مقالات مختارة

هدوء ينذر بالعاصفة بين إسرائيل ولبنان

رجب ابو سرية
جيتي
جيتي
ما أن يجمع حاجياته الشخصية، ويغادر البيت الأبيض، الذي مكث فيه مدة أربع سنوات كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، ومدة ثماني سنوات من قبل كنائب للرئيس، حتى يبدأ المحللون والكتاب في إجمال «منجزات وإخفاقات» الرئيس الأميركي السادس والأربعين جو بايدن، ليخلصوا على الأرجح، بأن أهم ما فعله، كان قبل دخوله البيت الأبيض بأسابيع.

وقد تمثل ذلك في الحدث الصاخب والمفاجئ والذي كسر تقليداً رئاسياً تكرس على مدى عقود خلت، وهو إلحاق الهزيمة بالرئيس المرشح عام 2020، الذي عاد مجدداً دون أن يهزم بايدن، بل الرئيس الذي يكاد يكون الوحيد في تاريخ أميركا الذي يعود للبيت الأبيض بعد أن خرج منه مدة أربع سنوات، والذي هزم في المرتين اللتين نافس فيهما المرشح الديمقراطي الخصم وفاز فيهما على سيدتين هما هيلاري كلينتون وكامالا هاريس، فيما خسر في المرة الوحيدة التي واجه فيها خصماً رجلاً، وكان جو بايدن.

سيسجل التاريخ على الأرجح كيف تلاعب رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو من خارج الولايات المتحدة، أي لم يكن خصماً، لا منافساً رئاسياً ولا حتى رئيساً للكونغرس، كما كان حال دونالد ترامب خلال ولايته الأولى مع نانسي بيلوسي مثلا، بجو بايدن، وأفشل كل خططه وسياساته الخاصة بالشرق الأوسط، وكان سبباً أولاً في فشل بايدن في الترشح كرئيس.

وهذه أيضاً نادرة في تاريخ الانتخابات الأميركية، حيث عادة ما يترشح الرئيس لولاية ثانية، وغالباً ما يفوز بها بسهولة أكثر مما يحدث في الولاية الأولى، ثم كان نتنياهو سبباً بإصراره على مواصلة حرب الإبادة، دون عقد صفقة تبادل المحتجزين الإسرائيليين بمن فيهم الأميركيون بوقف الحرب، في هزيمة هاريس نائبة بايدن ومرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية.

فقط يمكن أن يسجل التاريخ نجاح بايدن الجزئي في منع اندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط، وفي إفشال سعي نتنياهو لجر الولايات المتحدة لمواجهة عسكرية مع إيران، وقد تأكد ذلك حين نجح عاموس هوكشتاين مبعوث بايدن في التوصل لعقد اتفاق وقف الحرب على الجبهة الشمالية لإسرائيل بينها وبين لبنان، دون وقف الحرب على الجبهة الجنوبية، أي مع حماس في غزة.

لكن حتى هذا الإنجاز الذي كان يمكن له أن يكون نهائياً، هذا لو أن نتنياهو اتبعه بالتوصل لاتفاق الصفقة مع حماس، يبدو أنه في مهب الريح، أو أنه هش لدرجة أن الحرب يمكن أن تعود للاندلاع مجدداً، في أية لحظة، والدليل على ذلك هو عودة هوكشتاين مجدداً، بعد أقل من شهر ونصف، من أصل مدة الستين يوماً، التي يفترض أن يكون فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي قد انسحب نهائياً وبشكل كامل من كل الأرض التي احتلها، وهي فترة الهدنة التي يعني عدم إنجاز الانسحاب الإسرائيلي خلالها سقوط تلك الهدنة، والعودة للمواجهة العسكرية.

وحقيقة الأمر أن هناك أسباباً عديدة تدفعنا للقول، بأن وقف إطلاق النار الذي بدأ منذ آخر شهر تشرين الثاني الماضي بين إسرائيل وحزب الله، قد أحدث هدوءا قد يكون من ذلك النوع الذي يسبق العاصفة، من تلك الأسباب أن وقف إطلاق النار، وعلى مدار الأربعين يوماً الماضية، لم يمنع إسرائيل من مواصلة ما يسمى بخروقات الاتفاق المعقود، إن كان لجهة مواصلة قصف بعض المواقع، أو منع سكان الجنوب اللبناني الذين تركوا منازلهم خلال المواجهة العسكرية من العودة لقراهم.

وقد ترافق ذلك بعدم وجود مظاهر تشير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، قد بدأ بانسحابه كما ينص الاتفاق، بل على العكس من ذلك ما زال يواصل العبث بالأرض اللبنانية، بحجة تدمير أنفاق وإزالة مواقع عسكرية كان يستخدمها حزب الله، لدرجة أن التقارير الإسرائيلية بدأت تعلن صراحة بأن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب قبل نهاية المدة المحددة في اتفاق وقف إطلاق النار.

وقد عدد تقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أسباباً لتوقعها ببقاء الجيش الإسرائيلي في المنطقة التي احتلها من جنوب لبنان، منها أن تدمير قدرات حزب الله المرتبطة بالأنفاق ومواقع الصواريخ تتطلب وقتاً إضافياً حسب الصحيفة.

