تستقبل السلطات الأمنية
المصرية الذكرى الـ14 لثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، بزيادة قبضتها الأمنية وتوقيف عدد من المعتقلين المصريين السابقين، واعتقال بعض الشخصيات المعروفة وإحالة ناشطين وحقوقيين إلى المحاكمة في قضايا جديدة، محدثة جدلا كبيرا في الشارع المصري.
"خميس غير طبيعي"
وشهد يوم الخميس، الجدل الأكبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي المصرية بعد توقيف الدكتورة ندى مغيث زوجة الصحفي المعتقل أشرف عمر، قبل اعتقال الإعلامي أحمد سراج، الأربعاء، على خلفية حديث الزوجة عن اعتقال زوجها عبر منصة "ذات مصر"، قبل شهر.
وأعلن المحامي نبيه الجنادي، والخبير التربوي الدكتور كمال مغيث، عن القبض على الدكتورة ندى زوجة رسام الكاريكاتير المعتقل أشرف عمر، من منزلها صباح الخميس، واقتيادها إلى جهة غير معلومة، ثم تبين لاحقا أنه جرى القبض على الإعلامي أحمد سراج من منصة "ذات مصر"، في خبرين أحدثا تفاعلا كبيرا.
اظهار أخبار متعلقة
وفي حين جرى إخلاء سبيل ندى بكفالة مالية قدرها 5 آلاف جنيه على ذمة التحقيقات، فقج قررت نيابة أمن الدولة العليا، مساء الخميس، حبس سراج بتهم "الانضمام لجماعة إرهابية"، و"نشر أخبار وبيانات كاذبة"، و"الإساءة لمؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية".
والخميس، أيضا، جرى الإعلان عن إحالة المعارض السياسي والرئيس الأسبق للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، هشام قاسم، للمحاكمة بتهم جرى حبسه فيها 6 أشهر في أيلول/ سبتمبر 2023، وإخلاء سبيله في شباط/ فبراير الماضي.
ودانت الجمعة، "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" قرار السلطات تجديد ملاحقة قاسم، للمرة الثانية بتقديمه متهما أمام محكمة جنايات بنفس الاتهامات المسيسة وعن نفس الواقعة التي أدانه فيها القضاء قبل عام ونصف، وقضى بسببها عقوبة سجن جائرة بعد محاكمة افتقرت لأبسط ضمانات العدالة.
وقبل إعلان خبر إحالته للمحاكمة كتب قاسم، معلقا على أزمة اعتقال ندى مغيث، قائلا: "يبدو أن سبتمبر سيأتي في يناير هذا العام"، في إشارة لاحتمال تفجر غضب شعبي الشهر الجاري، على غرار ما وقع في أيلول/ سبتمبر 2019 و2020.
والخميس، كذلك، قررت النيابة العامة، إحالة اليوتيوبر وصانع المحتوى التعليمي أحمد أبوزيد للمحكمة الاقتصادية، وذلك بعد القبض عليه في 7 كانون الثاني/ يناير الماضي، وإخفائه قسريا مدة 3 أيام، ثم توجيه اتهامات له بحيازة مبلغ 163 ألف دولار أمريكي والتعامل في العملة الأجنبية بالسوق السوداء، رغم تأكيده في التحقيقات أنها أرباحه من عرض محتواه بموقع "يوتيوب".
والخمس، أيضا، أعلنت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أن جهاز الأمن الوطني، يواصل لليوم الخامس جريمة الإخفاء القسري بحق التيكتوكر المصري محمد أحمد علام الشهير بـ"ريفالدو"، (24 عاما)، والمقيم بحي عين شمس شرق القاهرة، وذلك إثر اعتقاله للمرة الثانية تعسفيا واعتقال شقيقه في آب/ أغسطس الماضي، وفق بيان المنظمة من لندن.
وشهد يوم الخميس، وفاة المعتقل السياسي بسجن جمصة شديد الحراسة، متولي أبوالمجد سليمان محمد (57 عاما)، إثر إصابته بجلطة قلبية، وتدهور حالته الصحية داخل مقر احتجازه، لتكون حالة الوفاة الثالثة بالسجون المصرية الشهر الجاري، والتي طالت المعتقلين السياسيين عبدالسلام صدومة، وسعد السيد مدين، وذلك نتيجة الإهمال الطبي المتعمد وسوء أوضاع الاحتجاز.
والخميس، طالبت كبيرة مسؤولي الحملات في فريق الأفراد المعرضين للخطر، بـ"منظمة العفو الدولية" مي كارولان، السلطات المصرية بإطلاق سراح الطالب المصري عقبة حشاد، (27 عاما)، من ذوي الإعاقة، والذي يقبع رهن الحبس الاحتياطي منذ أيار/ مايو 2019، انتقاما من نشاط شقيقه عمرو حشاد في مجال حقوق الإنسان.
