في شباط/ فبراير 2017، جلست الصحفية الفرنسية كاثرين بيريز-شيديم في المقعد الخلفي لسيارة مظللة بصحبة جنديتين من الحرس الثوري
الإيراني، قبل أن تُقاد لمقابلة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، في منزل مسور بطهران.
وصفت بيريز-شيديم اللقاء بأنه "تجربة مرعبة"، إذ وُضعت في غرفة بجدران عارية وكرسي واحد، وأُمرَت بعدم إجراء اتصال بالعين وخفض رأسها، والتحدث فقط عند مخاطبتها. وتحدثت عن صوت خامنئي الذي كان يبدو "متناقضًا بين الرقة والشر"، ووصفته بأنه حاول التنويم المغناطيسي وإظهار نفسه كأب، لكنه في الحقيقة كان يمثل "تهديدًا وشرًا".
وذكرت شيديم في مقابلة مع موقع "
كالكاليست"
الإسرائيلية أنه "خلال نصف ساعة من اللقاء، استمعت إلى تصريحات خامنئي حول "الموت لإسرائيل" واستهداف أعداء الله"، معتبرة أن النظام مسؤول عن عدد هائل من القتلى، وأن كبار المسؤولين الإيرانيين يحيط بهم "الغموض ويظهرون بلا أي أثر للإنسانية". وعند عودتها للفندق، شعرت بثقل التجربة وحاولت "غسل التراب عن نفسها".
وذكرت في المقابلة أن "عام 2017 كان مثمرًا في مسيرتها الصحفية، إذ أجرت مقابلات مع الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي (كان شخصية بارزة مرشحا للرئاسة حينها)، وغطت مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية "أفق جديد"، والتقت بقائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة في 2020. وعُرض عليها كتابة سيرة خامنئي، لكنها أجلت العمل مرارًا لحماية نفسها، قبل أن تقطع علاقاتها مع
طهران في 2020 بعد اغتيال محسن فخري زاده وتفشي أزمة كورونا".
اظهار أخبار متعلقة
في السنوات الأخيرة، تصدرت بيريز-شيديم عناوين الصحف العالمية بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية واغتيال كبار المسؤولين، ووُصفت على مواقع إعلامية بأنها "الإسرائيلية التي تسللت إلى الحكومة الإيرانية"، بينما أثارت تقارير أخرى جدلاً حول علاقاتها مع مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، وادعاءات غير مؤكدة بتورطها كعميلة للموساد، وهو ما نفتْه بنفسها.
وُلدت بيريز-شيديم في فرنسا لعائلة علمانية عام 1982 تقريبًا، وفقدت والدتها في سن الحادية عشرة، وتعرضت لرفض والدها "المعادي للسامية"، ونشأت في بيئة عززت استقلاليتها. درست الاتصالات والاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد، وانتقلت في 2009 إلى صنعاء مع زوجها اليمني، حيث اضطرت لإخفاء هويتها اليهودية تحت غطاء اعتناق الإسلام "حفاظًا على حياتها وحياة أطفالها"، وخلال هذه الفترة، واجهت محاولات للسيطرة على حياتها، بما في ذلك محاولة إجهاض فاشلة أجريت لها تحت حجة الفيتامينات.
في مطلع العقد الماضي، بدأت بيريز-شيديم الكتابة كمحللة سياسية لوسائل إعلام يمنية، وانتقلت لاحقًا إلى العمل مع موقع "مينت برس" الأمريكي المرتبط بمواقف مؤيدة لإيران، مما مهّد لها الطريق للوصول إلى مسؤولين إيرانيين كبار عبر وسطاء مثل الصحفي نادر طلبزده. واستطاعت أن تتقن شبكة علاقاتها لتصبح الصحفية الغربية المفضلة لدى النظام الإيراني، مع الحفاظ على موقفها المستقل ومبادئها، ورفضها تلقّي الأموال من النظام، بحسب ما ذكر الموقع الإسرائيلي.
أوضحت بيريز-شيديم أنها كانت تُدرك أن هدفها النهائي هو "كشف الحقيقة عن النظام الإيراني وإحراج كبار مسؤوليهم"، قائلةً: "أردت أن أُلقي قنبلة في قلب طهران"، مشيرة إلى أنها كانت تروج لموقفها الإسرائيلي بشكل ضمني، وتحذر من خطر النظام على يهود الشتات. كما أكدت أن النظام الإيراني يخطط لمسح الجاليات اليهودية في الخارج، محذرة من تهديد محتمل لفرنسا في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر".
اظهار أخبار متعلقة
خلال مسيرتها، استمرت بيريز-شيديم في العمل الإعلامي، وظهرت على قنوات مثل RT وPress TV، ونشرت مقالات تحمل رسائل سياسية معقدة، أحيانًا لـ"دواعٍ بقاء في بيئة متشددة"، وأحيانًا لتوضيح وجهة نظرها حول مقاومة الاحتلال والسياسات الإقليمية. وبينما واجهت اتهامات بالانخراط في التجسس، أوضحت أنها "لم تغو 120 مسؤولًا إيرانيًا كما تزعم بعض التقارير"، مؤكدة أن القصة التي صيغت عنها تهدف إلى ثني الناس عن الاستماع إليها.
وتجمع حياة بيريز-شيديم بين التحديات الشخصية والمهنية، من فقدان والدتها ورفض والدها، إلى الصراعات في اليمن، وصولاً إلى تجاربها الفريدة داخل إيران، وهو ما شكل مسارها كصحفية ومستقلة، وتحولها إلى شخصية بارزة في التحليل السياسي لمنطقة الشرق الأوسط.