كذلك الى كون الجيش اللبناني ليس مستعداً بشكل كاف لتولي المسؤولية في جنوب الليطاني اللبناني، كما أن الجيش الإسرائيلي يعمل حالياً على بناء خط دفاع جديد بين إسرائيل ولبنان، يهدف لحماية المستوطنات، ويتضمن بناء مواقع عسكرية وتثبيت أنظمة دفاع متطورة، وكل هذا يحتاج وقتاً غير محدد، وعلى ما يبدو أن مهمة هوكشتاين هذه المرة من أجل تحقيق هذا الهدف الإسرائيلي الجديد، وهو تمديد الفترة التي يسمح بها للجيش الإسرائيلي بالبقاء محتلاً لأرض لبنانية.

هذا مع العلم بأن كل ما سبق وذكرته يديعوت احرونوت كان ماثلاً وواضحاً للطرفين الأميركي والإسرائيلي حين كان يجري التفاوض على بنود اتفاق وقف إطلاق النار، لكن إسرائيل كما هي عادتها لا تلتزم بما توقع عليه ولا تحترم أية اتفاقيات تعقدها مع أحد، كما أنها تتقن الكذب والمراوغة، فهي مررت مهلة الستين يوماً، حتى تتخلص من عبء حرب خاسرة، والآن تراهن على عدم رغبة الأطراف بالعودة للحرب مجدداً، لتمرير ما كان يمكن له أن يفشل الاتفاق من قبل.

وهناك أسباب لا علاقة لها بالداخل الإسرائيلي، أو بما ينجزه الجيش الإسرائيلي على الأرض، تدفع للقول بأن ما حققه بايدن، سواء على الجبهة الشمالية لإسرائيل، من وقف لإطلاق النار، أو على مستوى الإقليم من منع للحرب الإقليمية، يبدو في مهب الريح، فبايدن نفسه، وقبل أقل من ثلاثة أسابيع عن موعد رحيله عن البيت الأبيض، يفكر في توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، تلك الضربة التي سبق له قبل بضعة شهور، وأن قدم منظومة «ثاد» لإسرائيل حتى تصرف النظر عن استهدافها، لأن ذلك كان قبل اغتيال حسن نصر الله، ووقف إطلاق النار مع حزب الله، وقبل إسقاط نظام بشار الأسد في سورية.

والأمر جدي لدرجة أن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان قدم لبايدن اقتراحات تفصيلية حول الأمر، أي أن بايدن بات بعد ما حققه مع نتنياهو من إنجازات سياسية وعسكرية، ملتصقاً تماماً بنتنياهو، وهو لم يعد مهتماً بصفقة غزة وحسب، ولم يعد يتجنب المواجهة مع إيران، حيث بات يعتقد بأن إيران ومحورها باتا أضعف مما كانا عليه قبل أشهر قليلة، بحيث صار ضرب إيران نفسها والدخول معها في حرب مباشرة لن يؤدي الى حرب إقليمية.

لكن بايدن ومعه نتنياهو الذي ما زال يصر على عدم إنهاء الحرب رسمياً، معتقداً بأنه حين نجح بكسر سلسلة ترابط الجبهات، مع اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله، وبعد إسقاط نظام الأسد، بات بإمكانه أن يفرض كل ما يريده بالقوة العسكرية، وأن كل الأبواب باتت مشرَعة أمامه للسيطرة على الشرق الأوسط، لكن الرجلين وهما على وشك مغادرة خشبة المسرح السياسي، ما زالا يريان النصف الفارغ من الكأس، فجبهة اليمن ما زالت مفتوحة وعصية على الكسر العسكري، كما أن المقاومة في غزة ما زالت تحتفظ بالمحتجزين الأحياء والأموات، وما زالت تلحق الخسائر البشرية بجنود العدو، وما زالت إسرائيل ترتكب جرائم الحرب في غزة، تلك الجرائم التي ستدفع ثمنها غالياً فيما بعد، ليس فقط من جيوب قادتها وضباطها وجنودها، ولكن من مخزونها السياسي على الصعيد الدولي، حيث ستلاحَق كدولة مجرمة، لن يتوقف العالم عن ملاحقتها حتى يفرض عليها الحجر السياسي، متمثلاً بفرض انسحابها من كل أرض دولة فلسطين المحتلة.

ولأنه كما ينص القانون الثالث من قوانين اسحق نيوتن للحركة الميكانيكية، على أن القوى تنشأ دائماً بشكل مزدوج، بحيث يكون لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، فإن الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، يمكنها بأية لحظة خاصة إذا ما أضيف لها طلب منح إسرائيل مهلة إضافية لانسحابها، أن تعيد خلط الأوراق مجدداً.

وقد قال بهذا نعيم قاسم أمين عام حزب الله، بشكل صريح حين أعلن بأن الأعمال العسكرية قد تستأنف قبل انتهاء الستين يوماً، أي أن ذلك قد يكون رداً على الخروقات، قبل أن يكون رداً على عدم التزام إسرائيل بالانسحاب في الوقت المحدد، كما أن ما تعتقد إسرائيل بأنه إنجاز حققته في سورية قد لا يطول الوقت حتى ينقلب عليها، فلن يقوى أحمد الشرع على الصمود طويلاً أمام مفارقة الإعلان عن أن سورية لن تسمح لأحد بمهاجمة أحد عبر أراضيها، في الوقت الذي يصمت فيه على إقدام إسرائيل على تدمير مقدرات الجيش السوري واحتلال أرض سورية إضافية.

الأيام الفلسطينية
التعليقات (0)