كتاب عربي 21

كيف ستتعامل تركيا مع "قسد" في سوريا؟

سعيد الحاج
"تركيا تبدو في موقف أقوى اليوم وقسد في أضعف موقف لها منذ 2014"- جيتي
"تركيا تبدو في موقف أقوى اليوم وقسد في أضعف موقف لها منذ 2014"- جيتي
تأتي تركيا في مقدمة الدول المستفيدة من سقوط نظام الأسد في دمشق وتبلور قيادة جديدة لسوريا، وقد حققت مكاسب كبيرة وعديدة، تبدأ من الانتقال من نظام معاد إلى نظام ينظر لها بإيجابية، وتمر بالعلاقات الاقتصادية والتجارية والتأثير في المؤسسات وفتح المجال لعودة اللاجئين، ولا تنتهي بالمكاسب الجيوسياسية والتنافس مع قوى إقليمية أخرى.

من هذه الزاوية ولاعتبارات أخرى عديدة، تبرز أمام أنقرة فرصة غير مسبوقة لتحقيق أهم أهداف سياساتها السورية عبر سنين طويلة، وهي منع تشكيل كيان سياسي للمنظمات الانفصالية المرتبطة بالعمال الكردستاني على حدودها الجنوبية، والحديث هنا عن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" الموجودة في الجزيرة السورية أو مناطق شرق الفرات بدعم أمريكي.

فهل تنفذ أنقرة تهديداتها السابقة بعملية عسكرية جديدة في سوريا ضد قسد؟

تركيا ترى فعلا في المتغيرات في سوريا فرصة ذهبية غير مسبوقة لها لإنهاء هذا الملف، الذي ترى أنه يشكل تهديدا لأمنها القومي، وكان أداة ضغط خارجية عليها لأكثر من عقد من الزمان.

في المقام الأول، من المفيد التأكيد أن تركيا ترى فعلا في المتغيرات في سوريا فرصة ذهبية غير مسبوقة لها لإنهاء هذا الملف، الذي ترى أنه يشكل تهديدا لأمنها القومي، وكان أداة ضغط خارجية عليها لأكثر من عقد من الزمان. ويضاف لهذا المعنى ويعضده أمران:

الأول، أنها تراهن على موقف ترامب العائد للبيت الأبيض وغير المتحمس تقليديا لبقاء قوات بلاده في سوريا، وبالتأكيد أن انسحاب القوات الأمريكية إن حصل (بل حتى تقليل عددهم) سيهدد مشروع قسد، ولذلك تستشعر الأخيرة الخطر وبدأت بمناورات سياسية وإعلامية لمحاولة تجنب هذا المصير. والثاني، توجه أنقرة لعملية سياسية منتظرة مع أكراد الداخل، بدأت مع دعوة زعيم التيار القومي دولت بهتشلي زعيمَ العمال الكردستاني أوجلان، لإلقاء كلمة في البرلمان التركي يعلن فيها حل التنظيم ووقف العمليات، ووصلت إلى رسالة واضحة من الأخير عن استعداده لتقديم هذا "الخطاب اللازم"، والتجاوب مع "النموذج الجديد الذي قدمه السيّدان أردوغان وبهجلي".

تقديرنا أن أنقرة تضع أمامها عدة من الخيارات للتعامل مع قسد، أهمها ثلاثة، وفق ترتيب الأولويات:

الأول: إتاحة الفرصة والوقت لخيار سوري داخلي عبر القيادة الجديدة، التي تجمعها مع تركيا بالضرورة الخطوط الحمراء المتعلقة بوحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم والفدرلة، وهو ما جاء على لسان أكثر من مسؤول سوري، في مقدمتهم أحمد الشرع نفسه، قد يتم ذلك بحوار بين القيادة الجديدة وقيادة قسد، أو عبر عملية تفاوض تشمل "حصة" ما في هيكلية الدولة الجديدة، أو بالقوة إذا ما دعت الحاجة.

الثاني: ما أسماه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان "تغيير سلوك قسد"، ويفهم من ذلك تخليهم عن أفكار الاستقلال والتقسيم والفدرلة، من خلال حل التنظيم مثلا، وهو أمر مستبعد في المرحلة الحالية. ولكن يمكن أن يحصل ذلك أيضا عبر فك الارتباط بالعمال الكردستاني، من خلال عدة خطوات مثل إخراج القيادات غير السورية وحتى السورية المحسوبة على الكردستاني من البلاد، والإعلان الصريح عن الالتزام بالحلول السورية الداخلية والتخلي عن المشروع الإقليمي. وساعتها، يمكن أن تدمج العناصر المتبقية، ودون أجندة عابرة للحدود، في مؤسسات الدولة بعدة أشكال.

ويبقى الخيار الثالث: هو أن تتدخل أنقرة بنفسها وبالقوة لتحقيق ذلك، في حال فشل الحل السوري الداخلي، ورفضت قسد التخلي عن مشروعها، ومن ثم يكون الخيار عملية عسكرية موسعة ضدها. كانت تركيا لوّحت مرارا بعملية من هذا القبيل، لكن الظروف الآن تعظّم من فرص شنها ونجاحها.

تنتظر أنقرة، وليست في عجلة كبيرة من أمرها، لكنها تنتظر هذه المرة ويدها على الزناد، مجازا وعمليا، إذ لا تريد أن تندم لاحقا على تفويت فرصة تاريخية مثل هذه، سيكون لها انعكاسات إيجابية على البلاد من جميع النواحي، وفي مختلف المجالات على المدى البعيد.

فإضافة إلى أن تركيا تبدو في موقف أقوى اليوم وقسد في أضعف موقف لها منذ 2014، تستشعر واشنطن مدى حاجتها اليوم إلى أنقرة في سوريا، في عملية البناء الداخلي والتواصل مع القيادة الجديدة وملء الفراغ الإقليمي سواء بسواء، كما أن ترامب لن يكون متحمسا لبقاء القوات الأمريكية -بنفس العديد والمهمات- في سوريا على المدى البعيد، بل إن احتمال قيام تركيا بهذه العملية مع إدارة العمليات العسكرية (أو أيا صار اسمها في المرحلة القادمة)، جنبا إلى جنب مع "الجيش الوطني السوري"، تبقى قائمة.

في الخلاصة، ترى تركيا أن الظروف اليوم ملائمة لتحقيق إنجاز يغير قواعد اللعب في سوريا والمنطقة، وأنها لا يجب أن تفوت هذه الفرصة كما فعلت سابقا لعدة أسباب.

لكن، من جهة ثانية، لا تبدو أنقرة في عجلة من أمرها؛ فهي تدرك أن أي عملية عسكرية كبيرة في سوريا قد تعقد المسار السياسي الداخلي المشار إليه آنفا، وهي كذلك في انتظار إعلان الرئيس الأمريكي الجديد عن رؤيته وسياسته في سوريا، فضلا عن أنها تتيح المساحة الزمنية الكافية لقسد كي تفكر وتقرر مسارها المستقبلي، وللقيادة الجديدة في سوريا لتحدد خياراتها الممكنة بخصوص هذا الملف.

تنتظر أنقرة، وليست في عجلة كبيرة من أمرها، لكنها تنتظر هذه المرة ويدها على الزناد، مجازا وعمليا، إذ لا تريد أن تندم لاحقا على تفويت فرصة تاريخية مثل هذه، سيكون لها انعكاسات إيجابية على البلاد من جميع النواحي، وفي مختلف المجالات على المدى البعيد.

x.com/saidelhaj
التعليقات (0)

خبر عاجل