اظهار أخبار متعلقة
والأربعاء، جرى استدعاء الناشط الحقوقي حسام بهجت للتحقيق في قضية جديدة بعد رفع اسمه من قوائم المنع من السفر ضمن آخرين في آذار/ مارس الماضي، حيث أعلنت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، تلقي مديرها حسام بهجت استدعاء للمثول أمام نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس شرق العاصمة المصرية، الأحد المقبل.
والاثنين الماضي تعرض الخبير الاقتصادي المعتقل منذ 21 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عبدالخالق فاروق، لثاني أزمة صحية في محبسه إثر نقله لعنبر الجنائيين، وذلك بعد أيام من تعرض مؤسس الحركة المدنية الديمقراطية يحيى حسين عبدالهادي لأزمتين صحيتين مماثلتين خلال شهر، كان آخرها 11 كانون الثاني/ يناير الجاري.
وطالبت منظمة "هيومن رايتس إيجيبت" السلطات المصرية بالتحقيق في الانتهاكات التي يتعرض لها فاروق.
"معاناة أخرى"
وأكد محامي حقوقي مصري لـ"عربي21"، أنه "في مقابل معاناة أكثر من 60 ألف معتقل في السجون، تعاني آلاف الأسر من ذوي المعتقلين، من الفقر والإهمال الاجتماعي وغياب الحاضنة الاجتماعية والدعم، في ظل ما يفرضه الأمن من قيود ورقابة وتحفز بتلك الأسر".
وأشار إلى "واقعة إصابة سيدة معتقل زوجها وابنها منذ العام 2013، بحالة مرضية غريبة لا تفيق منها ولا تتعرف على أحد، فيما عجز من تبقى من أسرتها عن توفير العلاج اللازم لها مع تراكم الديون عليهم، ما أدى لتدهور حالتها الصحية".
"مراجعة جنيف"
وأكد مراقبون أن تلك الأحداث وغيرها مؤشر فج على تصاعد القبضة الأمنية للسلطات المصرية قبيل الذكرى الـ14 لثورة يناير، وذلك أيضا قبل أيام من عقد المراجعة الأممية الدورية لملف مصر الحقوقي في جنيف بسويسرا، 28 كانون الثاني/ يناير الجاري.
وتقدمت مصر، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بتقريرها الرابع أمام "آلية المراجعة الدورية الشاملة"، التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي، للرد على ما يطال ملف مصر الحقوقي في المراجعة التي تجري كل 4 سنوات، وتمت في أعوام 2010 و2014 و2019.
وفي 6 كانون الثاني/ يناير الجاري، أفادت وثيقة اطلعت عليها "رويترز" بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستحول 95 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر إلى لبنان، على خلفية انتقادات لملفها الحقوقي.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أفرجت الإدارة الأمريكية عن كامل المعونة العسكرية لمصر والبالغة 1.3 مليار دولار سنويا دون شروط دعما لدورها في التوصل لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وذلك رغم اقتطاع المعونة الدائم في ظل اتهام نظام القاهرة بقمع المعارضة.
"غلاء وفقر وغضب"
وتأتي تلك التضييقات الأمنية في توقيت يعاني فيه المصريون قبيل شهر رمضان من مفاجآت في الأسعار وشح ببعض السلع، وهو ما كشف عنه الخبير الاقتصادي عادل صبري، بقوله: "أسعار السلع الغذائية في مصر تتجه إلى الارتفاع التدريجي، وسط مخاوف المستهلكين من صعود مفاجئ بمعدلات الغلاء بالأسواق، رغم تراجع الطلب، متأثرة بشح العرض ورغبة المنتجين بتخزين المنتجات لطرحها، مع ذروة الاستهلاك خلال شهر رمضان المقبل، التي تزيد بنحو 50 بالمئة سنويا".
وفي مقابل الوضع الاقتصادي والمعيشي المتأزم على 107 ملايين مصري يعيشون بالداخل، أقر مجلس النواب المصري، الثلاثاء، مشروع "قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي"، والذي يقنن تقليص نسب المستفيدين من برنامج الدعم النقدي "تكافل وكرامة" المخصص للأفراد والأسر الفقيرة، في بلد يعاني أغلب سكانه من الفقر والفقر المدقع، وفق بيانات البنك الدولي.
ويأتي جميع ما سبق بالتزامن مع غضب شعبي كامن بفعل الغلاء والفقر، وفي ظل تواصل الدعوات للنظام المصري بتخفيف قبضته الأمنية، وفتح المجال العام وإخلاء سبيل المعتقلين السياسيين.
"نداءات ومطالبات"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، طالبت رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، بإنهاء سنوات تجميد السياسة، برفع الظلم عن المعتقلين، ورفع القبضة الأمنية عن المجال السياسي ووقف ملاحقة الأحزاب وحصارها واستهداف السياسيين، والتوقف عن تحميل محدودي الدخل والفقراء فاتورة الفشل الاقتصادي، وإعادة النظر في إدارة الملكية العامة وسياسات حل بيع ممتلكات المصريين.
