دولار بالعامين الماضيين.
لكن تصريح لمديرة الاتصال بصندوق النقد الدولي جولي كوزاك، في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، قلل وفق مراقبين، من أهمية تصريحي مدبولي، حيث أكدت أن "ارتفاع مستويات الدين الحكومي إحدى تحديات المراجعتين الخامسة والسادسة لاقتصاد مصر في إطار قرض المليارات الثمانية من الصندوق".
وتؤكد التقارير والأرقام الرسمية أن تصريح مدبولي، لم يغل يد الحكومة المصرية التي توسعت في الاقتراض مجددا، ولم يقف الأمر على المجموعة الاقتصادية بل تعداه لباقي الوزارات والهيئات التي تواصل اتخاذ قرارات وتوقيع اتفاقيات استدانة بقروض جديدة بأشكال مختلفة.
خطط اقتراض لا تنتهي
وفي إطار سعيها لتوسيع مصادر التمويل الخارجي، قررت القاهرة ضمن خطة حكومية إصدار سندات دولية بين 1.5 وملياري دولار بالنصف الثاني من (2025-2026)، بينها سندات "الباندا" بالإيوان الصيني، و"الساموراي" بالين الياباني، "خضراء"، و"دولارية"، وفق نشرة "إنتربرايز".
وتستهدف وزارة المالية إصدار سندات دولية بقيمة 4 مليارات دولار العام المالي الجاري، كما تترقب مصر موافقة بنك "التنمية الأفريقي" على إصدار السندات المستدامة وسندات الساموراي بقيمة 500 مليون دولار.
ونهاية أيلول/ سبتمبر، أصدرت مصر صكوكا دولية بقيمة 1.5 مليار دولار فيما تجاوزت طلبات المستثمرين حاجز 9 مليارات دولار، وذلك قبل أن يشهد تموز/ يونيو الماضي، إصدار صكوك بقيمة مليار دولار في صفقة مع "بيت التمويل الكويتي".
وفي السياق، وفي 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أقر "مجلس النواب" تمويلا من الاتحاد الأوروبي بقيمة 4 مليارات يورو، ضمن حزمة بلغت 7.4 مليار يورو، تشمل 5 مليارات يورو قروض ميسرة، و1.8 مليار يورو من قروض دول جنوب المتوسط.
وفي اليوم ذاته أعلن عضو مجلس المديرين التنفيذيين بصندوق النقد الدولي محمد معيط، أن "مصر ستحصل على 2.4 مليار دولار، وشريحة إضافية بقيمة 274 مليون دولار، مع المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج قرض الصندوق المقررتين الشهر المقبل.
وكانت وزيرة التخطيط رانيا المشاط، قد أعلنت في 2 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عن تمويل فرنسي لمصر بقيمة 4 مليارات يورو خلال 5 سنوات بقطاعات الصحة والتعليم والطاقة المتجددة.
ومن المقرر أن توقع مصر الشهر الجاري، اتفاق قرض مع "البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية"، بقيمة 220 مليون يورو لتمويل إنشاء محطة محولات كهرباء، وفق "الشرق مع بلومبيرغ"، 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
الدين المحلي
وفي الدين المحلي، تعتزم مصر طرح صكوك سيادية في السوق المحلية بقيمة 25 مليار جنيه على شرائح، العام الجاري.
يستحوذ الدين المحلي على الحكومة المصرية على 73 بالمئة من إجمالي الدين العام مسجلا نحو 10.686 تريليون جنيه بنهاية آذار/ مارس الماضي، وفق بيانات وزارة التخطيط.
وتخطط وزارة المالية لأكبر استدانة فصلية محلية بتاريخ مصر، تتجاوز 2.5 تريليون جنيه بالربع الجاري من العام المالي الحالي، عبر طرح أذون خزانة بقيمة 2.04 تريليون جنيه، وسندات خزانة بقيمة 462 مليار جنيه، وصكوكا سيادية بقيمة 20 مليار جنيه.
اظهار أخبار متعلقة
وطرحت وزارة المالية المصرية الشريحة الأولى من الصكوك الإسلامية السيادية بالعملة المحلية الشهر الجاري، وسط إقبال خليجي على أول إصدار محلي لهذا النوع من الصكوك.
والأربعاء، تحدثت تقارير صحفية عن دخول هيئة الأوقاف المصرية، سوق أدوات الدين عبر إصدار صكوك محلية بقيمة 30 مليار جنيه (637.5 مليون دولار)، العام المقبل.
معضلة خدمة الدين
تمثل خدمة الدين معضلة كبيرة لمصر، اعترف بها السيسي، خلال حواره مع طلاب أكاديمية الشرطة، مؤكدا أنه "يضاعف العبء المالي على الدولة".
وارتفعت فوائد ديون مصر بنسبة 54 بالمئة في الربع الأول من السنة المالية (2025/2026)، مسجلة 695 مليار جنيه من إجمالي الميزانية، مما زاد العجز إلى 2.5 بالمئة من الناتج المحلي.
وأكد تقرير لوزارة المالية 3 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أن فوائد الدين التهمت كافة إيرادات الموازنة العامة للدولة خلال الربع الأول متجاوزة إجمالي الإيرادات بحوالي 50 مليار جنيه.