وأشار الدكتور مراد على إلى أخبار اعتقال ندى مغيث، والإعلامي أحمد سراج، وإصابة عبدالخالق فاروق بأزمة قلبية، مؤكدا أنها "حلقة في سلسلة القمع الممنهج التي تستهدف أصوات الحق وحرية التعبير في مصر"، متسائلا: "هل نأمل يوما في كسر هذه الدائرة الشيطانية، وإنهاء هذا المشهد المأساوي من التنكيل بحق أبناء مصر الشرفاء؟".
وتساءل السياسي المصري والبرلماني السابق ثروت نافع: "ما فائدة كل هذا العبث؟"، مؤكدا أن "مصر تحتاج مصالحة وطنية شاملة، قائمة على هدف واحد فقط هو (حب هذا الوطن العظيم)".
لكن الكاتب سليم عزوز، كان له رأي آخر، بقوله: "لن يدعو لمصالحة وطنية، ولن يتبن مصالحة وطنية، ولن يأخذ بفكرة المصالحة الوطنية ولو في لحظة الغرغرة، وليس مؤهلا للمصالحة الوطنية، وليس موفقا للمصالحة الوطنية، ولو كان المقابل أن يكون رئيسا مدى الحياة".
"يواجه مخاوفه بالقهر"
وفي إجابتها على سؤال "عربي21"، "إلى أين تذهب القبضة الأمنية بالمصريين مع الذكرى الـ14 لثورة يناير؟، قالت الحقوقية المصرية هبة حسن: "النظام المصري مستمر في انتهاكاته ويوسعها على نطاق أكبر؛ ونتيجة لأن هذا النظام بنى وجوده وشرعيته بشكل أساسي على القبضة الأمنية والخوف فهو دائما يشعر بالتهديد".
وأكدت أنه "لا يرى مواجهة مخاوفه إلا بمزيد من القهر والظلم وتكميم الأفواه وإغلاق المنابر واعتقال كل صاحب رأي أو فكر، بل وكل من يعلو صوته حتى للمطالبة بحق بسيط له".
اظهار أخبار متعلقة
وترى أنه "بالطبع مع كل تغير أو حدث في المنطقة أو مع ذكرى الثورة وأي من لحظاتها الفارقة تزداد مخاوف النظام من استعادة المصريين لأمل التغيير أو خروج صوت أو محاولة لإحداث التغيير أو تشجيع المجتمع على استعادة إرادته التي استولوا عليها بعد 3 تموز/ يوليو 2013".
وخلصت للقول إنه "رغم كل هذه المحاولات والإجراءات خلال السنوات الماضية لازال النظام خائفا، ولازال في قلوب المصريين أمل، وربما تظل المسألة مسألة وقت وظروف تتشكل وتعيد الروح للمصريين لاستكمال ثورتهم، ثورة 25 يناير واستعادة إرادتهم".
"بأوامر سيادية يزداد قسوة"
وقال الحقوقي المصري أحمد العطار: "في الحقيقة ما يحدث هو الجنون بعينه"، مضيفا: "فالكل مستهدف، والكل أصبح غير آمن على نفسه، الكل بلا استثناء، كل التيارات والفئات المصرية أصبحت عرضة للاعتقال والإخفاء القسري وعدم الاطمئنان".
ولفت إلى أنه "مع مرور الوقت والسنوات وبدلا من استقرار الأوضاع تزداد الأمور تعقيدا ويزيد الأمن المصري في قبضته الأمنية"، موضحا أنه "منذ سنوات كانت القبضة الأمنية تزداد مع ذكرى
ثورة يناير أو مجزرة رابعة أو مع حدوث أمر ما مهم".
واستدرك: "لكن الآن أصبحت الاعتقالات والإحالات والتدوير وعدم احترام قرارات المحاكم والنيابات المختلفة بإخلاء سبيل المفرج عنهم على مدار السنة وليست موسمية".
وأكد أن "الأمن المصري بأوامر سيادية يزداد قسوة؛ ووحده الخوف هو عنوان المرحلة، واعتقالات لسياسيين ومفكرين وصحفيين وكتاب ومواطنين أبرياء قادتهم الظروف ليكونوا ضحايا لتوحش الأمن الوطني والشرطة للمصرية، ذلك التوحش ليس فقط مع السياسيين ولكن المواطنين العاديين".
وأشار إلى أن الشبكة المصرية لحقوق الإنسان رصدت موخرا وثقت "كيف قامت الشرطة المصرية بإعدام 6 مواطنين ميدانيا وتصفيتهم فى صعيد مصر في 3 محافظات مختلفة وفترة زمنية لا تتجاوز أسبوعين".
وختم بالقول: "وكأن الدم المصري وكرامة المصري لا وجود لها؛ والمواطن المصري مصيره الاعتقال إذا عبر عن ضيق الحال، وارتفاع الأسعار، والخوف من المصير المجهول".